في مناطق مختلفة من وسط مالي منذ 28 ديسمبر الماضي. آخر عملية انتحارية جدت يوم 2 جانفي وخلفت جرحى في صفوف فيلق فرنسي كان يشارك في عملية «خسوف» ضد الكتائب التابعة لـ«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» المنضوية تحت راية تنظيم القاعدة.
وتشهد منطقة «الحدود الثلاثة» بين مالي و النيجر و بوركينا فاسو تحركات لكتائب قتالية تتصدى لها قوة «برخان» الفرنسية و قوات مالية أساسا أظهرت نجاحات في الأسابيع الأخيرة لعام 2020 ضد المجموعات الإرهابية التي تضم مقاتلين إسلاميين تابعين لأقليات عرقية من «البال» و الطوارق و العرب. وجاءت الخسائر الجديدة في صفوف الجيش الفرنسي بعد خسارة 19 جنديا في تصادم طائرتين مروحيتين في نهاية عام 2019 لترتفع حصيلة القتلى إلى 50 منذ بداية التدخل الفرنسي في مالي عام 2013 للتصدي للمجموعات الإرهابية ونصرة الدولة المالية.
التدخل العسكري
منذ 2013 شكلت فرنسا قوة «سرفان» مكونة من 4000 جندي للتدخل العسكري في منطقة الساحل الإفريقي. وأمام تفاقم العمليات الإرهابية تم تحويلها إلى «قوة برخان» مع رفع عدد المشاركين فيها إلى 5000 جندي وإضافة 600 آخرين في العام الماضي في قمة «بو» الفرنسية بين فرنسا ومجموعة الدول الساحلية الخمسة (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا موريتانيا).وتشارك مجموعة الخمسة بقوات عسكرية مشتركة قدرت ب 5000 جندي لهم القدرة على التدخل في عمق 50 كلم داخل حدود البلدان المشاركة لمطاردة الجماعات القتالية. أما القوات الفرنسية فهي منتشرة في قواعد عسكرية في كل البلدان المشاركة ولها 6 قواعد عسكرية في وسط وشمال مالي ومعدات عسكرية متطورة منها طائرات مقاتلة ميراج وهليكوبتر.
وصرحت فلورونس بارلي وزيرة الدفاع الفرنسي عقب الهجمات ضد قوات «برخان» أنه «إلى جانب القوات العسكرية الساحلية، والقوات العسكرية الأوروبية وكل شركاء فرنسا بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، تواصل القوات الفرنسية مقاومتها الشرسة ضد الجماعات الإرهابية وتصاحب القوات العسكرية الساحلية في قتالها من أجل أن تتمكن من ضمان حماية مواطنيها وأراضيها.» وهو ما يدل على أن منطقة الساحل الإفريقي أصبحت مشهدا حربيا شاسعا ترتع فيه الجماعات القتالية وفيالق عسكرية تابعة في غالبيتها للبلدان الغربية التي ترى في منطقة الساحل الإفريقي امتدادا لمسرح القتال في الشرق الأوسط.
الجدل في مالي وفي فرنسا
واندلع جدل في الأوساط المالية بعد أن قضت القوات العسكرية الفرنسية يوم 3 جانفي الجاري على مجموعة من المقاتلين قدر عددهم بثلاثين جهاديا تابعين لكتيبة «سرما» الموالية لزعيم الطوارق إياد أغالي في قصف جوي خلف عشرات القتلى في صفوقهم بواسطة طائرة هليكوبتر تابعة لقوة «برخان». لكن رئاسة الأركان الفرنسية كذبت الخبر وأشارت إلى أن طائرات نفاثة قامت بقصف المجموعة الإرهابية على بعد كلم من المنطقة العامرة ولم تستعمل أي هليكوبتر في العملية. واكدت السلطات المالية تفس الخبر فيما بعد معللة أن الهجمة تندرج في إطار عملية «خسوف» التي تشارك فيها القوات الساحلية.
هذا الجدل المتجدد في مالي حول الوجود العسكري الفرنسي الذي اندلع منذ عام 2018 بعد المظاهرات العارمة التي شارك فيها 50000 مواطن طالبوا برحيل القوات الفرنسية يدخل في إطار العلاقات المتشعبة بين دول المنطقة والحركات الإرهابية والمجموعات التي تطالب باستقلال شمال مالي والتدخلات لقوات «أفريكوم» الأمريكية في المنطقة. وهي أجواء أدت إلى الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المالي يوم 18 أوت الماضي ضد الرئيس إبراهيم أبو بكر كايتا. ولا زالت المنطقة تتخبط سياسيا بعد أن صعد نجم الإمام إبراهيم ملام ديكو رئيس المجلس الأعلى الإسلامي المالي الذي يقود الحركات السلفية المالية وينسق مع تنظيم القاعدة الإرهابي من أجل الاستيلاء على السلطة وإقامة دولة إسلامية. في ظروف سياسية هشة لم تتمكن فيه القيادة العسكرية، التي تم تركيزها لمدة 18 شهرا، من التوصل إلى تنقية الأجواء لضمان مرحلة انتقال ديمقراطي ونقل السلطة الى المدنيين وسوف تتواصل التقلبات بما في ذلك العمليات العسكرية من أجل تقليص هيمنة الحركات الإسلامية على المشهد السياسي في المنطقة.
مستقبل القوة
وانتقل الجدل إلى الشارع الفرنسي حيث تصاعدت الأصوات، خاصة في صلب الأحزاب اليسارية، للمطالبة بمراجعة سياسة التدخل العسكري في إفريقيا. لكن الحكومة الفرنسية أكدت على مواصلة مشروع «برخان» دون رفض إعادة النظر في تركيبة وحجم الفيالق العسكرية واستراتيجيات التدخل. ولن تفلت السلطات المالية من المساءلة بعد أن نشرت منظمة الأمم المتحدة مؤخرا تقريرا يندد بما اعتبرته «جرائم حرب» قامت بها القوات المالية ضد المدنيين في إطار مقاومتها للجهاديين والانفصاليين المتهمين في نفس التقرير بـ«جرائم ضد الإنسانية». وهي ورقة ضغط إضافية أعلنت فصائل سياسية عن نية استخدامها في إطار المطالبة لتنقية الوضع في مالي. لكن تشابك المصالح و نفوذ فرنسا في الطبقات الحاكمة في دول الساحل الإفريقي سوف يكون عائقا أمام أي تقدم في هذا الملف حين لن ترضى عنه باريس.