منذ سنوات طويلة، وتأتي هذه الدعوة بعد ساعات من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اعترافه رسميا باستقلال الجمهوريتين المعروفتين باسم « إقليم دونباس» عن أوكرانيا في وقت تشهد فيه هذه الجبهة توتّرا غير مسبوق ومخاوف دولية من إندلاع حرب مدمرة. وأكّد بوتين في كلمة وجّهها إلى الشعب الروسي مساء أمس الأول أنّ أوكرانيا «جزء لا يتجزأ من تاريخ روسيا»، وأعلن قرار الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك كجمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، مؤكدا على «القرارات المتخذة لحفظ الأمن الروسي».
وتبع إعلان بوتين إصدار أمر للقوات الروسية بدخول منطقتي دونيتسك ولوغانيسك لـ»حفظ السلام»، وهو ما يعني غزوا بشكل أو بآخر، من وجهة نظر كييف والغرب.وذكرت وكالة «رويترز» أنّ قوافل من الآليات العسكرية دخلت إلى مدينة دونيتسك الانفصالية، من بينها 5 دبابات.
من جهته قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الثلاثاء إن أوكرانيا قد تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا بعد قرار موسكو الاعتراف باستقلال إقليمين انفصاليين في شرق أوكرانيا.وقال زيلينسكي إنه يدرس طلبا من وزارة الخارجية بقطع العلاقات. وحثّ حلفاء أوكرانيا على عدم الانتظار لتصعيد فرض العقوبات وهون زيلينسكي من احتمال نشوب صراع كبير مع روسيا لكنه قال إنه مستعد لفرض الأحكام العرفية إذا حدث ذلك.
ووفق مراقبين يبقى سيناريو التصعيد العسكري واردا بشدّة في هذه الآونة حتى أنّ بعض المحللين إعتبروا مسألة الحرب مسألة ساعات أو أيام قليلة لا غير ، في حين استبعد شقّ آخر مثل هذا القرار المدمّر الذي سيحمل تداعيات لا فقط على طرفي النزاع بل على باقي دول العالم على كافة الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
مفاتيح الأزمة
ولمزيد فهم الصراع الروسي الأوكراني وجب النظر إلى مفاتيح الأزمة وأسبابها، فمنذ العام 2014 خرجت الأمور عن السيطرة بعد استفتاء الإنفصال وانضمام شبه جزيرة القرم التي كانت تتبع أوكرانيا إلى روسيا . هذه الخطوة كانت بمثابة الصفعة للجانبين الأوروبي والأمريكي كان ذلك أحد أسباب فرض نوع من العزلة الإقتصادية والدبلوماسية على موسكو كعقاب لها على ضمّ القرم . وترى تقارير إعلامية أنّ ضمّ جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك تعني تصعيدا مرتقبا خاصة بعد تصريحات صادرة عن الكرملين تؤكد أنّ « ‘’إرسال قوات إلى دونباس يعتمد على تطوّرات الأوضاع’’ . يشار إلى أنّ منطقة ‘’دونباس’’ التي تقع في جنوب شرقي أوكرانيا تشهد منذ عام 2014 نزاعا مسلحا عنيفا بين القوات الحكومية وجماعات انفصالية مدعومة من روسيا.هذا النزاع دفع قادة الدول الأربع روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا إلى عقد مباحثات ومشاورات تحت مسمى «صيغة نورماندي» ، وركزت مفاوضات «صيغة نورماندي» على تهدئة الصراع. وقد عقدت عدة جولات من المحادثات منذ ذلك الحين، مما أسفر عن توقيع اتفاقية مينسك عام 2015. وشملت اتفاقية ‘’مينسك’’ عدة بنود وتنص على وقف القتال بين الانفصاليين والجيش الأوكراني وإيجاد حل سياسي للنزاع في شرق أوكرانيا. كما تنصّ على «بدء الحوار في اليوم الأول بعد الانسحاب بشأن طرق إجراء الانتخابات المحلية وفقا للتشريعات الأوكرانية وقانون أوكرانيا بشأن النظام المؤقت للإدارة الذاتية المحلية في مناطق معينة من منطقتي دونيتسك ولوغانسك، كذلك بشأن النظام المستقبلي لهذه المناطق على أساس هذا القانون»، و»إجراء إصلاح دستوري في أوكرانيا مع دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ بحلول نهاية عام 2015، والذي يفترض أن اللامركزية عنصر أساسي مع مراعاة خصائص مناطق محددة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، المتفق عليها مع ممثلي هذه المناطق، واعتماد تشريع دائم بشأن الوضع الخاص لمناطق محددة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك وفقًا للتدابير المحددة في الملاحظة1، حتى نهاية عام 2015».غير أنّ بنود الاتفاقية -في غالبيتها- لم تنفذ في ظل التباين الحاد في مواقف أطراف النزاع .
أية عقوبات تنتظر موسكو ؟
منذ بداية التصعيد على الحدود الروسية الأوكرانية وتزايد فرضيات اندلاع حرب روسية أوكرانية ، ناقشت الدول الأوروبية فرض عقوبات اقتصادية حادة ضدّ موسكو ستكون هذه المرة أشدّ قسوة حيث أكدت تقارير إعلامية أنها قد تطال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا ومقربين منه بالإضافة إلى فرض قيود على الطاقة والتصدير . من جانبها وكخطوة أخرى تصعيديّة أوقفت الحكومة الألمانية أمس الثلاثاء إجراءات اعتماد خط الغاز الروسي-الألماني «نورد ستريم 2» الى إشعار آخر.
وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أنه قرر تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» مع روسيا،وأفاد شولتس أنه طلب من الهيئة الألمانية المسؤولة عن المشروع تعليق عملية مراجعته. وقال إن هذه المسألة «تبدو تقنية، لكنها خطوة إدارية ضرورية تمنع أي مصادقة على خط الأنابيب. بدون هذه المصادقة، لا يمكن بدء تشغيل نورد ستريم 2». وأضاف «هناك عقوبات أخرى يمكن أن نعتمدها في حال اتُّخذت إجراءات إضافية. وفي الوقت الحاضر، يتعلق الأمر باتّخاذ خطوة ملموسة للغاية».
’’نورد ستريم 2’’ هو ‘’خط أنابيب يبلغ طوله 1230 كيلومترا تم الانتهاء منه في سبتمبر الماضي، لكنه لم يتلق بعد الشهادة النهائية من المنظمين الألمان. ووفق تقارير فانه في حال تشغيله (تم أمس إيقاف المشروع من جانب ألمانيا ردا على التصعيد الروسي) سيعزّز شحنات الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا. وعارضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوكرانيا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي خط الأنابيب منذ الإعلان عنه في عام 2015، محذرة من أن المشروع سيزيد من نفوذ موسكو في أوروبا.
يمكن أن يضخّ «نورد ستريم 2» حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا. ويمثل ذلك أكثر من 50٪ من الاستهلاك السنوي لألمانيا، ويمكن أن يحقق ما يصل إلى 15 مليار دولار لشركة غازبروم، الشركة الروسية المملوكة للدولة والتي تتحكم في خط الأنابيب وبناء على متوسط سعر التصدير في عام 2021.
ومن بين أهم العقوبات الإقتصادية المطروحة على طاولة الغرب ووفق تقارير إعلامية والتي تمثل أحد الإجراءات، التي يُنظر فيها حاليا، استبعاد روسيا من نظام التحويل المالي الذي يعرف باسم «سويفت» - Swift، وهو خدمة لإرسال الأموال عبر العالم، ويستخدم من قبل عدة آلاف من المؤسسات المالية في أكثر من 200 دولة.
كما تواجه روسيا أمكانية منعها من المعاملات المالية التي تنطوي على استخدام الدولارات الأمريكية إذ هددت الولايات المتحدة موسكو من منع أي شركة غربية ستسمح لمؤسسة روسية بالتعامل بالدولار بفرض عقوبات عليها.وهذا يعني أنّ روسيا ستكون مقيدة للغاية في ما يمكن أن تشتريه وتبيعه في جميع أنحاء العالم. وعقب خطاب الرئيس الروسي قال الاتحاد الأوروبي أنه يدرس «فرض عقوبات على أعضاء مجلس الدوما ممن صوّتوا لقرار استقلال دونيتسك ولوغانسك» ، كما قال أنه «يناقش إخراج المناطق المستقلة من أوكرانيا من اتفاقية التجارة الحرة للاتحاد».
بعد التصعيد الروسي.. الترقّب يحبس الأنفاس: مفاتيح الأزمة بين موسكو وكييف.. العقوبات الغربية المتوقّعة .. وسيناريوهات الحرب
- بقلم وفاء العرفاوي
- 09:57 23/02/2022
- 519 عدد المشاهدات
دعت روسيا يوم أمس الدول الأوروبية إلى الإعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك محلّ النزاع بين موسكو وكييف