عبّر كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الإسباني بدرو سانشيز ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني في بيان مشترك عن "تنديدهم" بالعملية و"رفضهم" لها ومطالبة إسرائيل بعدم الرجوع إلى مثل هذه العمليات.
وكانت البلدان المشاركة في القوة الأممية (أربعون دولة) قد عبرت عن نفس الموقف الذي جاء في تناغم مع الخطاب الموجه من قبل الأمين العام للمنتظم الدولي أنطونيو غوتيريش الذي اعتبر أن العدوان "يخرق القانون الدولي الإنساني" وأن ذلك يمكن أن يعتبر جريمة حرب. وتنشر قوات اليونيفيل 10 آلاف جندي من بينهم 900 إيطاليا و700 فرنسيا. في نفس الوقت كرر الرئيس الفرنسي دعوته ب"عدم مد إسرائيل بأسلحة" يمكن استخدامها في غزة ولبنان. وأخذ الوزير الأول الإسباني، الذي كان قد اعترف من قبل رسميا بالدولة الفلسطينية، نفس الموقف الداعي لكل الدول عدم مد تل أبيب بالأسلحة. ولم يخف الحرص الفرنسي والإسباني التباين الواضح في المواقف في صلب الإتحاد الأوروبي.
شرخ في الوحدة الأوروبية
موقف الثلاثي الأوروبي الداعم لقوات اليونيفيل المندد بالعدوان الإسرائيلي يخفي الشرخ الذي يهدد الدبلوماسية الأوروبية بين المساندة المطلقة للكيان الصهيوني التي تظهرها مواقف ألمانيا والنمسا وهولندا بالخصوص ومطالبة بلدان الجنوب الأوروبي باحترام إسرائيل القانون الدولي. واعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون في هذا الصدد أن عدم مد إسرائيل بالأسلحة هو "الوسيلة الوحيدة" لإنهاء النزاع مع التأكيد أن ذلك لا يعني "نزع السلاح عن إسرائيل". واعتبر الملاحظون أن ذلك النداء موجه للجانب الأمريكي أساسا الذي يمد تل أبيب بجل الأسلحة والنظم الدفاعية والهجومية التي تمكنها من خوض معاركها في الشرق الأوسط، خاصة أن فرنسا لا تزود إسرائيل إلا بعدد قليل من الذخيرة ومن قطع الغيار.
في المقابل رفضت ألمانيا الموقف الفرنسي وأعلنت أنها سوف تستأنف إمداداتها العسكرية لإسرائيل التي قررت من قبل إيقافها. وهو نفس الموقف المتخذ من قبل النمسا وهولندا. وهي البلدان الأوروبية الأكثر تشبثا بالغطاء الأمريكي وبالمشروع الأطلسي. ويعتبر الإعلام الألماني أن الحكومة الألمانية لا تزال تشكو من "عقدة المحرقة" التي بنيت عليها الدبلوماسية الألمانية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وعلاقتها المتينة مع إسرائيل.
فشل أوروبي في تغيير موازين القوى
التململ الملحوظ إثر هجوم 7 أكتوبر من قبل الإتحاد الأوروبي أظهر اختلافا واضحا بين موقف رئيسة المفوضية أورسيلا فن در لاين الداعمة لإسرائيل وموقف جوزيب بوريل وزير خارجية أوروبا وعدد من البلدان الداعمة لحل الدولتين مثل أيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا وأرمينيا والنرويج التي أعلنت اعترافها عام 2024 بالدولة الفلسطينية. التصريحات المتباينة من قبل المسؤولين في بروكسيل وفي العواصم الأوروبية أبرزت عدم قدرة الإتحاد الأوروبي سن سياسة موحدة في شأن النزاع في الشرق الأوسط.
مسألة مد الأسلحة من عدمه لإسرائيل هي القطرة التي أفاضت الكأس الأوروبي والتي عرت إخفاق الإتحاد في التأثير على موقف بنيامين نتانياهو الذي ينتهج سياسة الهروب إلى الأمام حفاظا على الائتلاف الحكومي مع مكونات اليمين المتطرف الصهيوني الذي يمكنه من الإفلات من العدالة خاصة وأنه أصبح مهددا من قبل المحكمة الجنائية الدولية. لكن التصريحات الرسمية لا تعني أن الإمداد العسكري الأوروبي سوف ينبض. ففي نفس الوقت الذي ينادي فيه ماكرون بعدم إرسال أسلحة لتل أبيب لم تتخذ حكومته أي خطوة في ذلك الاتجاه. أما الجانب البريطاني فقد قرر من قبل في شهر سبتمبر الماضي إيقاف 30 اتفاق تصدير للأسلحة من جملة 350 أبرمت مع إسرائيل.
الموقف الفرنسي الجديد فاجأ الجميع. فهو يأتي بعد دعوة الرئيس ماكرون بنيامين نتانياهو إثر أحداث 7 أكتوبر الدخول في الائتلاف الدولي لمقاومة الإرهاب واعتبار أن "إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها". اليوم اختلف الوضع لأن إسرائيل تستهدف لبنان التي من المنظار الفرنسي لا تزال في "منطقة المصالح الفرنسية". وتخشى باريس من "خسارة" لبنان وخروجها من منطقة النفوذ الفرنسي في صورة نجح تعنت بنيامين نتانياهو، المدعوم من واشنطن، في تغيير موازين القوى الداخلي.
دخول واشنطن المباشر والجزئي للحرب
بالرغم من الخلافات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وبنيامين نتانياهو، لا تزال واشنطن تدعم تل أبيب دبلوماسيا وعسكريا في حربها على غزة وعلى باقي بلدان الشرق الوسط حيث أن الطيران الحربي الإسرائيلي لم يكف عن قصف مواقع في سوريا وفي اليمن واليوم في لبنان. الجديد منذ شهر أفريل 2024 هو دخول إيران عسكريا في المعادلة الإقليمية. فبعد قصف طهران عددا كبيرا من المواقع في التراب الإسرائيلي عبر صواريخ تم تحطيمها من قبل الدفاعات الإسرائيلية، دخلت المنطقة في سقف أعلى من الخطورة على استمرار المشروع الاستعماري. موجة القصف الإيراني الثانية إثر عملية اغتيال الشيخ حسن نصر الله أظهرت هشاشة الدفاعات الصهيونية التي لم تحطم كل الصواريخ، بل بعضها دمر عددا من المواقع العسكرية في أكثر من منطقة.
الرد على القصف الإيراني المرتقب يتم تحضيره حاليا بالتنسيق مع البنتاغون. فقد أعلن الجنرال بات رايدر الناطق الرسمي للبنتاغون أن وزير الدفاع لويد أوستين "أعطى موافقته لنشر نظام "ثاد" المضاد للصواريخ صحبة فيلق عسكري أمريكي في إسرائيل لمساعدة تقوية الدفاعات الجوية الإسرائيلية بعد الهجمات غير المسبوقة ضد إسرائيل في 13 أفريل وفي 1 أكتوبر". وكانت واشنطن قد زودت إسرائيل بنفس النظام الدفاعي بعد هجوم 7 أكتوبر وخلال عام 2019. مشاركة فيلق أمريكي في العمليات العسكرية القادمة، إضافة إلى دعم وكالة المخابرات الأمريكية وقوى المارينز التي تم استخدامها في تدمير غزة، ترفع من مستوى النزاع وتضع في نفس الوقت الإتحاد الأوروبي، الذي لا يملك نفس القوة، في التسلل.