في الندوة السنوية الثالثة للنهضة: راشد الغنوشي يقر بالأصول السلفية اللاديمقراطية لحركته

•الوعد بالانتقال من الدفاع عن الهوية إلى الحرية إلى مكافحة التهميش
•الصمت عن الانتخابات ومناخاتها ومسألة تأجيلها


في الندوة السنوية الثالثة لحركة النهضة، وهو الاجتماع السنوي الأهم للحركة الإسلامية أراد، «الشيخ» المؤسس أن يربط الحاضر بالماضي بل ولعلنا أمام إحدى المرات القلائل التي يتحدث فيها راشد الغنوشي علنيا في هذه السنوات الأخيرة عن تاريخ حركة النهضة وربطه ببدايته الفعلية منذ خمسين سنة أي منذ سنة 1969 حيث كانت الانطلاقة الأولى للجماعة الإسلامية عندما التقى «الشيخان» راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو،بدل الاكتفاء التقليدي بالتأسيس لحركة النهضة بانبعاث حركة الاتجاه الإسلامي في 6 جوان 1981

ولهذا التذكير بالبدايات أهمية بالغة إذ فيه اعتراف صريح هذه المرة بالنشأة السلفية المعادية – بل والمكفرة في نظرنا – للديمقراطية على عكس الدعاية التي تتوخاها الحركة الإسلامية منذ الثورة بأنها كانت تدافع عن الحرية منذ تأسيسها .

اليوم يقول راشد الغنوشي أن الحركة التي أسسها منذ نصف قرن بمعية عبد الفتاح مورو كانت حركة سلفية تعتبر أن «الإسلام في خطر» فاختارت الدفاع عن «الهوية» ولكن نعلم نحن أن مصطلح الهوية لم ير النور في الحركة الإسلامية إلا منذ الثمانينات وان المصطلح المحوري في السبعينات كان «العقيدة» وان «العلمانية الكافرة» لنظام بورقيبة تريد تقويض أركان العقيدة بالحكم بغير ما انزل الله بل وبـ«محاربة» تشريعه كالغائها للحدود ولتعدد الزوجات.. وان الديمقراطية كفر لأنها نظام يؤسس للشرك تحت شعار «حكم الشعب» بينما «العقيدة الصحيحة» تقوم على «حكم الله›» لا على حكم البشر ..

هذا الاعتراف بالطبيعة الإيديولوجية للتأسيس مهم جدا لأنه يقضي على أسطورة «حركة الحرية» ولانه أيضا يضع على المحك الزعم بالانتقال السريع من الدفاع عن «الهوية» أي عن العقيدة أو بالأحرى عن المفهوم السلفي للعقيدة في السبعينات إلى تبني الحرية جرعة واحدة على حد عبارة الغنوشي، في 1981 ؟ ! وهل بإمكان حركة سلفية دغمائية تبنت الشكل الأكثر انغلاقا للاخوانية طيلة عشريتها الأولى باعتراف مؤسسها ومنظرها أن تتحول في أشهر معدودات إلى حركة تؤمن بالديمقراطية وتدافع عنها ؟ !

إن هذه النقلة المستحيلة هي التي كانت تدفع بجل القيادات النهضوية بعد الثورة إلى إنكار الصبغة السلفية لعشرية التأسيس ، صبغة لا يمكن أن تمحي في سنة أو في عقد ، خاصة وان مفهوم التطور الذي يدافع عنه راشد الغنوشي في هذه الندوة السنوية الثالثة قائم على «المحافظة + التجاوز» إذن فالعمق السلفي هو الذي كان طاغيا كذلك في فترة الثمانينات ومازال حاضرا ومؤثرا إلى اليوم رغم ابتكار مفهوم «الإسلام الديمقراطي» فالحركة تريد إلى اليوم كما يؤكد زعيمها أن تكون «الأحسن» إسلاما وان لم تعد تحتكره لوحدها ..

لا أحد ينكر أننا لم نعد أمام نفس الحركة الفكرية والسياسية بالضبط وأن عنصر التفاعل مع الواقع المحلي والدولي قد غير العديد من المعطيات ولكن كل هذه التحولات لم تقطع نهائيا مع الأصول الأولى بل نحن أمام تراكمات متنافرة ومتناقضة لم يتم مراجعتها إلى اليوم بل نراها تتكيف عند الفرد وعند المجموعة وفق مقتضيات الظرف ولا نرى البتة إلى اليوم ، انسجاما في القاعدة الفكرية للحركة الإسلامية بل نوعا من التلفيق الفكري يأخذ من كل شيء بطرف دون حسم نهائي.

العنصر الثاني المهم في خطاب رئيس الحركة في هذه الندوة السنوية الثالثة هو حديثه عن المرحلة الجديدة في برنامج الحركة ، فبعد الدفاع عن الهوية في السبعينات والحريات بعد ذلك والى اليوم ها هو يريد الدفاع عن المهمشين مجاليا واجتماعيا جاعلا من ذلك لبّ البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لحركته للخماسية القادمة ولرؤيتها لتونس إلى حدود سنة 2035.

يتحدث الغنوشي عن ضرورة تحويل نجاحنا الديمقراطي إلى نجاح اقتصادي واجتماعي وانه لا وجود لمواطنة فعليا في ظل ظلم التفاوت الجهوي ولا وجود أيضا لديمقراطية فقيرة، كما يدعو إلى كسر عزلة الجهات والمناطق الداخلية، ويعطي أمثلة عن التفاوت المجحف بما في ذلك في النتائج المدرسية، ويرى انه لا مناص لنا من رفع القيمة المضافة لمنظوماتنا التربوية والصحية والخدماتية وان ذلك لن يكون إلا بالرفع من قيمة وثقافة العمل ..

كل هذا صحيح، وهذا التشخيص لا يختلف فيه اثنان ، ولكن كيف الخروج من هذه الوضعية ؟ وما هي السياسات العمومية المطلوبة ؟

هنا يعطينا الغنوشي جوابا واحدا : التركيز على المبادرة الفردية وتحويل كل التونسيين إلى «صفاقسية وجرابة» وكأن المبادرة الخاصة حكر على هاتين الجهتين فقط وكأن هنالك فوارق ماهوية بين «الجرابة والصفاقسية» وبقية التونسيين. ولكن الإشكال الأساسي هو أن الحل الأساسي الذي اقترحه رئيس النهضة يقوم على الحل الفردي والقيم الفردية أو حل سحري يحول علاقة التونسي بالعمل وبثقافته ..

أما من الناحية السياسية فاهم ما جاء في خطاب الغنوشي هو صمته المطبق على أهم مواضيع الساعة وهي الانتخابات ومناخاتها والتسريبات بشأن تأجيلها ، والغريب أن هذه الندوة السنوية الثالثة جاءت عقب اجتماع مجلس شورى الحركة المخصص بالكلية لهذه المواضيع ، ولكن رئيس الحركة لا ينبس ببنت شفة ، فهل هذا يعني صحة ما يروج هنا وهناك من وجود اتفاق بين مكونات الحكم لتأجيل الانتخابات لأن مناخاتها غير ملائمة لهم أم أن الصمت هو لكي يبقي رئيس الحركة كل ورقات مناوراته مخفية على الخصوم والأصدقاء في آن واحد ؟

راشد الغنوشي يعتبر نفسه زعيم اقدم حزب في تونس في إشارة إلى «الموت» النهائي للحزب الدستوري التاريخي وكذلك للحزب الشيوعي وحتى تكون النهضة «العمود الفقري» للسياسة التونسية ، ولكن هل يخشى «أقدم» حزب صوت الصندوق الذي «أكرمه» في 2011 ولعله يهينه في 2019 ؟ أم أن «أقدم» حزب صار منهمكا في التكمبين والبوليتيك كسابقيه ولاحقيه ؟

أيام قليلة تفصلنا عن الأجوبة الأولى .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115