عن إرساء وقف دائم لإطلاق النار ، شنت إسرائيل هجوما على القنصلية الإيرانية في سوريا ، في عملية تحمل أكثر من دلالة باعتبار الدور المحوري الذي تلعبه ايران في علاقة بمحور المقاومة ودعمه في المنطقة ، وهو أيضا محاولة من حكومة نتنياهو لتحقيق نقاط واهداف هامة بعد فشله طيلة ست اشهر من عملية طوفان الأقصى من استئصال حركة حماس . وتوعّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس، بأن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، "لن يمر دون رد"، في وقت تقف فيه المنطقة على حافة الانفجار منذ بدء الحرب في غزة في السابع من أكتوبر المنقضي. وتزايدت المخاوف الدولية والإقليمية من تفجّر الأوضاع بعد هذا الاستهداف الذي يعتبر أحدث تصعيد مباشر بين الطرفين .
وتستهدف إسرائيل المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا منذ فترة طويلة، غير أن هذه هي المرة الأولى التي تقصف فيها إسرائيل مجمع السفارة نفسه في انتهاك صريح لقواعد القانون الدولي وحرمة البعثات الدبلوماسية في الخارج .
وقصفت طائرات حربية إسرائيلية، السفارة الإيرانية في حي المزة بدمشق، في تصعيد للحرب التي تشنها إسرائيل على حلفاء طهران في المنطقة، إذ شوهد عمال طوارئ وهم يصعدون على أنقاض مبنى مدمر داخل المجمع الدبلوماسي بجوار مبنى السفارة الرئيسي، فيما كانت سيارات الطوارئ متوقفة في الخارج، وعلم إيران معلق على عمود أمام الأنقاض.وقالت وزارة الدفاع السورية، إن إسرائيل شنت الهجوم، ما أدى إلى سقوط وإصابة كل من كان بداخله وتدمير المبنى بالكامل، إذ انتقل وزيرا الخارجية والداخلية السوريان إلى موقع الهجوم وأدانا ما وصفاه بـ "العمل الشنيع".
وقال سفير إيران لدى سوريا، حسين أكبري "أصابت الضربة مبنى قنصلياً في مجمع السفارة"، موضحاً أن مقر إقامته في المبنى ذاته، المكون من طابقين علويين.وأضاف أكبري أن "العمل الشنيع نفذته طائرات إسرائيلية من طراز F-35 بإطلاق 6 صواريخ"، قائلاً: "لأول مرة، تجرأ النظام الصهيوني على استهداف مبنى رسمي لسفارة تحمل العلم الإيراني. ردنا سيتم في الوقت والمكان المناسبين". ".بدوره، قال الحرس الثوري الإيراني في بيان، إن "7 مستشارين عسكريين لقوا حتفهم في الهجوم، من بينهم محمد رضا زاهدي القائد الكبير في فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري، إضافة إلى نائب زاهدي محمد هادي حاج رحيمي وحسين أمين الله، وهو قائد كبير آخر للفيلق في سوريا ولبنان".
وقال ناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي وفق مانقلته "الشرق"، أمس الثلاثاء، إن الولايات المتحدة لا علاقة لها بالهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق وأوقع ضحايا ومصابين، موضحاً إن واشنطن "لم تعلم به قبل وقوعه"، في وقت اتهمت طهران إسرائيل بالضلوع في القصف، الذي أودى بحياة 7 مستشارين عسكريين، بينهم 3 من كبار القادة وتوعدت بالرد المناسب.بدورها، أبلغت الولايات المتحدة، إيران، بأن واشنطن "ليس لها أي علاقة" أو "معرفة متقدمة" بالضربة الإسرائيلية على مجمع دبلوماسي في سوريا، وفق ما أورده موقع "أكسيوس" الأمريكي.وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي للموقع، إن الولايات المتحدة "لم يكن لها أي دور في الضربة الإسرائيلية، ولم نكن على علم بها في وقت مبكر. أبلغنا طهران بهذا مباشرة".
ووقع الهجوم قبل وقت قصير من اجتماع عبر تقنية الفيديو بين مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، مع مسؤولين في الاحتلال الاسرائيلي لمناقشة بدائل عملية الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.وأضاف مسؤول أمريكي أن "الضربة الجوية في سوريا، لم يتم طرحها خلال الاجتماع الذي استمر ساعتين ونصف الساعة"، وأوضح مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون أن إسرائيل "أخطرت إدارة الرئيس جو بايدن قبل دقائق قليلة من قيام قواتها الجوية بتنفيذ الضربة، لكنها لم تطلب الضوء الأخضر الأمريكي" وفق مانقله موقع ''الشرق".
مجلس الأمن يبحث الهجوم
في السياق، قال نائب مندوب روسيا الدائم بالأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي، إن مجلس الأمن الدولي سيعقد جلسة مفتوحة، الثلاثاء، بشأن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق.
وأضاف بوليانسكي عبر منصة "إكس"، أن طهران بعثت برسالة إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة القصف، وقال: "طلبنا عقد جلسة مفتوحة لمجلس الأمن عقب رسالتهم".
وكانت سفيرة ومساعدة ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة، زهراء إرشادي، طلبت في رسالة إلى مجلس الأمن، إدانة الهجوم "بأشد العبارات الممكنة وعقد اجتماع عاجل للتعامل مع الانتهاكات العلنية لقواعد ومبادئ القانون الدولي" من قبل إسرائيل، وفقاً لما ذكرته وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء.
وقالت البعثة الإيرانية، إن الضربة "تهديد كبير للسلام والأمن الإقليميين"، وحضت مجلس الأمن على استنكار الهجوم وقالت إن طهران "تحتفظ بالحق في اتخاذ رد حاسم".
ونددت دول منها العراق والأردن وعُمان وباكستان وقطر والسعودية والإمارات، بالهجوم، وقال السفير الإيراني لدى سوريا، والذي لم يصب بمكروه في الهجوم، للتلفزيون الرسمي الإيراني إن "عدداً يتراوح بين خمسة وسبعة أشخاص، بينهم دبلوماسيون، قتلوا في الهجوم وإن رد طهران سيكون قاسياً".
توتر إقليمي
وبحسب "فاينانشيال تايمز"، فإن الهجوم الإسرائيلي يعد الرابع على قوات إيرانية في سوريا خلال العام الجاري 2024، إذ سقط ما لا يقل عن ستة من أفراد الحرس ومستشار عسكري في 3 حوادث منفصلة منذ جانفي الماضي.
وقصفت إسرائيل مئات الأهداف المرتبطة بطهران في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك مطارا حلب ودمشق، منذ أن نشرت إيران قوات خلال الحرب السورية في عام 2011.
هروب إسرائيل من جحيم غزة
من جهته قال د. خيام الزعبي الكاتب والأكاديمي السوري أن "المعركة اليوم في سوريا بات أكثر عنفا وشراسة، مضيفا أنّ "إسرائيل" كثفت منذ بدء حرب غزة غاراتها على الأراضي السورية، وقد طال قصفها مرات عدة مطارَي دمشق وحلب الدوليين، وأيضاً مركز البحوث العلمية بمنطقة جمرايا في الريف الغربي من العاصمة السورية دمشق، واليوم أطل الإرهاب الإسرائيلي بوجهة القبيح مرة أخرى، من خلال إقدام إسرائيل على اغتيال القائد في الحرس الثوري الايراني العميد محمد رضا زاهدي ونائبه العميد حاجي رحيمي، في هجوم استهدف مقر القنصلية الإيرانية بدمشق، وقد سبق إن إغتال الصهاينة قادة من محور المقاومة ولم تتوقَّف المقاومة بل تصاعدت، في إطار ذلك فإن دم الشهداء، لن يضعف من الجهاد والمقاومة كما يتوهّم الإحتلال، بل سيرون بأعينهم أن النار ستزداد قوة واشتعالا".
وتابع ''بالمقابل عقد الحرس الثوري الإيراني اجتماعا طارئا وسط دعوات تطالب بضرورة الرد على هذا العدوان الإسرائيلي، لأنّهم يدركون إن هذه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية تشكل استفزازا للكرامة العربية والإسلامية وطعناً لها في مقتل، ولا بد من وضع حد لها بأي شكل من الأشكال فقد طفح كيل صبرهم، في إطار هذا ومنذ الإعلان عن جريمة الاغتيال، تعيش إسرائيل حالة متنامية من القلق والخشية غير المسبوقين، فإسرائيل متيقنة من أنّ الردّ آت لا محالة، ومفتقرة في الوقت نفسه إلى معلومات حسية تقودها إلى تحديد مكان الردّ وزمانه وحجمه وأسلوبه، الأمر الذي يطلق العنان لتقديرات وتنبؤات استخبارات واسعة، وهي في أغلبها تقديرات تشاؤمية مقلقة''.
انقسام داخل ''إسرائيل''
وأضاف الزعبي ''تبقى الاغتيالات أحد أقوى أدوات الضغط والحرب بمواجهة حركات المقاومة، بعد فشل عدوان إسرائيل على غزة في تحقيق أي انتصارات عسكرية بل وفقدت المزيد من قواتها فضلا عن الغضب الشعبي الذي يحيط بالحكومة الإسرائيلية من الداخل''.
وتابع "بينما يعجز نتنياهو الإرهابي عن "إنهاء المقاومة" كما وعد حكومته، لم يتمكن أيضا من ردع حزب الله في جبهتهم الشمالية ولا الحوثيين في البحر الأحمر، رغم تهديداته المستمرة بشن حرب واسعة على لبنان واليمن، ثم جاء اغتيال المُستشارين العسكريين الإيرانيين في قلب دمشق، ليؤكد أنّ إسرائيل بحربها "الوجودية" هذه، سلكت دربها بعمليات الاغتيال، كحرب موازية لإخفاقاتها على جميع الأصعدة. ومن هنا اعتبرت حركات المقاومة بأنها محاولة من العدو الصهيوني لتوسيع رقعة الاشتباك وجر المنطقة بأسرها إلى الحرب للهروب من الفشل الميداني العسكري في المنطقة والمأزق السياسي الذي تعيشه حكومة الكيان، إثر فشلها من حربها على غزة '' على حدّ تعبيره .
الردّ الإيراني
وبخصوص الرد الإيراني المتوقع أجاب الزعبي أنّه ''من غير المعروف كيف سينفذ الحرس الثوري الإيراني تهديداته ، فهل سيقصف أهدافاً في العمق الإسرائيلي بالصواريخ، أم انه سيقدم على تفجير سفارات إسرائيلية أو اغتيال مسؤولين إسرائيليين في الخارج؟، وهنا يمكنني القول إن نتنياهو يلعب بالنار، ومن المؤكد انه سيدفع مستوطنوه ثمناً غالياً في نهاية المطاف، وبالتالي فإن مساعدة كل من حزب الله وسورية وحلفاؤها لإيران، بالإضافة إلى القوّة الصاروخية التي يمتلكها محور المقاومة والقادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل، فضلاً عن قدراته الهجومية التي لا تزال في إرتفاع مستمر من ناحية الكم والكيف، ليس لمصلحة إسرائيل في فتح جبهة مع محور المقاومة، ليصل الأمر بالمقابل إلى إعتبار أن سيناريو الحرب القادمة مع المحور المقاوم سيكون الأخطر في تاريخ إسرائيل".
وأضاف الكاتب السوري " هناك توقعات بإنفجار المنطقة برمتها التي أصبحت معرضه لمخاطر الحرب نتيجة المواقف المتعنتة للدول المتآمرة على ايران ومحورها المقاوم، فالحقيقة التي يجب أن ندركها إننا الآن أمام تحدي كبير يتطلب منا التغيير في الاستراتيجيات والأدوات والعودة إلى الكفاح والمقاومة بكل أشكالهما، وكسر حال الصمت لمواجهة إسرائيل الحاقدة على العرب".
مقتل موظفي منظمة إغاثية بضربة إسرائيلية
ميدانيا قتل سبعة عاملين في منظمة غير حكومية أمريكية توزع مساعدات غذائية في قطاع غزة المهدد بالمجاعة بضربة إسرائيلية أمس الأول الإثنين، على ما أفادت المنظمة الإغاثية الثلاثاء معلنة وقف عملياتها في المنطقة وفق ''ا ف ب''.
وقالت منظمة "وورلد سنترال كيتشن" التي تتخذ مقرا في الولايات المتحدة في بيان "قتل سبعة عناصر من فريقنا في غزة بضربة نفذتها القوات المسلحة الإسرائيلية".
وأوضحت أن بين القتلى مواطنين "من أستراليا وبولونيا والمملكة المتحدة ومواطن يحمل الجنسيتين الأمريكية والكندية وفلسطيني". كما أعلنت "تعليق عملياتها في المنطقة".وكانت المنظمة ذكرت في بيان سابق أنهم قتلوا "فيما كانوا يعملون لدعم رسالتنا الإنسانية بتسليم طعام في غزة"، منددة بـ"مأساة".وشاركت المنظمة بشكل نشط منذ اندلاع الحرب بين "إسرائيل" وحركة حماس في غزة في 7 أكتوبر، في عمليات الإغاثة ولا سيما بتوزيع وجبات غذائية على سكان القطاع.وأعربت الولايات المتحدة عن "قلقها العميق" لهذه الضربة.
وكتبت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أدريان واتسون على "إكس" "قلبنا مفطور ونشعر بقلق عميق بسبب الغارة".وشددت على "وجوب حماية عمّال الإغاثة الإنسانية لأنهم يقدّمون مساعدات (الفلسطينيون) بحاجة ماسّة إليها، ونحضّ إسرائيل على التحقيق بسرعة في ما جرى".
من جانبها أعلنت وزارة الصحة التابعة لحركة حماس أنّ أربعة عمّال إغاثة أجانب من "وورلد سنترال كيتشن" قتلوا مع سائقهم الفلسطيني في ضربة إسرائيلية.وقالت الوزارة في بيان إنّ "خمسة قتلى، بينهم أجانب، وصلوا لمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح" بعدما قضوا "في قصف جوي إسرائيلي استهدف سيارة مصفّحة في غرب دير البلح تابعة" للمنظمة الإغاثية.
بدوره أعلن مكتب الإعلام الحكومي التابع لحماس أنّ "الشهداء هم 4 أجانب، (ثلاثة) يحملون الجنسيات البريطانية والأسترالية والبولونية والرابع لم تُعرف جنسيّته، إلى جانب السائق وهو مترجم فلسطيني" يدعى سيف عصام أبو طه.
وأكّد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي الثلاثاء أنّ أسترالية تدعى زومي فرانكوم هي في عداد القتلى مؤكدا "هذا أمر غير مقبول على الإطلاق. أستراليا تتوقع محاسبة كاملة (للمسؤولين عن) مقتل عمّال الإغاثة".
وقال جيش الإحتلال الإسرائيلي أمس الثلاثاء إنّ إحدى ضرباته على غزة تسببت في مقتل سبعة أشخاص يعملون لصالح منظمة "ورلد سنترال كيتشن" للإغاثة، وأضاف أن قائد الجيش سيراجع نتائج تحقيق أوليّ.وجاء في بيان للجيش أن "الحادث المأساوي الليلة الماضية وقع نتيجة ضربة للجيش، ونحن نحقق في ملابسات الحادث".