المبرمجة يوم 4 جويلية بحصوله على 412 مقعدا في مجلس العموم من جملة 650. وكان ذلك أهم نتيجة يحققها الحزب منذ عهد طوني بلير. في نفس الإقتراع مني حزب المحافظين بهزيمة غير مسبوقة منذ انتخابات 1906 بحصوله على 121 مقعدا. ومباشرة مع اعلان النتائج قدم ريشي سوناك الوزير الأول استقالته للملك شارل الثالث الذي عين النائب كير ستارمر وزعيم حزب العماليين خلفا له.
وبحصول حزب العماليين على أغلبية في البرلمان (على الأقل 326 مقعدا) شرع كير ستارمر في تشكيل حكومته. كما تنص عليه التقاليد الديمقراطية في بريطانية أعلن الوزير الأول الجديد يوم 5 جويلية تشكيل حكومته الجديدة التي تشمل 25 منصبا وزاريا من بينهم 11 وزيرة. وكانت جل الوجوه من الشخصيات الجديدة للحزب تمثل مختلف الطيارات داخله والمكونات الثقافية والعرقية التي تشقه. وكان من نصيب نائبة مسلمة شبانة محمود منصب وزيرة العدل في حين تقلد دافيد لامي، وهو من جذور افريقية، منصب وزير الخارجية. وقرر كير ستارمر تعيين نائبة للوزير الأول في شخص أنجيلا راير. وتتمتع النساء في هذه الحكومة بمواقع مهمة مثل وزارة المالية (راشالريفز) ووزارة الداخلية (إيفات كوبر) والتعليم (بريدجيتفيليبسون) والعمل والمتقاعدين (ليز كندال). وعين كذلك أد ميليباند زعيم الحزب سابقا في منصب وزير للطاقة كما أسند رئاسة مجلس العموم للنائبة لوسي بووال ورئاسة مجلس اللوردات للنائبة أنجيلا سميث.
زوبعة في المشهد السياسي
تسارع تلك القرارات لم تخف الزوبعة التي حدثت في المشهد السياسي البريطاني. فإضافة إلى هزيمة المحافظين المدوية وخروجهم من موطن القرار من جراء عدم قدرتهم على الحفاظ على الاستقرار السياسي بعد عملية "البريكست" ودخول البلاد في أزمة خانقة، فإن البرلمان شهد دخوله لأول مرة حزب "إصلاح المملكة المتحدة" الذي يقوده اليميني المتطرف والشعبوي ناجل فرج بخمسة مقاعد و تحسين عدد المقاعد بالنسبة لليبراليين الديمقراطيين بعدد 72 نائبا بزيادة 64 مقعدا وحصول الخضر على 4 مقاعد بزيادة 3 نواب. أما من حيث التقهقر فقد خسر الحزب الإستقلالي الأسكتلندي 38 مقعدا ليحافظ فقط على 9 مقاعد. أما الخسارة القصوى فقد سجلها حزب المحافظين الذي سجل فقدان 252 في صفوفه.
هذا المشهد الجديد سوف يحتم تغيير القيادة في حزب المحافظين الذي "استخدم" 5 رؤساء حكومة منذ الطلاق مع الإتحاد الأوروبي والذي حكم البلاد خلال 14 سنة مضت قبل الهزيمة. من ناحية أخرى، تمتع حزب الليبراليين الديمقراطيين بحصوله على عدد هام من النواب يجعله يأتي في المرتبة الثالثة مستغلا نفور الناخبين من المحافظين. أما الحدث المهم الذي يجب متابعته هو دخول اليمين الشعبوي المتطرف لأول مرة للبرلمان. وهو ما سوف يساعده على نشر آرائه في كل المناسبات وخاصة خلال مساءلة الوزير الأول مما يعطي زعيمه ناجل فرج فرصة في إيصال صوته إلى كامل البلاد وجلب مناصرين جدد.
وزير أول دون كاريزما
الوزير الأول الجديد كير ستارمر هو محامي مختص في قضايا حقوق الإنسان يبلغ من العمر 61 عاما كان قد تقلد منصب المدعي العام للمملكة وانتخب نائبا في مجلس العموم قبل أن يعين في حكومة الظل. تقلد رئاسة حزب العماليين إثر تخلي جريمي كوربين اليساري الراديكالي الذي شهد تقهقر حزبه وانتقاده من أجل فضائح عنصرية. يعرف كير ستارمر بتواضعه وهو من أصل شعبي وبفقدانه للكاريزما التي عادة ما تصنع الزعماء. لكنه عرف كيف يأخذ موقعا في صلب الحزب وقد قلدته الملكة إليزابيث الثانية مرتبة النبلاء وأصبح "سير" قبل دخوله المعترك السياسي.
وشرع منذ بداياته الحزبية في تنحية مناصري جريمي كوربين اليساريين وتوجيه سياسات الحزب نحو الوسط كما فعل من قبل طوني بلير. واستند على زعماء سابقين ووزراء من حكومات طوني بلير لإعادة الحيوية في صفوف الحزب. وأظهر كير ستارمر خلال الأعوام الأخيرة قدرة على التأقلم والعمل المنظم من أجل لم شمل فصائل الحزب لخوض المعركة الحاسمة. ووعد الناخبين إثر فوزه قائلا :"التغيير يبتدأ الآن" مضيفا "البلد صوت على التغيير ورجوع سياسات الخدمات العامة." وأشار إلى أنه من الضروري "التقدم معا" وأن فقدان الثقة لا بد أن يتراجع بالعمل وليس بالكلام" وأن "السياسة يمكن أن تكون قوة للخير". بهذه الكلمات العامة افتتح نيابته وطالب في أول لقاء مع وزرائه الشروع مباشرة في تحقيق برنامج التغيير.
الشروع في العمل مباشرة
يبقى أمام كير ستارمر رهانات عدة على المستوى الداخلي والمستوى الدولي. فقد قرر مباشرة زيارة الأمم الأربعة التي تكون المملكة المتحدة وهي إسكتلندا وبلاد الغال وايرلندا الشمالية وإنقلترا قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة للمشاركة في قمة الحلف الأطلسي. أول اعلان للوزير الأول هو ابطال اتفاق طرد اللاجئين إلى رواندا الذي أقره ريشي سوناك ضاربا بذلك كل التقاليد البريطانية والمعاهدات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان. وأعلن الوزير الأول الجديد التركيز على الخدمات العامة من برامج التعليم العمومي والصحة والنقل ورفع الأجور وتحسين ظروف العيش في بلد أصبح على رأس البلدان الأوروبية التي تعاني من فقر فئات عريضة في المجتمع وغلو المعيشة وعدم قدرة العديد من الأفراد على ضمان المنزل اللائق والتعليم المجاني.
على المستوى الدولي سوف يواصل كير ستارمر دفاعه عن الحلف الأطلسي والعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل خاصة أنه متزوج من امرأة يهودية وأنه أظهر منذ 7 أكتوبر تحيزا واضحا لتل أبيب في حربها على غزة. أما باقي الإستراتيجية التي أسسها بوريس جونسون بعد "البركسيت" فقد تتطلب بعض الوقت لتفكيكها. لكن الوزير الأول معروف بقربه لأوروبا وسبق أن صوت لفائدة البقاء في الإتحاد في استفتاء 2016. وقد أدرج في برنامجه الانتخابي عزمه على اصلاح العلاقات مع بروكسل والعمل على التوصل إلى اتفاق بين الطرفين يسهل الأعمال والتبادل التجاري الذي لحقه شلل منذ الطلاق مع أوروبا.