ثم فترة شباب تخصص لإكتساب المهارات المؤهلة إلى مهنة وإلى موقع في المجتمع: قد يتطلب كل هذا نصف العمرحتى يصبح ابن البشرمواطنا فاعلا قادرا على تحمل أعباء الحياة والإضطلاع بمسؤوليات المواطن.
أين تونس من هذا؟ هل من مقارنة مع أبناء البلدان الراقية؟ ما هي المشاكل؟ وهل من حلول؟ ماذا تقول المدارس الحداثية والمعاصرة في التربية والتعليم؟ فرويد! فراسواز دولتو!جبران! قولمان! مناهج التربية!
لا فائدة في الإطالة: تونس 2021 فشلت على كل مستويات التربية والتعليم وإكساب المهارات وخلق المواطن المتوازن والفاعل.1200000منقطع عن التعليم منذ الثورة!!! أطفالنا اقل ذكاء واكتسابات ومهارات وقدرة على التفكير النقدي بعيدا جدا عن أطفال البلدان الراقية. مشاكل المراهق والشاب لا تحصى ولا تعد في ربوعنا.
وجب أن نقول بادئ ذي بدء أن المشروع البورقببي في تحديد النسل و تربية النشء والمراهنة على تعليم العلم واللغات والثقافة, ذاك المشروع الذي سجل نجاحات باهرة والذي كان على بن علي مواصلته والإرتقاء به, ذاك المشروع أقبر مع هذا الأخير: المأساة أن بن علي غير متعلم وغير مثقف ولم يكن يؤمن لا بالعلم ولا بالمعرفة ولا حتى بأبجديات التربية المعاصرة. ثم أتت فوضى الثورة وكان الطفل والشاب أكبر ضحاياها, فهم الذين دفعوا الثمن الباهض وهم الذين مثلوا كبش الفداء. ضحايا أولياءهم, ضحايا «مربيهم», ضحايا الوضع السياسي, ضحايا الجهلوت السائد. هم بالنهاية ضحايا غياب الرؤيا وعدم الإكتراث والإحتقار وانعدام الوعي بخطورة أن يتيه الطفل , أن يتيه الشاب. هذه في كلمة الوضعية
( التشخيص). الأدهى أنهم لا يدركون خطورة الوضع ووقعه على الحاضر وخاصة مستقبل المجنمع.
من أين البدء؟ من العائلة! وهنا صعوبة قصوى:هل نتحدث عن عائلة مثالية في حين أن الجو الذي يسود العائلة التونسية إنما هو العكس تماما؟ قد يكون للكلمة المنطوقة وخاصة المكتوبة الفضل في أنها ذكرت. أما أن تؤخذ بعين الإعتبار وأن تدخل حبز التنفيذ, قتلك قضية أخرى. ولكن المقكر أو المثقف لا يقدر على عدم الإكتراث حتى و إن علم علم اليقين أن الضروف غير مهيأة لما يقنرحه و أن القوم غير ابهين ( غير مؤهلين) حتى للسماع
( لكي لا نقول للتفكير) فيما يقدم من تحاليل و من مقترحات. إنما التشخيص وتقديم بعض المفاتيح من أجل الحلول يبقى ضروربا وحياتيا(للذات والاخر) من أجل بناء إن لا عاجل فاجل. أحيانا نكتب أو نفعل للتاربخ أو المستقبل البعيد. هذا إيضاح ضروري!
الطفل المتوازن والناجح نتيجة مربي متوازن وناجح. إذا, العمل يبدء على مستوايين: تربية المربي على التربية ثم تربية المتربي. ما المقصود بالتربية؟ يقول فيكتور هوقو» وأما التربية فدور العائلة وأما التعليم فدور المجتمع». فدور العائلة أساسي .منذ البدء تربية الناشئ تتطلب مطلبا أساسيا: الإحترام! ونبذ العنف. الرضيع كائن بشري له مؤهلات وله ذكاء! وجب احترامها وفهمها وتشخيصها و خاصة مرافقتها. إذا! نحن مرافقون ولسنا مالكون!! هتاك جملة عظيمة نطق بها جبران. هذه الجملة تلخص الفلسفة الصحيحة للتربية بالمرافقة. يقول جبران على لسان نبيه :»أبنائكم ليسوا ملكا لكم, هم ملك الله وملك أنفسهم». من لا يخطئ في هذا المجال؟ قلة قليلة! الكل يعتبر أن الإبن أو البنت ملك له يتصرف معه بمشيئته ويسخره لإصلاح ما لم ينجح فيه مع ذاته ويبظا وليس أخيرا يسخره من أجل بلوغ أهداف حياتية لم يوفق هو في بلوغها. هنا يكمن الخطأ الجنيني وهنا ندخل منعرج صنع الفشل. أبنائكم ملك أنفسهم, إنما أنت مرافق وأنت صديق وأنت إن ملكت فلا تملك إلا نفسك وإنما وجب عليك أن تحب بسخاء وعطاء وهبة .وجب عليك أن تعطي ,أن تقدم, أن تهدي أفضل الإهداء حتى يتمكن ذاك الصبي أو تلك الصبية من بلوغ المبتغى الذاتي في التحقيق والإرتقاء. سخاء واحترام من أجل أن يبلغ ذاك الغض أهدافا في إشباع الحاجة والراحة والرفاه. هذه فلسفة أخرى بنت وأسست لها العلوم الحديثة ثم المعاصرة! وكانت إيتاات فرويد وفرانسواز دولتو وقولمان إيتاات جوهرية وغير مسبوقة من أجل فهم الإنسان الصغير ومرافقته نحو تحقيق الذات. إذ يقول فرويد:» تنتهي عملية تكوين الشخصية في سن الخامسة». إذن, كل ما يأتي بعد ذاك السن إنما حتمته أحداث وكلام وصور حدثت خلال تلك الفترة القصيرة من العمر: 5سنوات وجب توظيفها نحو الإعانة والتلقين وفتح الافاق و المرافقة إعتمادا على الإحترام والمحبة في غير طمع.
فرانسوازدولتو أكدت في الكثير من كتاباتها ولقاءاتها الصحفية على ضرورة الإمتناع عن ممارسة العنف في عملية المرافقة: العنف المادي بخاصة وكذلك اللفظي و المعنوي والرمزي. الدمار الذي ينتجه عنف الأب أو الأم يرافق الطفل طول حياته فنتغص عيشه ويعذبه (إن هو لم يمارس عنفا مماثلا فيما بعد تجاه إبنه أو زوجته أو زميله أو تجاه المجتمع ).لا تضربوهم أبدا لا في المهد ولا سبعا ولا عشرا!!!
الرضيع المتوازن ضمان لطفل متوازن. والطفل المتوازن ناجح ومؤهل لكل النجاحات: كمراهق ثم كشاب ثم كمواطن. وجب أن بعمل السياسي ووسيلة الإعلام والجمعيات والفن والثقافة على ترسيخ المبادئ العلمية وشرحها من أبجديات التربية بالمرافقة و الاحترام. عمل عظيم وجب أن يبدء اليوم قبل غد في كل الإتجاهات وذلك من أجل مجتمع أفضل في أجل غير قريب.
المراهقة مرحلة خطرة في حياة الإنسان. يقول فرويد: «هي مرحلة قتل الأب». ويقول أيظا بما معناه: «الحل السلمي لعقدة أوديب». القضية قابلة للتشخيص و التفكير والنقاش. فليس المقصود مثلا من قتل الأب التخلص من كل ما قدمه و من كل رمزيته بقدر ما إن المقصود أن تلك المرحلة الحساسة يتخطاها المراهق بنجاح إن كان قادرا ومهيأ لتكوين شخصية وإرادة تخلقه كفرد وكإنسان وككائن مستقل عن الاخرين بدءا بالأب برمزيته كمعلم وكدليل وكمثال وكمؤمن عيش ومصدر أمن وطمأنينة. في هذه المرحلة يدخل المراهق «أقورا» الحياة والمجتمع .فبدءا تأسيس الذات والقدرة على التشخيص والإتيان بالحل المستقل و القدرة على البرمجة وتصور المشاريع ثم إنجازها أو إنجاز ما أمكن منها. أن يتحول ذاك الغير مستقل إلى مستقل. أن يتحول ذاك مشروع الإنسان إلى إنسان. وكذلك أيضا على مستوى الأوديب إذ تكون الإستفاقة الجنسية بالإلتفات إلى الاخر والخروج من بوتقة الرغبة والعشق البدائي: إلتفاتة إلى الاخر, إكتشاف, فعل, وجود.
بين سن العشرين و الخامسة والعشرين يكون الفرد في أوج العطاء, في أوج القوة الجسمانية, في أوج التواجد والقدرة على العمل والإبداع وصنع ذاته والتأثير في المحيط.
اليوم لم يعد من الصعب التحصل على المعلومة التي يقدمها المجتمع لأن كل المعلومات وكل الثقافات وكل المعارف موجودة ملك اليد عن طريق الأنترنات. المهم في التلقين والتعليم بسيطا كان أو مركبا هو المنهج, إنتقاء المعلومة, القدرة على التقد و الإنتقاء و المقارنة. هو التفاعل الذي يحصل بين الملقن والمتلقي وهذا هو ميدان لقب بالذكاء النفسي. وقد قام بدراسته في مجلدين قولمان كانا ولا يزالان من أكثر المبيعات في العالم. لا نجاح اليوم لفرد الا إذا تمكن من فهم ما يمكن فهمه من طبيعة أفكاره و أحاسيسه ومشاعره في حد ذاتها وفي تفاعلها مع مشاعر وأحاسيس الاخر. هذا من أجل أن تكون عملية التفاعل و التعامل ايجابية وبناءة. لقد ولى في البلدان الراقية عصر ماكيافال في حين مازلنا في ربوعنا نبني العلا قة مع الاخر على أساس المواجهة والحيلة والكره والإحتقار, تلك التي «نصح» بها ماكيافال على لسان أمبره. هتاك عمل دؤوب يبدأ بعد دراسات وفهم وبناء رؤبة في الفرد والمجتمع الذي نصبو إليه. كل هذا يجب أن يقوم به أهالي علوم النفس و التواصل و الإجتماع حتى يستنبر السياسي و رجل الأعمال والمواطن والمربي والأب والزوج والزميل والصديق من أجل الإنطلاق في بناء جديد, ذاك البناء الذي حققت بفضله البلدان الراقية نجاحات باهرة إذ أنتجت طفلا من نوع جديد وشابا جديدا وعاملا جديدا ومواطنا جديدا. وحتى أنهي هذه الورقة على شيء من التفائل أقول أن كل شيء ممكن: وجب العمل والفعل وقليل من الإحترام ولما لا كثير من المحبة.
بقلم: عز الدين الفرجاني أستاذ تعليم عال