حوار لـ «المغرب» ان تركيا تريد أن تمّد أذرعها نحو ليبيا من أجل تقوية أوراقها التفاوضية إلإقليمية ، مشيرا الى ان التدخل التركي في ليبيا هو محاولة لربط الملفين السوري والليبي بملف واحد للتفاوض حوله مع روسيا . اما فيما يخص النزاع الإيراني – الأمريكي فاشار محدثنا الى أن الادارة الأمريكية لن تذهب إلى التصعيد ولكن الإستقطابات الداخلية بين حلفاء المحورين على المستوى الإقليمي ستبقى مستمرة.
• هل تتوقعون مواجهة جديدة بين ايران وواشنطن؟
ما جرى بين الولايات المتحدة وإيران من لحظة اغتيال الجنرال قاسم سليماني حتى الرد الصاروخي الإيراني واستهداف قاعدتين عسكرتين أميركيتين في العراق، يندرج في سياق «التلاكم المتبادل» بين الطرفين، ومن دون الذهاب الى المواجهة الشاملة عبر الحرب أو الضربة القاضية ، فمنطق الحرب او المواجهة الشاملة خارج عن العقل السياسي والعسكري للجانبين، مع ملاحظة أن قواعد «التلاكم المتبادل» تطغى على تاريخ العلاقات المتأزمة بين واشنطن وطهران منذ أربعة عقود ونيف، ولو أعدنا استحضار دفاتر الذاكرة، سنلاحظ مفاصل اصطدامية عدة بين الطرفين ، ابتداء من أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979 إلى محاولة قوات «المارينز» اقتحام هذه السفارة ،إلى حرب الناقلات في الثمانينات من القرن الماضي، إلى تبادل اسقاط الطائرات المسيرة في الصيف الماضي والمعنى من كل ذلك أن الإضطراب يشكل أساس العلاقة بين ايران والولايات المتحدة، فالإضطراب ومعه الصدام المحدود، ليس بالضرورة أن يؤديا إلى صدام مفتوح ، فمثل هذا الصدام يمكن التحكم بعقارب بدايته ولا يمكن التحكم بعقارب نهايته.
• قراءتكم لتصريحات ترامب وهل ان المواجهة المباشرة باتت مستبعدة؟
في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشيء ونقيضه، فهو من جهة يوجه تهديدات متلاحقة لإيران، ومن جهة ثانية يدعوها للتفاوض بشروطه، لكن وبصورة عامة وبعد استهداف القاعدتين الأمريكيتين في العراق، كان واضحا أن الرئيس ترامب لن يذهب إلى التصعيد، وقال ترامب ذلك حرفيا، واعتبر أن الحصار الإقتصادي أفضل من الحرب، وهذا يدل على رغبة ترامب في العودة إلى قواعد الإشتباك المعمول بها قبل اغتيال سليماني .
• والرد الأمريكي على القصف الايراني؟
بعد القصف الإيراني للقواعد الأمريكية، أكد مسؤولون إيرانيون، سياسيون وعسكريون، أنهم غير معنيين بالتصعيد إلا إذا ردت الولايات المتحدة على الرد الإيراني، ولو جرى هذا الرد، سيكون هناك رد بالمقابل، مما يؤدي الى دخول الطرفين في معادلة الرد مقابل الرد، أي حرب استنزاف، وكما أصبح واضحا، لم يرد الأمريكيون، وهذا جعل حرب الإستنزاف أمرا مستبعدا، وأعتقد أن الجانبين يدركان خطورة الذهاب إلى حرب تستنزفهما، وقد تؤدي الى الخروج عن السيطرة، وبذلك انتهت المواجهة بمعادلة: ضربة مقابل ضربة .
• هل نحن اليوم أمام مرحلة حرب الوكلاء في المنطقة؟
القصف الإيراني للقواعد الأمريكية، يعني مواجهة مباشرة بين واشنطن وطهران وإن كانت هذا المواجهة محدودة، أما بما يتعلق بما يسمى في المصطلحات السياسية والإعلامية بحروب الوكالة، أو حروب المحاور المنخفضة، فهي قائمة على أكثر من جبهة وفي أكثر من ميدان، ولكن حتى الحروب المنخفضة لها سقوفها ولها قواعد اشتباكها الخاصة، ومن هذا المنظور يمكن القول أيضا إن الحروب بين الوكلاء كما يسميها البعض، أو حروب الحلفاء كما يسميها البعض الآخر، صحيح أنها مباشرة وحادة على جبهات عدة، إلا أنها ناتجة بالأصل عن غياب التسويات السياسية التي تنظم العلاقات بين المجتمعات والبيئات العربية المختلفة، وفي حال التوصل إلى أشكال وأنماط معينة من التسويات، تنتفي جذور الصراعات الداخلية المسلحة التي تأخذ الآن طابع الحروب الأهلية.
• ما تأثيرات هذا النزاع على الوضع في المنطقة؟
لا شك أن استمرار النزاع ينعكس سلبا على مجمل الأوضاع في المنطقة، من السياسة إلى الأمن، ومن الإقتصاد إلى التشققات الإجتماعية الداخلية، وإذا سلمنا بأن التأزم الإيراني ـ الأمريكي لا أفق حل قريب له، فهذا يعني أن الإستقطابات الداخلية على المستوى الإقليمي مستمرة، إنما هذا لا يعني عدم القدرة على خفض حدة الإستقطابات الداخلية إذا توفرت الإرادات والنوايا الحسنة التي يمكن أن تشكل مقدمة أساسية لتفكيك حقول الألغام في الداخل.
• كيف ترون لقاء بوتين ـ اردوغان وهذا التقارب الروسي التركي وهل سينعكس على الملف السوري والملف الليبي؟
من المسلم به، أن روسيا وتركيا تعملان على صوغ علاقات استراتيجية بينهما، من معطياتها بناء روسيا مفاعلات نووية في تركيا، وتزويد موسكو لأنقرة بمنظومة صواريخ أس 400 هي الأحدث في العالم ، وكذلك افتتاح خط أنابيب السيل التركي الذي سينقل الغاز الروسي إلى جنوب أوروبا عبر الأراضي التركية، وكل هذا يعني أن تركيا وروسيا ماضيتان في تعزيز الروابط الإقتصادية والسياسية والعسكرية، وهما في الوقت نفسه تتجاوزان عوامل الخلاف على الملفين السوري والليبي، والواضح أن خلافهما في سوريا وليبيا لا يحول دون حرصهما على تمتين العلاقات الثنائية بعيدا عن الملفات الخارجية الساخنة، ولا يسمحان لتلك الملفات ان تترك أثقالها وأعباءها على المصالح العليا للدولتين، وأغلب الظن أن صانع القرار التركي يرى في مّد أذرعه نحو ليبيا تقوية لأوراقه التفاوضية إلإقليمية، ولذلك عمد إلى التدخل في ليبيا في محاولة منه إلى ربط الملفين السوري والليبي بملف واحد للتفاوض حوله مع روسيا، وفي الوقت عينه فإن التدخل التركي في ليبيا، يتيح لأنقرة التفاوض مع الإتحاد الأوروبي حول أكثر من ملف عالق بين تركيا والمجموعة الأوروبي.
وبإختصار، التدخل التركي في ليبيا، هو محاولة لتقوية نفوذ أنقرة في دول الإقليم، ومن ثم التفاوض حول حجم هذا النفوذ مع الشرق الروسي من جهة، ومع الغرب الأوروبي من جهة ثانية، وللضغط على مصر من جهة ثالثة.