القائمة مما أدى إلى أزمات طالت عديد البلدان بما فيها البلدان الديمقراطية التي اعتادت على ضمان استقرارها الأمني في حين تتخبط البلدان الفقيرة و الصغيرة في أزمات متكررة. هذه السنة المنقضية، سجلت تقلبات جديدة في المنطقة العربية و في الشرق الأوسط و كذلك في أمريكا اللاتينية و في آسيا. و طالت الأزمات بعض البلدان الأوروبية مثل فرنسا و بريطانيا و اسبانيا و إيطاليا التي عاشت أزمات لا تزال في طريقها إلى الحل.
كان المحرك الأساسي في الأزمات الدائرة على الصعيد الدولي، و بدون منازع، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي احتل المشهد الإعلامي باتخاذه قرارات أربكت التوازنات الدولية الهشة في منطقة الشرق الأوسط و بدخوله في حرب اقتصادية مع الصين و أوروبا وحلفائه في القارة الأمريكية. و انتهت السنة بقرار مجلس النواب الأمريكي إحالة الرئيس ترامب على المحاكمة من قبل الكونغرس من أجل عزله عن السلطة. في نفس الوقت شهد العالم استفاقة النساء اللاتي دخلن معترك الصراع السياسي و الثقافي في جل أنحاء العالم للمشاركة في الانتفاضات الشعبية الدائرة في عدد من القارات في العالم.
الرئيس الأمريكي يواجه محاولة عزله عن الحكم
قرار مجلس النواب الأمريكي بالمطالبة بعزل ترامب كان آخر لمسة لمسيرة الرئيس الأمريكي الحافلة بالتقلبات. فبعد أن قرر عام 2018 انسحاب الولايات المتحدة من كل الاتفاقات الدولية المبرمة في عهد الرئيس باراك أوباما، أخذ إجراءات جديدة هزت الدبلوماسية التقليدية للبيت الأبيض. من ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل و مساندة ضم الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية خلافا لما ينص عليه القانون الدولي. وأحدث قرار انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، ومن أفغانستان، فراغا فتح الباب على مصراعيه للنظام التركي في احتلال الشريط الحدودي مع سوريا و في محاربة الأكراد السوريين حلفاء الدول الغربية في الحرب على الإرهاب. الانسحاب الأمريكي يمهد لرجوع حركة طالبان في المعادلة الأفغانية و يهدد باندلاع حرب جديدة في المنطقة. و وجد الرئيس الأمريكي نفسه في مواجهة حلفائه في فرنسا و تركيا شركائه في الحلف الأطلسي.لأسباب مختلفة، اعتبر الرئيس الفرنسي أن «الحلف في حالة موت سريري» يستدعي إعادة النظر في مهامه و وسائل تسييره. أما الجانب التركي – الذي يبحث عن ضمان نفوذ في منطقته – فقد تحدى النفوذ الأمريكي وقام بشراء صواريخ «س-400» الروسية المضادة للطائرات بالرغم من المعارضة الأمريكية محدثا أزمة داخلية صعب على الدول الأعضاء إصلاحها في قمة لندن المنعقدة في بداية شهر ديسمبر.
المشروع الأوروبي وتبعات البريكست
بعد سنة من المحاولات والمفاوضات فشلت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي في تمرير اتفاق «البريكست» مما أجبرها على الاستقالة. تولى بوريس جونسون مهام 10 داونينغ ستريت، مقر الحكومة، أدخل بريطانيا العظمى في تطاحن بين الوزارة الأولى و البرلمان أدى إلى تعليق أشغاله ثم إلى حله. و تمكن بوريس جونسون من تحقيق فوز تاريخي في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها أعطاه أغلبية مريحة صادقت – خلافا للأغلبية السابقة– على قانون الخروج من الإتحاد الأوروبي و أكدت على الطلاق في موعد 31 جانفي المقبل. هذا الوضع الجديد يمثل تحديا إضافيا للمفوضية الأوروبية المنبثقة عن الانتخابات التشريعية الأوروبية التي أفرزت برلمانا جديدا. لأول مرة في تاريخها تترأس المفوضية امرأة، الألمانية أورسولا فن در لاين ، التي سوف تدير المفاوضات الأخيرة مع بريطانيا و تعمل على تطبيق الإصلاحات المبرمجة و المتعلقة بإرساء نظام دفاع عسكري مشترك و تعميم الأنظمة الرقمية على كل البلدان الأعضاء و الشروع في الاستثمار في البرامج الهيكلية الضخمة.
هل الإرهاب الإسلامي في طريقه إلى الزوال؟
بعد حملة واسعة النطاق، تمكنت قوات التحالف الدولي من القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا و على زعيم داعش أبو بكر البغدادي. و أعلنت إثر ذلك الولايات المتحدة سحب قواتها العسكرية من سوريا و التخلي عن حلفائها الأكراد تاركة الباب مفتوحا أمام تركيا لتحتل الشريط الحدودي مع سوريا و تطارد القوات الكردية. وبعد سقوط مدينة الرقة تمكنت القوات النظامية السورية بمساعدة الطيران الروسي من استرجاع أكثر من 70 % من التراب السوري خلال السنة المنقضية. و لم تبق إلا مدينة إدلب و ضواحيها خارج سيطرة دمشق. وتمكنت القوات الكردية و السورية خلال السنة من إلقاء القبض على أكثر من 15 ألف جهادي ينتمون إلى 50 دولة شاركوا في الحرب على نظام بشار الأسد. و في حين تحاول القوات السورية استرجاع المناطق المتبقية الخاضعة للإرهابيين، تمكن تنظيم داعش من فتح واجهة جديدة في إفريقيا حيث تعددت مسارح القتال في دول الساحل الإفريقي. وتواصلت الهجمات الإرهابية في الدول الأوروبية من قبل أفراد ينتمون إلى خلايا نائمة لم تتمكن أجهزة الأمن من القضاء عليها. ولا تزال أجهزة الأمن والمخابرات الدولية تلاحق التنظيمات الجهادية في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط على أمل التخلص منها عام 2020.
تراجع الديمقراطيات أمام الأنظمة السلطوية
في ظل هذه الظروف المتقلبة، مثل عام 2019 تراجعا ملموسا للأنظمة الديمقراطية التي لم تتمكن من بسط سيطرتها في أفغانستان وسوريا واليمن بالرغم من الإمكانيات الهائلة المستخدمة. و وقف العالم على واقع استحالة أن يشكل الإتحاد الأوروبي في صيغته الحالية قوة ردع في مناطق النزاع في العالم بدون مشاركة أمريكية مباشرة. ومع انسحاب واشنطن من أفغانستان وسوريا أصبحت روسيا القوة الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن عززت تواجدها في سوريا و نجحت في ربط علاقات تعاون مع تركيا. ومع تواصل الأزمة الليبية، أصبحت موسكو طرفا في النزاع الإقليمي الدائر حول العاصمة طرابلس عبر إرسال أكثر من ألف مقاتل من قواتها الخاصة لمناصرة المشير خليفة حفتر. في نفس الوقت، أعلنت روسيا و الصين و إيران المشاركة في مناورات بحرية خلال شهر ديسمبر في خليج عمان في محاولة لفك عزلة طهران التي تعاني من الخناق الأمريكي و الخليجي. الأزمة السورية أكدت تراجع الديمقراطيات الليبرالية الغربية أمام صعود الأنظمة التسلطية مثل روسيا و تركيا والصين ومصر و دول الخليج و إيران. و أخذ ميزان القوى يتغير نسبيا في منطقة الشرق الأوسط حيث ركزت موسكو نفوذها. أما في المغرب العربي فإن قرار تركيا إرسال قوات عسكرية الى ليبيا في الأسابيع القادمة بعد إبرام اتفاق عسكري مع حكومة السراج سوف يكون له تداعيات وخيمة على استقرار المنطقة في غياب حل سياسي سلمي للنزاع في ليبيا.
انتفاضة الشعوب
تراجع الديمقراطيات الغربية والأنظمة الديمقراطية الناشئة جاء جراء انتفاضة الشعوب ضد النخب السياسية التي فشلت في بلورة سياسات اجتماعية تخدم الصالح العام و الطبقات الضعيفة. هذا الحراك الشعبي سجل في البلدان الغربية مثل انتفاضة السترات الصفراء في فرنسا طوال السنة المنصرمة والمظاهرات العارمة في كاتالونيا والتقلبات السياسية في إيطاليا و بريطانيا العظمى. و زاد صعود الحركات اليمينية المتطرفة في حدة الأزمة حتى أصبحت الطبقة السياسية عاجزة على إدارة الشأن العام في كل من اسبانيا و إيطاليا و بلجيكا بالرغم من تنظيم انتخابات نزيهة و شفافة. وهو ما أضعف الإتحاد الأوروبي الذي دخل في منعرج خطير أصبح يهدد كيانه. و لم تفرز السنة المنقضية أي حل لمشاكله المزمنة .
الانتفاضات المتتالية ضد الفساد و احتكار السلطة في فنزويلا وبوليفيا و كولومبيا والشيلي وغيرها من بلدان أمريكا اللاتينية شكلت أيضا تحركا جديدا وفريدا من نوعه. وأدى الحراك الشعبي في بوليفيا إلى استقالة الرئيس إيفو مورالس و فراره إلى المكسيك. أما في باقي البلدان فلا تزال الأنظمة تشكو من تقهقر في السلطة لا يخدم الاستقرار في القارة بل يشير إلى فشل الأنظمة في تمرير سياسات لا تجد مساندة من قبل الشعوب. وهو نفس التوجه الذي سجلته هذه السنة في كل من هونك كونغ و طهران حيث استفاق الشارع مناديا بالحرية و التخلي عن نظام الاستبداد في البلدين.
مسلسل الربيع العربي
في المنطقة العربية تواصل المد الثوري – بعد تراجع نسبي من جراء تدخل بعض الدول العربية في مسيرة التغيير – واندلع الحراك في السودان والجزائر و لبنان والعراق. ونجح الشارع السوداني في الإطاحة بنظام عمر البشير و إدخال البلاد في مرحلة انتقالية تؤسس لنظام ديمقراطي يقطع مع متاهات الاستبداد. و تمكن الشعب الجزائري بفضل حراكه الشعبي السلمي كل يوم جمعة من إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على تقديم استقالته. و لا يزال الحراك متواصلا بالرغم من انتخاب رئيس جديد يوم 12 ديسمبر في شخص عبد المجيد تبون الذي قرر تعيين عبد العزيز جراد على رأس الحكومة في خطوة لضمان استمرار الدولة قبل الدخول في إصلاحات وعد بها الشعب الجزائري الذي لم يبد حماسا واضحا للوعود الجديدة.
في لبنان و العراق، الحراك الشعبي – ولو اختلفت الظروف المحلية – أشار إلى انتفاضة جزء من الشيعة ضد التدخل الإيراني في شؤون البلدين. ولاقى الحراك الشيعي في المظاهرات في جنوب العراق ردة فعل ميليشيات الحشد الشعبي الذي يقودها الإيراني قاسم السليماني والتي خلفت إلى حد الساعة أكثر من 400 قتيل و 15 ألف جريح. الحراك مرده الأساسي عودة الوعي الجماهيري بالهوية العراقية التي تمصها نظام الحكم الطائفي بعد قتل الرئيس صدام حسين. رفض البعد الطائفي في بغداد من قبل المتظاهرين الشبان الذين لم يعرفوا إلا الحرب منذ ثلاثين سنة يوازي تحرك الشباب اللبناني المنادي بتغيير الحكم وإبطال التوازنات الطائفية الموروثة على اتفاق الطائف الذي حدد نهاية الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي. اليوم
في كل هذه التحركات الشعبية كان دور المرأة ملموسا. في شوارع السودان و لبنان و الجزائر و غيرها من العواصم خرجت النساء للمطالبة بحقوقها جنبا إلى جنب مع الرجال. وهو المشهد الجديد للربيع العربي الذي يؤكد على تغلغل روح الحرية في صفوف الشعوب العربية التي لا تزال تعاني، بالرغم من بعض التفتح في بعض مجتمعاتها، من تواصل الممارسات الاستبدادية.