مسار السنوات العشر الماضية في تحقيق الاستقرار الشامل وفي لململة شتات الدولة و إستعادة نفوذها وهيبتها ، و قد ازداد الوضع تدهورا بسبب تبعات و إكراهات فيروس كوفيد 19.
فبعد التوافق الإختياري ،حل التوافق المفروض في تنافر صارخ بين الرئاسات الثلاث ووصل أحيانا إلى حد الجفاء، والتضارب في المواقف. وقد انعكس كل هذا على كيفية تسيير البلاد وفق خطط عاجلة وإستراتيجية تعيد للاقتصاد انتعاشته وللتنمية حركيتها ونجاعتها و للبلاد توازنها.
فبسبب التحالفات الانتهازية صلب مجلس نواب الشعب وعدم إنسجام المعارضة وتشتتها و طغيان الخلافات المعطّلة للسير العادي للمجلس التشريعي، تعطّل التخاطب المغلّب لمصلحة البلاد و حل محله «صراع الديكة « في حلبة مجلس نواب الشعب.
هذه الحالة البائسة ، تولّد عنها البحث عن حلول غير عادية في محاولة لإيجاد طريقة لتجاوز الخلافات وإعادة السير العادي لدواليب الدولة ، ممّا أدى في بداية الأسبوع المنصرم إلى الحديث عن مبادرات و مقترحات جديدة، منها تشكيل جبهة تكون رئاسة الجمهورية حجر الزاوية فيها ،لمجابهة الإسلام السياسي و في ذلك محاولة لخوض تجربة مشوّهة لمبادرات قرطاج الّتي نسجها الباجي قائد السبسي ، وهي تجربة إنتهت بتفرق المُنضوين تحتها و فشلها في تجاوز الأزمة الّتي مرت بها البلاد و انتهت بحشر صاحب المبادرة «في الزاوية» وفي عزله سياسيا بعد تنكر حلفائه السابقين له و كذلك أقرب المقربين له رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد.
ما تمّ تداوله بخصوص هذه الجبهة لم يصدر بشأنه أي رد فعل من رئاسة الجمهورية لا بالنفي و لا بالتأكيد رغم أن مقترح تشكيل جبهة وطنية تضم التيار الديمقراطي وحركة الشعب واتحاد الشغل أعلن عنها زهير المغزاوي رئيس حركة الشعب.
هذا المقترح -إن صحّ- يختلف عن «مبادرات قرطاج» الّتي أراد بها الباجي قائد السبسي تجميع مختلف الأحزاب والتشكيلات تحت «رقابته» ، في حين أن الدعوات الحالية تبدو متجهة لجعل رئاسة الجمهورية طرفا في جبهة مصغرة يتزعمها رئيس الجمهورية وهو ما سيجعل هذا الأخير يتخلى عن الدور التجميعي كرئيس لكل التونسيين، ويدخل في توجه غير عادي يضع مصيره في الميزان بسبب الفرقعة الّتي ستحصل في هيكلة الدولة .
أما المقترح الّذي أعلن عنه التيار الديمقراطي لاخراج البلاد من أزمتها ،فإن مضمونه يختلف ياعتبار أنه يتمثل في منهجين لتجاوز الازمة في البلاد ، الاول يدعو فيه إلى حوار وطني اقتصادي واجتماعي يشرف عليه رئيس الجمهورية، والثاني يقع الإكتفاء فيه بمراجعة المنظومة الانتخابية في تونس وقانون الأحزاب والجمعيات وتمويلها وتنظيم القطاع السمعي البصري والإعلام وسبر الآراء.
هذا المقترح بفرعيه ليس جديدا ولا يأخذ بعين الإعتبار مواقف مختلف مكونات مجلس نواب الشعب الّذي لا تتوفر فيه الأغلبية المتحدة على موقف واحد و شامل بخصوص كيفية تجاوز الازمة الحالية و مزيد تنظيم الحياة السياسية مستقبلا. فضلا على ذلك فإن الأحزاب الممثلة في مجلس نواب الشعب بدأت تفكر في الانتخابات 2024 أكثر من التفكير في متطلبات تجاوز الأزمة الحالية ومخلفاتها .
و لكن يبدو أن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص حوار وطني شامل هي الأقرب للواقع و الأنسب لتجاوز جزء هام من الأزمة ، بحكم وزن الإتحاد في المجتمع و بحكم أن هذه المنظمة طرف فاعل في المفاوضات الاجتماعية، وهي مبادرة يمكن أن تتم برعاية من رئاسة الجمهورية ويمكن أن تُحظى بقبول العديد من الأحزاب السياسية خاصة تلك الّتي سبق لها أن دعت إلى مثل هذا الحوار الوطني و لو بتسميات مختلفة.
إن إنخراط الإتحاد العام التونسي للشغل في مبادرة حوار أو إنقاذ وطني بمعية بقية المنظمات الوطنية طبق خارطة طريق جديدة على غرار التجربة السابقة ضمن الرباعي الراعي للحوار تبدو أكثر تعقيدا، خاصّة إذا كانت غير شاملة، لإختلاف الأهداف، ولإختلاف متطلبات المرحلة، ولكن يمكن أن تساهم في التهدئة في مرحلة اولى ويمكن أن تكون في مرحلة ثانية ،أكثر نجاعة إذا حازت عل» دعم جميع الأطراف في حل معضلات المجلة الإنتخابية و تركيز المحكمة الدستورية وملامسة كيفية إصلاح النظام السياسي، ومسائل تقتضي حل مُعضلتي التمثيلية في الحوار والأغلبية في مجلس نواب الشعب.
إن مثل هذه المبادرات المتأتية من خارج الأحزاب هي الكفيلة بتجاوز الخلافات في المرحلة الراهنة، لأن كل الاحزاب الداعية إلى حل الازمة هي المتسببة في الأزمات، ولكنها تسعى إلى التنصل من مسؤوليتها وتقفز على الواقع بغاية تغييره دون واقعية وتتفاعل مع الأزمة و كأنها غريبة عنها والحال أن حركة النهضة نفسها الّتي تدعو إلى وحدة وطنية هي المتسببة في ما تعيشه تونس اليوم. وقد أدت أخطاؤها إلى تحويل الأزمة إلى حزبها ، الّذي يسير نحو الانقسام الفعلي بسبب تشبث زعيمه بكرسي الرئيس والمرشد في نفس الوقت ، و بدأ يدفع ضريبة «البهلوانيات» السياسية الّتي يلعبها على عدّة أصعدة .
كما لا يخفى على أحد أن وجود أكثر من بؤرة توتر و أكثر من أزمة في مختلف السلط و في مختلف المجالات الحيوية ، سيتسبب في موجة من الإحتجاجات و الإضرابات، مما سيزيد الوضع الإجتماعي إحتقانا. فكل الأحوال صعبة ، بدءا من الصحة الّتي برزت محدودية إمكانياتها و القضاء الّذي شهد في المدّة الأخيرة عدة احتجاجات وإضرابات ويعيش زوابع في داخله كشفت هشاشة الجسم الّذي كان يبدو متماسكا ، بسبب غياب الإصلاحات الضرورية والمحاسبة الجادة والرقابة الناجعة وكذلك بسبب تبعات توظيفه السياسي. و كذلك الأمر بنسبة للتنمية الجهوية و التشغيل و التعليم و مصادر الثروات الطبيعية و البترولية والمنجمية وقطاع الخدمات و التوازن التجاري و التهريب والموارد الجبائية وغيرها ...
إن الأوضاع الّتي وصلت إليها تونس في حاجة إلى معجزة كي تتعافى منها ولا شك أن الحاجة إلى مبادرة جادّة أمر ينتظره كل الّذين يحبون الخير لتونس، لذلك يتحمّس عموم الناس بمجرد الحديث عن بوادر إنفراج حتى وإن كانت مشدودة بسلك رقيق ...
بعد تعدد مواطن التململ و التوتر: نحــو شتـــاء من الجمــر ؟
- بقلم المنجي الغريبي
- 10:20 23/11/2020
- 1357 عدد المشاهدات
لا يكاد أي مجال اقتصادي أو سياسي عام أو خاص في تونس يخلو من ركود أو توتر في فترة تميزت بتأزم الوضع الاجتماعي بسبب فشل