وداعا خميّس الخيّاطي لا كلمات تصفك... أو تنصفك!

رحل خميّس الخيّاطي في هدوء وبهدوء... ودّع الأركاح وقاعات السينما والمكتبات والشوارع... وغاب إلى الأبد!

 سافر خميس الخياطي دون أشياء وترك لنا الصبر ... فأيّ كلمات ستصفه وتنصفه؟ كيف لسطور عابرة في زحمة الأيام والأحزان أن تتسع لمسيرة ناقد وباحث وإنسان من الصعب أن يتكرر؟ كيف لحروف قد تتسع أو تضيق أن تستوعب حجم الخسارة واللوعة ومرارة الفقدان ...؟

بعد الآن لن نتعثّر في طريقنا بخميس الخياطي سواء في العالم الافتراضي أو في شوارع العاصمة و"اللافيات" هاشا باشا، مبتسما للأمل والحياة رغم "الداء والأعداء". بعد الآن من العبث الاتصال بخميّس الخياطي للاستدلال برأيه في فنون السينما والصورة فصاحب الهاتف لا يرد ولن يرد! بعد الآن لن نشاهد خميس الخياطي في قاعات السينما أو في المسارح أو في لقاءات الفكر والفن، أو،أو .. لأنّه سافر إلى الأبد !
بعد صراع مع المرض ، لم يطمس فيه الروح الشفافة ولم يسرق من وجهه الابتسامة العذبة ومن عينيه الرؤية الناقدة والنظرة الثاقبة، غادرنا خميس الخيّاطي يوم الثلاثاء 18 جوان 2024 بعد أن مرت رحلة العمر بين المطارات وعواصم البلدان ليكون المستقر في النهاية تونس، الموطن والأصل والانتماء.
ولأنه أصيل مدينة القصور من ولاية الكاف، فكثيرا ما كان يذكرها بحنين ويسترجع شريط ذكرياتها صورا وكلاما، وقد قال عنها من بين ما قال :" قريتي بالشمال الغربي هي من تلك القرى التي، لجهة عبثية الحياة بها، قد يكون تخيلها "دينو بوزاتي" (1906-1972) في رواية "صحراء التاتار" (نشرت ترجمتها الفرنسية في العام 1940) لأن الزمن توقف دفعة واحدة في عيون أهلها... شمس "تنقب راس العصفور" صيفا وبرد وثلج وجليد يجمدوا بني آدم شتاء... " هكذا كان يمضي خميس الخياطي محدثا عن ذكرياته بين الخبز "الشائح" والسكر اليابس وحفظ القرآن بكتّاب جامع "سيدي علي المحجوب"... وصولا إلى فرنسا لدراسة علم الاجتماع ونيل شهادة الدكتوراه التي تناولت سينما "صلاح أبو سيف". ما بين التدريس في جامعة السوربون، وممارسة مهنة الصحافة في الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي ... مرّ العمر في لمح البصر!
ولأنّ الثقافة هي "محنته اللذيذة"، فقد كان الكتاب في حياة خميس الخياطي رفيقا وصديقا "في الأتراح والأفراح، في السراء والضراء، أيام الإشراق وليالي الأفول..."، وهو الذي يقول " يوم قررت الهجرة من البلاد ولتحمل أيام الغربة الأولى، حملت معي ثلاثة عناوين هي: "مجتمع الفرجة" لـ"غي دوبور" و"أغاني مالدورور" لـ"لوتريامون" و"رسالة في فقدان الأمل" لـ" سورن كيركغارد"... ويوم عدت ولأتأقلم مع بيئة لم أعد أعرفها رغم أنها بيئة المنشأ، جئت بمئات الكتب من أمهات الكتب العربية والفرنسية التي اقتنيتها في أسفاري..."
وقد أصدر خميّس الخياطي مجموعة من الكتب باللسانين العربي والفرنسي ناهز عددها 15 كتابا منها: فلسطين والسينما، النقد السينمائي (1982)، عن السينما المصرية (1985)، صلاح أبو سيف (1995)، يائسًا من الصورة (2002)، تسريب الرمل (2006)، أيام قرطاج السينمائية الذاكرة الخصبة (2016)، العين بصيرة (2019)...
عن الصورة الفن والرمز والرسالة... طالما سال حبر خميّس الخيّاطي الذي يعدّ من أبزر النقاد السينمائيين في تونس والعالم العربي. فلا غرابة أن يعج أرشيفه بصور نادرة يحتفظ بها أو التقطتها عدسة كاميراه التي كانت ترافقه في حلّه وترحاله لتكون شاهدة مثله على العصر والمكان والإنسان.
كانت الثقافة هي "المحنة" في حياته كما يصفها، بها "اللذة ومنها العلّة... التي لا تطل حتما إلاّ على الحرية".

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115