ومعمقة حول علاقات الاتحاد الأوروبي بشمال افريقيا او دول ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
نحن بحاجة إلى نظرة سياسية وحضارية اوسع واشمل من الاتفاقية التجارية المعروضة اليوم للتفاوض، في ظل التحولات التي يشهدها العالم والمنطقة العربية بالخصوص. نظرة شاملة يتم تنزيلها فيما بعد الى سياسات واتفاقيات بما فيها الاقتصادية والتجارية ولسنا اليوم بحاجة إلى مشروع تقني وجزئي مقترح من الاتحاد الأوروبي كخطوة جديدة في سياسة تحرير اقتصاد الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.
من المؤسف أن يواصل الاتحاد الأوروبي التعامل مع دول المنطقة وتونس بالخصوص بنفس المنهجية ونفس المرجعية وكأن لا شيء تغير. ولو كان بن علي في الحكم لما اقترح عليه الاتحاد الأوروبي نفس الاتفاقية ولما تم التفاوض فيها والمصادقة عليها دون صعوبة ولاعناء والحال أن ما تشهده المنطقة من مخاض وانتقال ديمقراطي وكتابة دساتير جديدة يمثل فرصة حتمية لإعادة التفكير والبناء في العلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط
إن هذه التحولات تمثل حقيقة فرصة لاعتماد مشروع جديد للمنطقة يهدف إلى النهوض الحقيقي بالشريك الجنوبي ليصبح شريكا متقدما بالفعل على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بدل التعامل معه كمزود خارجي يعنى أساسا بحماية الحدود الجنوبية. مشروع جديد يجب أن يساهم في نحته اوسع طيف من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمثقفين وكل القوى الحية لشعوب المنطقة لنيل انخراطهم ومن أجل استبطانهم للمشروع.
لم تمثل الشراكة مع الضفة الجنوبية أولوية بالنسبة للاتحاد الأوروبي خلال الثلاثين سنة الأخيرة والتي كانت فيها الاولوية لإدماج دول أوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين واقتصرت الشراكة مع الضفة الجنوبية على معادلة الانفتاح الاقتصادي وحماية الحدود مقابل غض النظر على الأنظمة التسلطية والاستبدادية السالبة للحريات.
واليوم وفي خضم تحرر شعوب الضفة الجنوبية ولو بنسب متفاوتة بينهم، ألم يحن الوقت لمراجعة الشريك الأوروبي لمفهومه للحرية؟ إن كلمة الحرية تعني أكثر من حرية التبادل التجاري ونقل البضائع ولا يمكن في أي حال من الأحوال القبول بمقاربة لا يكون الهدف منها النمو المشترك والتكامل وضمان حرية تنقل الأشخاص بين الضفتين استناداً إلى مبادئ الانتماء المشترك. إن سياسات الجوار المبنية على حماية الحدود ليست لها أي جدوى على المدى الطويل في إيقاف تنقل الأشخاص بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط إذا لم تكن هناك مقاربة تنموية وثقافية شاملة خاصة في ظل المنحى الديمغرافي والتفاوت المهول للدخل الفردي بين الضفتين إذ أن الفارق في الدخل الفردي يناهز العشرة أضعاف وإذ يعيش اليوم على الضفة الشمالية حوالي 175 مليون نسمة مقابل 200 مليون يعيشون على الضفة الجنوبية وفي أفق عام 2050 سيتضاءل عدد سكان الشمال أو سيستقر في أحسن الحالات بينما سيبلغ عدد سكان الجنوب 350 مليون نسمة، أي ضعف عدد سكان الشاطئ الشمالي للمتوسط.
فلنتصور لحظة مدى حدة الصراع بين الضفتين الذي سيرثه أبناؤنا إذا لم نضع ظروف الانتماء المشترك منذ الآن وإذا اكتفينا باتفاقيات تقنية وبسياسات قصيرة المدى سواء كانت حمائية أو تجارية. ان هذه المنطقة تتقاسم أكثر من البحر فهي تتقاسم التاريخ والثقافة، والحضارة ... وهي خلافا لما نعتقد قادرة بل مستعدة لمشروع حضاري شامل ومعمق إن وجدت النية والإرادة. مشروع حضاري يقوم على مبادئ الربيع العربي والثورة التونسية مبادئ الحرية والكرامة وينبني على بعد مواطني وبرنامج للإدماج عبر التربية والثقافة والتعليم وبرنامج حقيقي للنهوض الاقتصادي والاجتماعي لدول الضفة الجنوبية وادماجه في الاقتصاد العالمي.