وقد سرعت أوروبا من وتيرة العقوبات الإقتصاديّة المفروضة على موسكو عبر حزمة جديدة من القيود التي فرضتها على مؤسّسات وكيانات وأشخاص في روسيا وهي خطوة ستكون لها تأثيرات سلبيّة دون شكّ على موسكو.
ووفق متابعين للشأن الدولي تبقى احتمالات التدخّل العسكري الغربي الأمريكي لمجابهة الهجوم العسكري الروسي ضدّ أوكرانيا مستبعدة نظرا لما تحمله الخطوة من آثار مدمرة على العالم، وهو ما تحاول أوروبا تجنبه عبر تشديد العقوبات الإقتصادية ومحاولة عزل روسيا عبر سلسلة القيود المفروضة عليها من عدة دول أوروبية. ويرى مراقبون أن الموقف الأوروبي الأمريكي كان في البداية داعما لأوكرانيا ومساندا لها في مواجهة احتمالات التصعيد الروسي، إلا أنه وبعد الإجتياح الروسي لأوكرانيا أكدت كل من واشنطن وحلف الناتو على عدم نيتهما التدخل عسكريا في الصراع الدائر، وهي خطوة لاقت انقساما حادا بين شق اعتبره تخل أوروبي أمريكي عن كييف في حين اعتبره شق آخر سيناريو متوقعا لضمان عدم الإنجرار إلى حرب عالمية ثالثة. وفي سياق متصل قال الرئيس الأوكراني أمس أن أوروبا تباطأت في إرسال مساعدات إليها. كما اتهم زيلنسكي في كلمة أمس أوربا بـ«عدم الردّ بصفة كافية على الهجوم
الروسي». وناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المجتمع الدولي فعل المزيد قائلا إن العقوبات المعلنة حتى الآن غير كافية .داعيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
من جهته دافع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن سلسلة العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد روسيا ردا على اجتياحها لأوكرانيا مؤكّدا أنها ستسدد ضربة كبرى للمالية والاقتصاد الروسيين وستجعل الرئيس فلاديمير بوتين «منبوذا» على الساحة الدولية.
وأعلن بايدن في كلمة ألقاها من البيت الأبيض أنّ التدابير الاقتصادية والماليّة المتخذة «تتخطى كل ما تم الى حد الآن إطلاقا».لكنه أقر بأن تقييم مفعول العقوبات الأمريكية التي تتفادى حتى الآن قطاع الطاقة الأساسي بالنسبة لروسيا، «يتطلب بعض الوقت».وأكّد أنّه مع هذه العقوبات وما يرافقها من تدابير أوروبية وبريطانية وكندية، سيصبح بوتين «منبوذا على الساحة الدولية».وقال إنّه «لم يكن هناك يوما أي سبب أمني حقيقي خلف الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا». وأضاف «كان على الدوام عدوانا صرفا، رغبة لدى بوتين في بناء إمبراطورية بكل ما يتطلبه ذلك من وسائل».وعرض الرئيس الديمقراطي بشكل مفصل الرد الغربي الذي يركز على الجانب الاقتصادي.
وشدد مرة جديدة على أنه من غير الوارد إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا التي لا تنتمي إلى الحلف الأطلسي.في المقابل، جدد وعده بالدفاع عن «أدنى شبر من أراضي» الحلف. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في أعقاب ذلك عن إرسال حوالي سبعة آلاف عسكري إضافي إلى ألمانيا.
من تصعيد كلامي إلى التراجع
وكان الرئيس الأمريكي جون بايدن سباقا إلى التحذير من غزو روسي لأوكرانيا داعيا إلى توحيد الموقف الغربي لمواجهة خطط الرئيس بوتين.ويتساءل متابعون عن الخطوات القادمة التي ستتخذها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بعد بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وهل سيكتفي بالعقوبات الإقتصادية أم أنّ هناك خيارات سياسية أخرى قابلة للتطبيق؟.
وفي بداية الأزمة الروسية تصاعدت الحرب الكلاميّة بين مختلف الأطراف المعنية بالتوتّر بين موسكو وكييف ، وهي زوبعة زادت من حدة الإتهامات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الدول الداعمة لها .
وقد هدّد الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل التصعيد العسكري بأقسى عقوبات على الإطلاق على روسيا، وعمل على حشد حلفاء الولايات المتحدة في جبهة موحدة، وزود أوكرانيا بأسلحة أكثر مما فعل أي رئيس أمريكي، كما عزز القوات الأمريكية بالجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي في تأكيد على التزامه. إلاّ أنّ خيار التدخل العسكري على الأرض يبقى خيارا مستبعدا نتيجة لتأثيراته على العالم أجمع لا فقط على منطقة النزاع .
هذا التصعيد جاء بعد محاولات حثيثة وجهود دبلوماسية كثيفة باءت كلها بالفشل، حيث أمطرت الصواريخ الروسية المدن الأوكرانية وتدفقت القوات عبر الحدود من روسيا وبيلاروسيا.وتظهر على الواجهة اليوم مخاوف كبيرة من اتجاه الغرب عامة نحو قرارات قد تحوّل الأزمة إلى أحد أكبر الصراعات والحروب دموية في أوروبا منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية. ووفق تقارير رسمية فإنّ بوتين يدرك تماما أنّ «بايدن لن يخوض حربا ضدّ قوة نووية أخرى لحماية دولة تشترك في حدود طويلة مع روسيا ولا يربطها اتفاق دفاعي مع واشنطن». الموقف الأمريكي مما يحصل اليوم في الجبهة الشرقية يواجه تباينا حادّا في المواقف سواء أوروبيا أو على الصعيد الداخلي الأمريكي، أوروبيّا عارضت كل من إيطاليا وألمانيا استبعاد روسيا من نظام «سويفت» . وهي خطوة قد وصفها بعض الخبراء بأنها ‘’قنبلة نووية’’ ستضرب الاقتصاد.
ووفق مراقبين فإن العالم اليوم يترقب تأثير هذه العقوبات على الجانب الروسي ومدى نجاح أوربا في ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر السلاح الاقتصادي، علما وأنّ تقارير إعلامية تؤكد أنّ مسألة سقوط العاصمة الأوكرانية في يد القوات الروسية بات مسألة وقت لا غير .
العقوبات المفروضة على روسيا
ووفق تقارير إعلامية تهدف العقوبات المعلنة إلى ‘’تجفيف مصادر التمويل لروسيا والتأثير على المدى البعيد على تطورها التكنولوجي والعسكري، مع ضرب مصالح الأثرياء النافذين الروس المقربين من السلطة’’.وتستهدف العقوبات أكبر عشر مؤسسات مالية روسية، مما سيحد من إمكان وصولها إلى الأسواق المالية الدولية والتعاملات بالدولار.
وأكدت واشنطن أن هذا سيستنزف تدفقات رؤوس الأموال وسيتسبب بفورة تضخم. من جهة أخرى، أعلن بايدن عن فرض عقوبات على 13 شركة روسية كبرى ستمنعها من الوصول إلى التمويل في السوق المالية الأمريكية، وهي عقوبة سبق أن فرضت على الحكومة الروسية نفسها.
كما أضافت الولايات المتحدة أسماء جديدة إلى قائمة الأثرياء الروس النافذين ، سعيا لضرب مصالح كبار الأثرياء القريبين من بوتين والذين يقدمون على الاستثمار والإنفاق الطائل في الخارج.
أخيرا تعتزم واشنطن وحلفاؤها الحد بشكل كبير من واردات المنتجات التكنولوجية إلى روسيا، في وقت تسعى فيه موسكو الى تنويع اقتصادها المرتهن إلى حد بعيد للمحروقات.كما أعلن بايدن عن تجميد «أكثر من نصف» الواردات التكنولوجية الروسية، مما سينعكس بحسب البيت الأبيض على التطور الصناعي والعسكري الروسي.
وقد لفت إلى أن هذه العقوبات المالية الشديدة لن تشمل قطاع المحروقات التي تدر على روسيا عائدات طائلة، وقال «صممنا (العقوبات) تحديدا بشكل يسمح بمواصلة المدفوعات للطاقة».وتخشى واشنطن أن تتسبب التدابير في زيادة إضافية في أسعار النفط والغاز.