العرض الاول لمسرحية "بوب مبعوث القيصر" اخراج محمد سليمة المسرحية تحفيز للسؤال وتجديد في الجماليات

مسرح الطفل مسؤولية اخلاقية وتربوية والتعامل مع الطفل

المتلقي اصعب بكثير من التعامل مع الجمهور من الكبار فالطفل لا يعرف المجاملة والطفل انما يتقبل العمل او يرفضه من هذا الباب يعمل المخرج محمد سليمة على جمالية العرض وجودة الفكرة وطرافتها حتى يقدم عرضا مسرحيا متكامل فنيا ويضمن للطفل الفرجة ويحفزه على استعمال عقله ويحلّق بخياله، في مسرحية كتب نصها علاء فرشيشي وحرك عرائسها كل من اصالة النجّار ووجدي الحدّاد وغيث النفاتي وسينوغرافيا طارق عتروس وتصميم وصنع العرائس ميساء السعيدي وطارق عتروس وتسجيل صوتي سلمان السعداوي وتلحين اغاني امين مقني واضاءة مهدي بوذينة وتوظيب عام زهيّر عرّوم وأنجز المعلقة رياض ساسي.

والرحلة كانت الى عوالم "خنفساء الروث" تلك الحشرة المنسية في الاسطبلات التي تدحرج مئونة الشتاء كما يرفع سيزيف حجرته يوميا ستكون بطلة القصة ومحور مسرحية "بوب مبعوث القصر" اخراج محمد سليمة وقدم العرض الاول في مسرح الجيب بمدينة الثقافة واحتضن فضاء مسار كامل تدريبات العمل.

غيّب الممثل وحرك التناص بين المحرك والعروسة

عوالم الاطفال مغرية بارتيادها والمكوث فيها لأطول وقت، عوالم الاطفال وألوانهم وأحلامهم اللامتناهية ومشاكساتهم المثيرة تغري للتمتع بها واستقبالها بكل تلقائية، والى عوالم الطفل حمل محمد سليمة جمهوره في عرض "بوب مبعوث القيصر" وكانت الرحلة الخيالية المتناصة مع الواقع ممتعة لها ابعادها الجمالية ورمزياتها النصية ومدلولاتها المسرحية المشجعة فقط على الخيال والأمل والانتصار للأصدقاء وان اخطئوا.
مسرحية "بوب مبعوث القيصر" تجربة مسرحية موجهة للاطفال تتماهى مع مقولة "مارك توين" :"إن مسرح الطفل هو أعظم الاختراعات في القرن العشرين وهو أقوى معلم للأخلاق وخير دافع إلى السلوك السوي اهتدت إليه عبقرية الإنسان، لان دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة أو في المنزل بطريقة مملة بل بالحركة المتطورة التي تبعث الحماسة".
"بوب" الشخصية المحورية، خنفساء تؤمن انها سليلة اعظم خنافس الارض، يقدس كل ما كتبه جده الخنفس الاكبر في مذكراته حين تحدث عن تقديس الملوك لخنفساء الروث والتبرك بها ووضعها في التمائم الواقية من الشر وفي العملات الملكية وعلى السفن المحاربة، خنفس يقدس كل ما كتبه الجد يعتبره حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، ليحلم "بوب" بمواصلة سيرة الجد وهو القاطن في اجمل الامكنة واعظمها اسطبل القيصر يشاركه السكن فرس القيصر ومن هنا تبدأ الغيرة تصنع مفعولها لدى بوب الخنفس المنسي عكس الفرس المحتفى به فيقرر ان يصبح عظيما ويخوض رحلته لخاصة.
"بوب" بطل الحكاية وصانع احداثها، بطلت نزع عنه كاتبه صفاته المعهودة ليلتقي الطفل مع بطل حكاية بمعايير اخرى فهو عنيد وغيور ولا يتحكم في مشاعر الغضب، لا نجد البطل الاسطوري الذي عهدناه شهم وصادق وجريء وشجاع، بطلنا هذه لمرة "خنفساء" عادية تحلم ان تصبح بمكانة "فرس القيصر" والتغيير في صفات البطل الهدف منه الاقتراب اكثر الى الطفل وجعل الشخصيات اقرب الى الحقيقة بالإضافة الى دفع الطفل ليتصالح مع عيوبه فيمكنه ان يكون بطلا وهو عادي لا يتمتع بمواصفات خارقة.
"بوب" خنفساء الروث الحالمة ستعيش العديد من المغامرات بغاية الحصول على لقب كما "الفرس" وفي طريقه يتعرف على حيوانات واشجار و"قبقاب" الذي سينقذه من خطر الغرق، "بوب" شخصية مرحة وصعبة المراس، يدعي القوة والبطولة والمعرفة الكبيرة لكن حقيقته غير ذلك، وبين الامل والوهم تتارجح الشخصية لتكتب اجمل اللقاءات، وامام الجمهور اعطت اصالة النجّار المحركة الكثير من روحها المرحة للشخصية، اتحد بوب وأصالة ليبدوان واحد في الكثير من المشاهد، اتقنت المحركة خبايا الشخصية وعرفت اسرارها تمكّن بوب من سرقة حنكة الممثلة وقدرتها على تغيير نبرة الصوت والاحساس ليصبح "بوب" سيد الحكاية وبطلها رغم عيوبه الكثيرة.
في المسرحية شخصيات عديدة اهمها الخنفس "بوب" و"المطرقة" و"السرج" و"القبقاب الخشبي" اربعتهم صانعي الأحداث، وكل محرك اعطى من روحه ونبرة صوته واختلافه في التشخيص للعروسة، وان غاب وجه المحرك في اغلب المشاهد فطريقته في ملاعبة العروسة ونفث روحه فيها واتحاده مع افكارها لتكون صادقة وناطقة يحيل مباشرة على تمكن المحركين من فنّ تحريك العرائس وقدرتهم على اخماد شرارة التمثيل وترك المساحة لتلك لقطع اخشبية لتتحدث بأصواتهم تعبر عما يسكنهم موجهين العديد من لرسائل التربوية للطفل المتلقي.

بين الاضاءة والموسيقى تصنع عوالم الفرجة
الموسيقى صدى للروح والإيقاعات لها تأثيرها على جمهور مسرح الطفل، فالأغاني المعتمدة داخل العرض المسرحي كثيرا ما تكون زاد الطفل ليفهم العرض ويتأمل في معانيه ودلالاته وفي مسرحية "بوب مبعوث القيصر" استعملوا نمطين موسيقيين مختلفين، الاول فن الراب بايقاعاته المتسارعة التي يتفاعل معها الطفل والثانية موسيقى كلاسيكية هادئة، لكل موسيقى حضورها وجمالياتها استطاع ملحنها اميم مقني المراوحة بين جودة الايقاع وجمالية الكلمة المستعملة في الاغنية، والأغاني في المشاهد كانت عنوان للتجديد في الاعمال المسرحية التي جمعت بين الكاتب علاء فرشيشي والمخرج محمد سليمة.
اضاءة العمل كانت مساحة لقراءة الشخصية والاقتراب اكثر من عوالمها، والعمل عرائسي تحديدا عرائس الطاولة، يسيطر الاسود على الفضاء في ملابس المحركين، تغيب ملامحهم فقط اصواتهم التي سيمنحونها لعرائسهم لساعة من الزمن، اضاءة خافتة تكون عنوان انطلاق العرض لينقل للمتلقي رقصات الخنافس تحت الارض واجتهادها لتجميع قوت الشتاء، اما حين يصعدون الى الفوق فتتضح الانارة وتصبح اقوى وكانّ اللعبة تدور بين عالم مظلم واخر مضيء، بينهما تتارجح الافكار والحكايات الاحلام، وهي رسالة العمل فجميع الناس يعيشون بين الظلمة والنور، جميع الاطفال يشعرون بالحزن والسعادة.
"بوب مبعوث القيصر" تجربة مسرحية للاطفال مشحونة بالرموز الثقافية والمسرحية والسياسية والتربوية، عمل يقبل التاويلات والقراءات المتعددة، انجزه مجموعة من الشباب الباحثين عن جماليات جديدة في مسرح الطفل والمؤمنين بقدرة المسرح في التاثير والتغيير لذلك احترموا مقومات الصورة ودلالات لنص وطريقة تحريك العرائس، عمل مشحون بذاكرة طفولية مميزة تنتصر للصادقين وتحفزهم على النجاح.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115