والذي يبدو انه رهينة المستجدات داخل كيان الاحتلال . فقد أثارت بنود الاتفاق عاصفة من الانتقادات والجدل في خضم تهديدات بالانسحاب من الحكومة الاسرائيلية مما ينسف الاتفاق برمته . وفي خضم ذلك يعيش الغزاويون على أمل ولادة غزة جديدة من رحم المعاناة ودمار القصف ... فقد اجتازوا امتحانا صعبا للبقاء والاستمرار في خضم أعنف حرب شهدتها الإنسانية في العصر الحديث . ولعل التحدي الأبرز اليوم هو مدى صمود هذه الهدنة خاصة ان العدو الصهيوني معروف بتجاوزاته لكل القوانين والاتفاقيات الدولية . وتاريخ الحروب الصهيونية على غزة يؤكد بأن هذا العدو مستعد لاسقاط أي اتفاق في اية لحظة يتهدد فيها وجوده . صحيح ان نتنياهو تمكن من استغلال لحظة التحول الكبير في سوريا واختطافها لصالحه من خلال تقدم قواته داخل الأراضي السورية واحتلالها ليعوض عن فشله في الملفات الأخرى ، ولكن أحلامه نسفت على طاولة المباحثات في الدوحة مع إقرار بنود يعترف من خلالها ببقاء المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس في المرحلة القادمة رغم كل الضغوطات .
أي مصير للهدنة؟
بعد أكثر من 15 شهرا من العدوان الوحشي الذي شنّته قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد الآلاف من الفلسطينيين وتشريد مئات الآلاف، جاء الإعلان عن اتفاق الهدنة ليمنح الفلسطينيين في غزة، وفي كل مكان، بصيصا من الأمل في عيش حياة آمنة بعيدا عن أزيز الرصاص ودمار الحرب. ورغم حجم المعاناة التي لا يمكن وصفها، إلا أن هذا الاتفاق يحمل في طياته فرصة قد تكون ضئيلة، لكنها تمثل خطوة هامة نحو تخفيف معاناتهم.
وخلال الساعات القادمة، تبدأ مرحلة جديدة في هذا الصراع الطويل، حيث يسود قلق وشكوك حول مدى الالتزام في إتمام اتفاق وقف إطلاق النار الذي سيدوم 42 يوما، والذي من المقرر أن يبدأ يوم الأحد المقبل . ورغم أنّ هذه المدة قد تبدو قصيرة في ظل قسوة ما مرّ به الشعب الفلسطيني، إلا أنها تمثل خطوة نحو المفاوضات المستدامة والفرصة المتجدّدة لوقف حرب الإبادة .
ويتضمّن اتفاق الهدنة عددا من الإجراءات التي من شأنها أن تخفّف المعاناة الإنسانية في غزة، منها وقف العمليات العسكرية من قبل القوّات الإسرائيلية، وانسحابها من المناطق السكنية التي تحوّلت إلى أنقاض خلال الأشهر الماضية، ممّا يتيح للنازحين العودة إلى منازلهم رغم الدمار .
ووفق مراقبين يمثل الاتفاق خطوة نحو تأمين المساعدات الإنسانية، والتي كانت في كثير من الأحيان تعترضها القوات الإسرائيلية في محاولة للضغط على السكان المحاصرين ممّا فاقم معاناتهم. مقابل ذلك، سيتم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وكذلك إطلاق سراح المعتقلين والأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وهي خطوة مهمة تؤكّد على حقوق الفلسطينيين وضرورة احترامها.
هدنة هشة أم خطوة لإنهاء الحرب ؟
بينما يعيش الفلسطينيون في غزة على أمل أن تمثل هذه الهدنة بداية الطريق نحو إنهاء معاناتهم المستمرة، لا يبدو أن الطريق سالك بالكامل. ما زالت هناك الكثير من العقبات والتحديات التي قد تحول دون تحقيق استقرار طويل الأمد. ويتساءل مراقبون في المرحلة الراهنة عن مدى نجاح هذه الهدنة في إيقاف آلة الحرب، أم أنها مجرد محطة مؤقتة في صراع طويل لم ينته بعد.
وكان مسار الوصول إلى هذه الهدنة شاق ومليء بالتحديات، حيث استغرقت شهورا من المفاوضات غير المباشرة التي جرت في أجواء من الشكوك وعدم الثقة بين الأطراف المعنية. حيث لطالما رغبت حركة المقاومة الإسلامية حماس في أن يتم إنهاء الحرب بشكل كامل قبل الحديث عن إطلاق سراح الرهائن، وهو مطلب لم تقبله "إسرائيل" لتواصل فيما بعد حرب الإبادة والتدمير التي تشنها في غزة منذ عام 2023 . ومع ذلك، تم التوصل في النهاية إلى اتفاق يتضمن وقفا مؤقتا لإطلاق النار.
وفي حين أنّ وقف إطلاق النار قد يبدو خطوة إلى الأمام، إلا أن الحقيقة الأكثر قتامة تظلّ أنّ هذا الاتفاق لا يعني بالضرورة نهاية الحرب بشكل دائم. فقد كانت إسرائيل تهدف من الحرب إلى تدمير القدرات العسكرية لحركة حماس، ورغم أنها ألحقت أضرارا بها، إلا أنّ الحركة لا تزال تحتفظ بقدرتها على التماسك والعمل والصمود في وجه آلة الحرب الصهيونية. وبالتالي، يظل التساؤل الكبير: هل ستقبل إسرائيل بالانسحاب من المناطق العازلة بشكل نهائي، أم أن وجودها في هذه المنطقة سيظل قائما إلى أجل غير مسمى؟.
تظل المخاوف من استمرار التوتر قائمة، حيث يرجح الكثيرون أن هذا الاتفاق هشٌ، وأن أي انتهاك صغير قد يؤدي إلى تصعيد غير متوقع. عاشت غزة على مدار أشهر مضت تحت وطأة القصف والدمار، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما إذا كانت هذه الهدنة ستدوم طويلاً أم ستنهار في أي لحظة.
من أكبر الملفات العالقة في هذا الاتفاق هو مصير الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين. هذا الملف يمثل عبئا ثقيلا على مستقبل هذا الاتفاق، حيث تعهدت ''إسرائيل'' بعدم الإفراج عن السجناء الفلسطينيين المشاركين في هجمات 7 أكتوبر، وهو أمر ترفضه حماس.لكن السؤال الأهم يبقى: هل هذا هو التوازن الهش الذي سيحمل معه السلام، أم أنّ الوضع سيظلّ متقلبا، مع احتمالية انفجار الوضع في أي لحظة.
المسؤولية الدولية
في ظلّ هذا الاتفاق، تبقى السيناريوهات مفتوحة حول ما إذا كان المجتمع الدولي سيستمر في غض النظر عن ما يحدث في غزة، أم أنّ هذه اللحظة ستكون بداية لفتح صفحة جديدة من أجل تحقيق العدالة الدائمة لشعب ظلم منذ عقود. فالفلسطينيون لا يطالبون سوى بحقوقهم الطبيعية في العيش بسلام وأمان على أرضهم، بعيدا عن التدمير والقتل والتهجير.
ويرى خبراء أنّ هذه الهدنة، مهما كانت دوافعها وتفاصيلها، لا يمكن أن تُغطي على الحقيقة الكبرى أنّ الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية والقدس، يواجه يوميا تحديات الحياة تحت الاحتلال، ويحتاج إلى دعم مستمر للوصول إلى السلام الحقيقي الذي لا يُفرض بالقوة، وإنما يتأسس على احترام حقوق الإنسان والعدالة.
اتهامات متبادلة
اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حركة حماس بالتراجع عن بعض تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أمس الخميس، مما أدى إلى تأخير موافقة الحكومة الإسرائيلية عليه.
وقال نتنياهو في بيان: "تتراجع حماس عن أجزاء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الوسطاء وإسرائيل في محاولة لانتزاع تنازلات في اللحظة الأخيرة".وأضاف: "لن تجتمع الحكومة الإسرائيلية حتى يخطر الوسطاء إسرائيل أن حماس قبلت جميع عناصر الاتفاق".وكان نتنياهو قد قال في وقت متأخر من يوم الأربعاء، إن اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس لا يزال غير مكتمل.وأضاف نتنياهو أنه يجري العمل على معالجة "آخر تفاصيل" الاتفاق الذي تم التوصل إليه لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح رهائن محتجزين في القطاع وفق "سكاي نيوز عربية''.
وأفاد مكتب نتنياهو في بيان بأنه "لن يصدر بيان رسمي عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ(شأن هذا الاتفاق الذي أعلن الوسيط القطري توصّل الطرفين إليه) إلا بعد الانتهاء من التفاصيل النهائية، والتي تتم معالجتها حاليا".وكشف مسؤول إسرائيلي مطّلع على المفاوضات، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أنّ هذه التفاصيل تتركز حول تأكيد قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم.ويجب أن يحظى أي اتفاق بموافقة مجلس الوزراء برئاسة نتنياهو.
عشرات الشهداء بقصف عنيف على غزة
ميدانيا نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي الليلة الماضية وفجر امس الخميس قصفا عنيفا على مدينة غزة مما أسفر عن عشرات الشهداء، وذلك بعد ساعات من الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار بالقطاع.
وأفادت مصادر طبية وفق تقارير إعلامية باستشهاد 30 شخصا في غارات استهدفت منازل وتجمعات للمواطنين في أحياء بمدينة غزة، مما يرفع عدد الشهداء بالقطاع إلى 82 منذ فجر الأربعاء.وقالت وسائل إعلام فلسطينية إن الغارات أسفرت عن مجزرتين خلال نحو ساعة في شارع الجلاء وحي الشيخ رضوان.
وفي التفاصيل، أفادت تقارير باستشهاد 18 فلسطينيا -بينهم نساء وأطفال- وإصابة آخرين في غارة استهدفت منزلا بالقرب من نقابة المهندسين في شارع الجلاء وسط غزة.وشمل القصف الجوي مناطق أخرى في المدينة، حيث استشهد 4 في حي الدرج وطفلة في حي الشجاعية. وأوضحت المصادر أن حصيلة الشهداء جراء الغارات الليلية على مدينة غزة تجاوزت 40 شهيدا، وتداول ناشطون مقاطع مصورة تظهر أطفالا بين الشهداء والجرحى.
وتصاعدت وتيرة الغارات الإسرائيلية على الرغم من الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار يفترض أن يسري بداية من الأحد المقبل. وقال ناشطون إن انفجارات عنيفة سُمعت في أحياء مدينة غزة والمحافظة الشمالية بالتزامن مع الغارات الجوية العنيفة.
وأفادت قناة الأقصى بإطلاق نار كثيف من آليات الاحتلال جنوب شرق حي الزيتون الواقع جنوبي مدينة غزة.وبالتزامن شنت طائرات إسرائيلية بعد منتصف الليل غارات مكثفة على حي الجرن وشارع مسعود في جباليا البلد شمالي قطاع غزة، وفقا لقناة الأقصى. وفي جباليا البلد أيضا، نفذت قوات الاحتلال عمليات نسف جديدة لمربعات سكنية بالمنطقة.وفي وسط القطاع، استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية في وقت مبكر امس الخميس وسط مدينة دير البلح مما أسفر عن إصابة عدد من الفلسطينيين.وفجر أمس قصفت طائرات الاحتلال مخيم النصيرات مما أسفر عن شهيدين ومصابين، وبالتزامن نسفت قوات الاحتلال مباني سكنية قرب المخيم.وفي جنوبي القطاع، أفاد الدفاع المدني بانتشال شهيدين ومصابين إثر قصف طائرات الاحتلال منزلا في منطقة قيزان رشوان بخان يونس.