لعضوية المحكمة الدستورية للمرة الثالثة على التوالي وذلك بسبب عدم التوافق بن الكتل النيابية بالرغم من استنفاد وقت كبير للتوصل إلى موقف موحد بينهم، هذه الوضعية جعلت المسار صعبا للغاية ولم يترك خيارات كثيرة للمجلس ونوابه فإما تطبيق ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 11 المتعلق بقانون المحكمة الدستورية (إن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه) ،أو اللجوء إلى مقترح آخر ينادي بضرورة تقديم مبادرة تشريعية للخروج من هذا المأزق وتفادي مزيد تأخر تركيز هذه المؤسسة الدستورية القضائية.في هذا السياق تحدثنا مع وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الاداريين.
تتركب المحكمة الدستورية وفق القانون المنظم لها من 12 عضوا يتم انتخابهم من قبل مجلس نواب الشعب ،رئاسة الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء أي بمعدل 4 أعضاء عن كل جهة ،ومن ابرز مهام هذا الهيكل هي مراقبة السلطة التشريعية والقضائية باعتبارها اقوى وأعلى هيئة في البلاد.
مبادرة تشريعية أم إعادة فتح باب الترشح؟
بالإضافة إلى الحلّ القانوني الذي نصّ عليه المشرع بإعادة فتح باب الترشحات في حال عدم التوصل إلى انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية الأربعة يوجد حديث عن مقترح مبادرة تشريعية لحسم المسألة وذلك من خلال تنقيح القانون والتقليص من عدد الأصوات. في هذا السياق وبسؤاله عن أي الحلول أفضل أجاب وليد الهلالي فقال « إعادة فتح باب الترشحات سيثير نفس الإشكال ويعيد سيناريو التجاذبات والمعركة السياسية وبالتالي فإن اتحاد القضاة الإداريين مع المبادرة التشريعية ولكن ليس في نقطة التقليص من عدد الأصوات فقط بل بتنقيح الفقرة الأولى من الفصل 11 ( لكل كتلة نيابية داخل مجلس نواب الشعب، أو لكل مجموعة نواب غير منتمين للكتل النيابية يساوي عددهم أو يفوق الحد الأدنى اللازم لتشكيل كتلة نيابية، الحق في ترشيح أربعة أسماء على الجلسة العامة، على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في القانون) ليتم إيداع مطالب الترشح مباشرة إلى مجلس نواب الشعب الذي يعدّ نظاما أو سلما تقييميا يتم من خلاله ترتيب المترشحين حسب الكفاءة والأقدمية ومعايير موضوعية أخرى واختيار الأربعة الأوائل في الترتيب وعليه يتم عرض النتائج على الجلسة العامة للمصادقة عليها دون الدخول في المحاصصات والتوافقات لأن ما حدث منذ أيام تحت قبة باردو فيه اهانة وعدم احترام للمترشحين وهذا أمر غير مقبول تماما» .
المحكمة الدستورية هيئة مستقلة؟
يعرف القانون الأساسي عدد 50 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المحكمة الدستورية بأنها «هيئة قضائية مستقلة ضامنة لعلويّة الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريّات في نطاق اختصاصاتها وصلاحياتها المقررة بالدستور والمبيّنة بهذا القانون»،عبارة مستقلة تعني بالضرورة وفق قراءات عديدة أن تكون هذه الهيئة بعيدة عن كلّ التجاذبات السياسية وعن السياسة أصلا ولكن ما نراه اليوم يقول عكس ذلك ،إذ تم إغراق هذا الهيكل الدستوري المستقل في بحر التجاذبات السياسية والحسابات الضيقة التي لا يمكن أن تؤدي إلا إلى محكمة دستورية غير مستقلة،فكيف أن نصف هيئة بهذه الأهمية بالمستقلة وتعطى لمجلس نواب الشعب مهمة انتخاب أربعة من أعضائها من بين المرشحين عن الكتل النيابية عبر ما يسمى بالتوافقات السياسية؟ هنا علّق وليد الهلالي رئيس اتحاد القضاة الإداريين فقال «نتحدث عن تركيز محكمة دستورية ستتولى مراقبة مدى دستورية مشاريع القوانين التي تصادق عليها السلطة التشريعية وكذلك مراقبة السلطة القضائية وهي أيضا من تتولى تأويل القانون وهذا التأويل يلزم قضاة الأصل وبالتالي فالمحكمة الدستورية أهم هيكل في البلاد من الضروري إبعادها عن التجاذبات السياسية وانتخاب أعضاء على أساس الكفاءة والنزاهة والحياد لا على أساس الانتماءات الحزبية والحال أن القانون أعطى مهمة انتخاب أربعة من أعضائها إلى مجلس نواب الشعب حسب التوافقات وإتباع سياسة أعطيني نعطيك وهنا أقول أن الخطأ في القانون لأن التوافق بين الأحزاب أمر سياسي بحت وهذا لا يتماشى مع المحكمة الدستورية باعتبارها هيكلا مستقلا ويجب إبعاده عن دوامة السياسة ومصالح حزبية ضيقة لا ترتقي إلى مراعاة المصلحة العليا للبلاد التي تقتضي أن يتم انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وفق الكفاءة والحياد ومعايير موضوعية».