قبل المنافسين وشغف بفتح جبهات متوازية ، وهو ما يظهر في حجم الأوامر التنفيذية والتي أعقبها تصريحات حادة حول الإحتياطي الفيدرالي ، وفي 23 جانفي وجه ترامب دعوة إلى الفيدراليَّ لخفض فوري لأسعار الفائدة، مع توقيعه أمرًا تنفيذيًا يحظر الفيدرالي من تطوير عملة رقمية، تزامنت تلك الخلافات مع توجه الفيدرالي لاتباع استراتيجية أكثر حذرًا بتخفيض الفائدة، وفي نفس الوقت شدد ترامب على أهمية خفض أسعار الطاقة عالميًّا؛ إذ مثلت تكاليف الطاقة نحو 40% من الزيادة في التضخم في ديسمبر ، ويلاحظ هنا أن ترامب طلب من منظمة "أوبك" تخفيض أسعار الطاقة.
كما تجدر الإشارة إلي أنه في حين أنه في بدأ الفيدرالي الأمريكي عدة إجراءات قبل نهاية العام المنصرم لتعزيز إستقلاليته بإتخاذ قرارات خفض معدل الفائدة إستناداً إلي المؤشرات الإقتصادية ، فقد صرح ترامب حينها بأنه يجب أن يكون له رأي في قرارات السياسة النقدية مع إحتمالية إعادة تشكيل سياسة الفيدرالي .
وبما أن كوكبنا قد عاش في ضجيج إعلامي فريد صاحبت مراسم تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الحدث لم يشغل استحواذ المجتمع الدولي بفئاته كونه الرئيس 47 لأمريكا بقدر الإهتمام بشخصية إستثنائية مُقدر لها تولي هذا المنصب الذي يتيح التأثير وتوجيه واقع ومستقبل السياسات العالمية، أخذا في الإعتبار أن الإقتصاد العالمي لم يتعاف بشكل كامل من تداعيات جائحة الكورونا وأصبح أصدقاء دونالد ( ماسك ) في مقدمة الجوائح المتوقعة.
علي الصعيد الرسمي , أعلن البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب يوقع عددًا من الأوامر التنفيذية في اليوم الأول من فترة رئاسته الثانية، وإهتمت رويترز بخبر إلغاء " ترامب" ما أسمته "عقوبات بايدن" على المستوطنين الذين ارتكبوا أعمال عنفٍ ضد الفلسطينيين بـ"الضفة الغربية".
وفي حين إهتمت فوكس نيوز بتوقيع الرئيس الأمريكي أمرًا تنفيذيًا يقضي بالانسحاب من "منظمة الصحة العالمية"، فقد ركزت إن بي سي نيوز علي توقيع "ترامب" على أمر تنفيذي بالانسحاب من "اتفاقية باريس" للمناخ، فضلاً عن إلقاء سي إن إن الضوء علي توقيع " ترامب" أمرًا تنفيذيًا يلغي "حق المواطنة بالولادة" في أمريكا، وكذلك تركيز بلومبيرغ علي فرض " ترامب" رسومًا جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك، اعتبارًا من فيفري المُقبل.
لم يحتج ترامب للإنتظار حتى يجدد مواقفه المعارضة للعمل المناخي، فمن ضمن القرارات التنفيذية التي أصدرها الرئيس الأمريكي الجديد القرار بالانسحاب من "اتفاق باريس للمناخ" للمرة الثانية، لتصبح الولايات المتحدة (المصدر الثاني لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا بعد الصين) إلى جانب إيران، وليبيا، واليمن، الدول الوحيدة في العالم خارج هذا الاتفاق.
تزامن ذلك مع إصدار ترامب أوامر تنفيذية عدة "وعد بها سابقًا"، وتضمنت إعلان حالة طوارئ وطنية بقطاع الطاقة لتبسيط التصاريح واللوائح التي يرى أنها تفرض أعباء غير مبررة ، وتعليق تصاريح الرياح البحرية ، وترجح تلك النوعية من الأوامر التنفيذية أن تشهد ولاية ترامب الثانية تراجعًا بالمشهد المناخي الأمريكي خاصةً بمجالي تحول الطاقة، والتمويل المناخي ( قد يشجع دول وشركات علي اتباع سياسات مماثلة تضر بالطموحات المناخية علي المستوي الدولي ).
يمكن القول أن تلك القرارات الترامبية والأوامر التنفيذية أثارت حالة من القلق من تداعيات التراجع الأمريكي بالمشهد المناخي إذ حذر ' سيمون ستيل' الأمين التنفيذي لاتفاقية تغير المناخ من أن تجاهل السياسات المناخية وخاصة الطاقة النظيفة ينذر بتفاقم الكوارث المناخية وتأثيرات التخلي عن الحياد المناخي على الأمنين الغذائي والمائي.
وعلى صعيد السياسات المالية والنقدية المحلية ، يواجه ترامب وطاقمه الجديد تحديات داخلية مهمة في مقدمتها مساعي السيطرة علي عجز الموازنة الفيدرالية ، ومحاولات إبطاء التضخم الذي إرتفع في ديسمبر 2024 لنحو 2.9٪ . أما علي صعيد دول جوار أمريكا فإعلان ترامب الرغبة في إستعادة قناة بنما ( إتهام الصين بإدارتها )، وتغيير مسمي خليج المكسيك ( تحويله إلى خليج الولايات المتحدة ) قد يزيد من فرص التوتر الإقتصادي ومخاوف إضطراب خطوط الإمداد.
وبما أن حفل التنصيب تواكب مع إفتتاح منتدى دافوس الإقتصادي ، فإن رئيس المنتدي أوضح في كلمته بأن العالم يشهد لحظات استثنائية من التحولات الجيوسياسية ، وحذرت مديرة منظمة التجارة العالمية من حروب تجارية بسبب الرسوم الجمركية ، وهنا نود التأكيد علي أن المسكوت عنه في مداخلات المشاركين بجلسات منتدي دافوس هو أن عودة ترامب والتصريحات الصادرة عنه وتوجهات طاقمه والمحيطين به ( تصاعد الإهتمام بالعملات المشفرة ) تزيد من احتمالات استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي وتذبذب الأسواق المالية ، علماً بأن توجهات ترامب تتناقض مع التوجه العام لمنتدي دافوس الذي يركز علي التعددية والمؤسسات الدولية متعددة الإطراف ( يتخذ ترامب مواقف سلبية تجاه منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ).
يذكر في هذا السياق أن الأوامر التنفيذية تعد بمثابة مرسوم موقع من قبل الرئيس، يحدد آلية عمل إدارة الحكومة الفيدرالية ، ويسمح للرئيس بممارسة سلطاته دون تدخل من الكونغرس.