قرار ضبط معايير جبر الضرر لهيئة الرئيسة وقانون المساواة في المواريث ؟

بقلم: مصطفى بعزاوي
عضو سابق معفى من هيئة الحقيقة والكرامة

لسائل ان يسأل ما علاقة القرار الإطاري المتعلق بضبط معايير جبر الضرر الذي نشرته رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة ومشروع قانون المساواة في الميراث المنسوب للنائبة بشرى بلحاج حميدة ولجنة الحريات الفردية ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال الغريب وبعد قراءة عابرة لقرار رئيسة الهيئة والحزام السياسي الداعم لا بد من تسجيل ملاحظتين أساسيتين تعكس مدى السقوط المحير والمخيف في عقلية صياغة النصوص القانونية عندما تصبح كتابة وصياغة النصوص القانونية تخرج من زاوية المصلحة الحزبية والتوظيف الفئوي للمؤسسات حتى تصبح القرارات الصادرة عن المؤسسات ترجمة لمصالح ضيقة وخدمة لفئة دون اخرى. إضافة إلى الإعتداء الصارخ على تراتبية المؤسسات الدستورية للدولة. رغم ان المبدأ القانوني هو إطلاقية النصوص وليس تخصيصها.

- الملاحظة الأولى: نشر قرار صادر في 28 ماي 2018 بتاريخ 23 نوفمبر 2018 ؟ ويحق لنا ان نسأل كيف ينشر قرار بعد 6 أشهر من صدوره؟
وبقطع النظر عن محتوى هذا القرار المنظم للمقاييس المعتمدة لتوزيع المبالغ المالية الراجعة بالنظر لضحايا الاستبداد بحسب التصنيف الذي قامت به هيئة الرئيسة او ستقوم به والذي سنتناوله في ورقة قادمة, نقول ان التأخير في نشر القرار بعد 6 أشهر من إعتماده كان نتيجة تعديلات أدخلتها الجلسة العامة يوم 23 نوفمبر 2018 ونشرتها في نفس اليوم بحسب آخر سطر في مقدمة القرار.

يعني أرخت الهيئة القرار الإطاري لجبر الضرر بتاريخ 29 ماي 2018 حتى تستجيب لقرار مجلس نواب الشعب بإنهاء مدة عمل الهيئة الموافق ليوم 01 جوان 2018 مع انها رفضت هذا القرار وشنت حربا بلا هوادة لفرض التمديد إلى موفى 31 ديسمبر 2018 وتسببت في إرباك كل المؤسسات الدستورية – سلطة تشريعية, رئاسة الحكومة, وزارة العدل, وزارة العلاقة مع المجتمع المدني والهيئات المستقلة إلخ.., كما تسببت الهجمة الشرسة التي قامت بها رئيسة الهيئة لرفض قرار عدم التمديد إلى تصادم بين مؤسسات الدولة – مجلس نواب الشعب, رئاسة الحكومة, وزير العدل , الوزير المكلف بالهيئات الدستورية ومنظمات المجتمع المدني - والانقسام الحاد للطيف السياسي حول شرعية عمل الهيئة من عدمه بعد تاريخ 01 جوان 2018 ؟؟؟
ثم نسأل لماذا وقعت تعديلات آخر لحظة يوم 23 نوفمبر 2018, اليوم الذي كان بالصدفة تاريخ النشر؟

- الملاحظة الثانية: تتعلق بمضمون الفصل 25 من هذا القرار والذي جاء حرفيا كما يلي :

• الفصل 25:
رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكل الوزراء المعنيين ورئيس لجنة التصرف في صندوق الكرامة ورد الإعتبار لضحايا الاستبداد, مكلفون كل فيما يخصه بتنفيذ هذا القرار (إنتهى)
كأننا نقرا قرارا من مجلس الأمن تحت البند السابع. حيث أصبحت رئيسة هيئة مستقلة مكلفة بالقيام بمهام محدودة في الزمان والمكان والموضوع تصدر أوامر للسلط الدستورية العليا – رئيس الجمهورية , رئيس الحكومة, الوزراء المعنيين - بتنفيذ قراراتها كل فيما يخصه ؟؟؟؟
وهذا الشكل من التعامل يكشف غرورا مبالغا فيه شكلا ومضمونا ويرسل إيحاءات للحط من شرعية هذه السلطات وتقزيمها وتمريغ ما تمثله في وحل الاستنقاص والاستصغار والتقزيم فهل هكذا تكون علاقة المؤسسات في الدولة الديمقراطية؟ يعني لا تستقيم الصيغة حتى أخلاقيا وإجرائيا, فكيف إذ تصبح رسمية ؟؟

ولا أظن أن هذا الفصل مر سهوا دون أن يطلع عليه ويقره خبراء الحزام السياسي الداعم لهيئة الرئيسة. إن هذا الخطاب وهذا الأسلوب في صياغة النصوص يكشف عقلية – تشليك الدولة وتمريغ رموزها في الوحل ؟؟؟ كما أنه دليل إضافي وتاكيد لما قاله وحذر منه الكثيرون حول تغول رئيسة الهيئة وعلوية سلطتها على كل السلط الشرعية مجتمعين. وها قد كتب في مشروع امر بوضوح تام ودون مواربة.

لا نفهم هذا الانفلات من مبادئ النظام العام ومن القواعد القانونية الدنيا إلا ضرب لمبدإ تراتبية السلط الشرعية والدستورية في دولة ديمقراطية ولا يمكن ان نجد تمردا واستعلاء على السلط الشرعية كما نجده في هذا الفصل.
نجيب الآن عن عنوان المقال وهو علاقة مشروع لجنة الحقوق والحريات حول المساواة في الميراث بما تضمنه القرار الإطاري المتعلق بضبط معايير جبر الضرر ورد الإعتبار الممضى من طرف رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة لنقول أن السيدة رئيسة الهيئة قدمت قانونا جديدا للمواريث في قرارها الحدث.
نعم, إكتشفنا مقاييس جديدة للمواريث تضمنها قرار رئيسة الهيئة وحزامها السياسي دون ان نعرف مرجعية هذه المقاييس التي يرجح أنها مقاييس اعتباطية وعشوائية تفضح حقيقة واحدة وهي ان العقل الحزبي عندما يفكر في نفسه ينسى «حتى ربي» الذي يتظاهر من أجله في وجه لجنة بشرى بلحاج حميدة.
قانون مواريث رئيسة الهيئة أو هيئة الرئيسة الجديد هو مناط الفصل 6 من القرار المذكور.

• الفصل 6 :
ينتفع بالتعويض المالي في صورة وفاة الضحية كل من القرين والأبناء والأب والأم.
* إذا كان القرين إمرأة يقع منحها 20 % من مبلغ التعويض الجملي ( خط احمر على الجملي )
- 15 % للأم
- 10 لأب
- يقع إقتسام باقي المبلغ بين الأبناء بالتساوي

* إذا كان القرين رجلا يقع منحه 15 % من مبلغ التعويض الجملي ( خط احمر آخر على لفظ ومدلول الجملي )

* 15 % للأم

* 10 % للأب

* يقع إقتسام باقي المبلغ بين الأبناء بالتساوي

ولا يمكن ان تخرج طبيعة تفاصيل هذا الفصل على انها قانون للمواريث باعتبار أن هذه المعايير تنطبق على تقسيم ما يرجع من التعويض المالي الراجع لفائدة ورثة ضحية انتهاك جسيم.
فكيف يكون مشروع بشرى بلحاج حميدة حراما وضد الشريعة وضد الإسلام ويكون مشروع رئيسة الهيئة وهيئة الرئيسة لتقسيم ميراث ضحايا الاستبداد حلال زلالا ؟
مع التذكير أن كل من تظاهروا ضد مشروع بشرى هم أنفسهم من تظاهروا أمام هيئة الرئيسة ورئيسة الهيئة لنشر قرار جبر الضرر بهذه الصورة وهذا الإبداع في استحداث قوانين التوريث بشكل عشوائي واعتباطي.

لا نعلم على أي أساس وقع تحديد هذه النسب في توزيع التركة ولا نعلم أيضا كيف يتظاهر البعض ضد مشروع بدعوى انه ضد الشريعة ويصفق لمشروع آخر لا نجد له سندا قانونيا ولا مرجعية لا دينية ولا دنيوية.

الفرق الوحيد بين الميراثين هو أن موضوع مشروع بشرى بلحاج حميدة ولجنة الحريات هو الميراث العائلي ورفع الظلم عن هضم حقوق المرأة الذي يقر ويعترف الجميع بحرمان المرأة من ميراث والديها , أما موضوع قانون الميراث لهيئة الرئيسة و رئيسة الهيئة فهو المال العام. والفرق واضح كما الفرق بين الأرض والسماء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115