طوبى لمن يزرعون الحب وينثرون بوادر الصدق ويزرعون في الانسان الامل ليواصل مساره ويحقق اهدافه في هذا العالم، طوبى لمن يتمسكون فبحقّهم في تخليد اسمائهم في التاريخ ويعملون بجدية ليحققوا هذا الحلم ويتمسكون بكل حقوقهم الانسانية ويسمحون للاخرين ان يشاركونهم الحلم والجمال.
وفضاء "la scène de joie" لبنة ثقافية ومسرحية جديدة تضاف للمشهد الابداعي في تونس وتجربة متجددة ترسّخ لحرية الفنون وتدافع عن قيم الجمال وحق الانسان في الثقافة.
الفضاء ولد بعد نضج تجربة التمثيل واكتمال التجربة
صخب التلاميذ يصنع موسيقى مميزة، صرخاتهم ولعبهم يمثل موسيقى تستقبل زوار المكان، صدى ضحكاتهم وأحلامهم التي يضعونها تدريجيا ستكون مادة موسيقية دسمة لمزيد الانصات والانتباه للتفاصيل الكثيرة المحيطة بالفضاء، في "نهج كلود برنار" يوجد فضاء la scèneيتوسط العديد من المحلات التجارية ومحلات التجميل والمدارس التعليمية، يرحب بزواره شامخا داعيا المارة لاكتشاف هذا الفضاء الذي انبثق في المكان كما تنبت الزهرة البرية المقاومة لكل اشكال التصحّر.
فضاء ثقافي جديد يضاف الى الساحة، تجربة ابداعية تؤمن بدور الفن في التغيير، تجربة لتشارك مشاعر الحب والفرحة والمسرح كما يقول صاحب الفضاء المسرحي والممثل عز الدين مبعوج، عن la scène de joie يقول محدثنا "حلم نضج منذ عام تقريبا بعد اعوام طويلة في التمثيل والتدريس والتكوين، هو مسار حياتي وفني اردته مختلفا، يشبهني ونتشارك من خلاله الفرحة قبل المسرح" .
الجدران مطلية باللون الأسود صور لشارلو تزين الواجهة الخارجية مع اسم الفضاء المكتوب باللون الاحمر وكلاهما من علامات المسرح، فبين الاحمر والاسود تبنى الاحلام وتشيّد الكثير من النجاحات، وقرار افتتاح فضاء ثقافي متعدد الاختصاصات وموجه للجميع "تطلب الكثير من التفكير والجرأة، فالفن مقاومة او لا يكون، واخترت ان اقاوم بالمسرح وأتشارك مع محبي هذا الفن مفهوم الحرية والمقاومة" حسب تعبير عز الدين مبعوج.
ويضيف محدثنا عن نضج فكرة افتتاح فضاء ثقافي وتطورها "انا خريج المعهد العالي للفن المسرحي وتكونت لدى اهم الاساتذة على غرار بسمة الفرشيشي وماري السلامي ومعز مرابط وفتحي العكاري عنهم اخذنا حب المهنة، ثم دخلت مجال التدريس لاشارك تلاميذي خبراتي ومعارفي فولد شخص اخر بداخلي وعلّمني ابنائي الكثير من الاليات الجديدة للتواصل كما تكوّنت بيداغوجيا امام اهمّ متفدي مادة المسرح على غرار خامس الرزقي وعبد الواحد مبروك وفتحي اللبان ونبيل ميهوب والان البغدادي عون جميعهم صقل التجربة التدريسية وبذلك ولد المسار المهني المختلف على تجربتي التمثيل والاخراج." ويؤكد المبعوج ان كل هذه التجارب ساهمت في تشكيل فكرة افتتاح فضاء ثقافي سيكون رديفا للحب انطلاقا من سؤال " ما الذي يمكنني اضافته للمشهد ولنفسي؟ ما الذي سأتركه في هذا المجال الذي اخترته مسارا ومهنة وحياة؟".
الفضاء نتيجة حتمية لمسارات مهنية وانسانية متعددة ولعل اهمها تجربة التكوين مع الفنان الكبير اخلاقا وفنا توفيق العايب، فمن نبله تعلّمت الكثير ما شجعني على افتتاح الفضاء ليكون لبنة اخرى للحب والحياة.
المسرح مساحتنا المشتركة للحب والحلم
فضاء la scène يبدو صغير الحجم من الخارج لكنه كبير بالطاقة الموجودة داخله، منذ المدخل تستقبلك لوحات تشكيلية هي هدية من الرواد للفضاء الذي جمعهم وعلّمهم الكثير، رواق طويل الى يساره مكتبة بدأت تتأثّث تدريجا في انتظار وصول بقية الكتب من مدينة صفاقس، ثم مكتب للادارة والى اليسار قاعة مستطيلة الشكل موشاة بالستائر السوداء وفرشت ارضيتها باللون الوردي مع كراسي قماشية متناثرة لتكون الجلسة مريحة، في هذه القاعة تقدم الورشات والدروس النظرية والتطبيقية، في هذه القاعة ترتفع اصوات الاطفال المولعين بالمسرح وتتصاعد طلبات المراهقين اتلباحثين عن مساحة للحرية وفيها تولد علامات توازن الكهول وتحقيقهم لذواتهم الفنية بعد نجاحهم في مساراتهم الحياتية الاخرى.
قاعة العروض متاحة لكل المسرحيين والباحثين عن فضاء للتدريبات والقاعة مجانية لمن ينجزون عروض ذاتية وبمعلوم رمزي للحاصلين على اعمال مدعومة، فغايتنا التشجيع على الخلق وهدفنا البناء لا الربح.
فضاء "ركح البهجة" ان صحت الترجمة مساحة للحرية والحب والمسرح، يقدم لرواده برنامج سنوي وهو لم يعلن افتتاحه الرسمي بعد، انطلقت الورشات منذ شهر ونصف ويقدمها ثلة من المسرحيين المحترفين، اذ يوفر الفضاء لرواده ورشات في المسرح للطفل من عمر 4الى 6اعوام ومن 7الى 11 عام ويشرف عليها وليد الزين وشيماء فالحي وهاجر بلحاج قاسم، وورشة المسرح للمراهقين وورشة المسرح للكهول ويؤطرها عز الدين مبعوج كما يحارب الفضاء فكرة "الخوف" عبر ورشة السيرك المسرحي التي يؤطرها سيف الدين رقّام بالاضافة الى الرقص المسرحي والمعاصر وتشرف عليها المبدعة جميلة كامارا.
في "ركح البهجة" لا نصنع ممثلين كما يقول عز الدين مبعوج، بل نسعى لنصنع انسانية الانسان، الفضاء موجه اساسا لثلاثة انواع من الرواد الاول مغرم بالمسرح وله احلام يصنعها ويريد تحقيقها فنعمل معه على صقل الغرام وتحقيق أهدافه والثاني فريق يبحث عن مساحة للحرية "التفرهيد" بعد ضغط العمل والحياتي، ونوفر له مساحة للفرحة فيغرم بالمسرح وتصبح له اهداف واحلام يريد تحقيقها، والفريق الثالث يبحث عن ذاته والحصول على الثقة بنفسه ويعيش العديد من الصعوبات يريد معالجتها بالمسرح فيجد ذاته ويصبح له احلامه ايضا، لتكون النتيجة بعد ورشات ولقاءات مساحة من الفرحة والحلم نتشاركها ونسعى لتحقيقها ومنها تحقيق ذواتنا الفنية والابداعية والانسانية.
هنا تبنى الاحلام وتتشكل الامال، في هذا الفضاء الصغير تولد اجمل اللقاءات المسرحية والفنية والانسانية، في الركح تولد اجيال جديدة تتعلم قيم الانسانية والمقاومة انطلاقا من المسرح فالمسرح فعل تشاركي هو تشارك لطاقة الحب والجمال، المسرح تجربة حياتية نعمل على تطويرها والفضاء مساحة للحب وللممارسة والفن.