أصدر يوم أمس المعهد الوطني للإحصاء نشريتيه الفصليتين الأكثر أهمية وهما النمو الاقتصادي للثلاثي الرابع من سنة 2018 ومؤشرات التشغيل والبطالة لنفس الفترة والنتيجة الأساسية هي عدم خروج البلاد من سنوات النمو الهش (%2.2 للثلاثي الرابع و %2.5 كمعدل سنوي لـ2018) والبطالة المرتفعة (%15.5 كمعدل وطني و%28.8 لحاملي الشهادات العليا ).
كان يؤمل أن تكون سنة 2018 سنة بداية الإقلاع الاقتصادي والخروج النهائي من سنوات النمو الهش التي ميزت كل هذه العشرية ولكن رغم البداية الواعدة نسبيا في هذه السنة انهينا عام 2018 بأضعف نسبة نمو (%2.2) مما جعلنا بعيدين إلى حد ما عن أفق %3 الذي وضعته ميزانية 2018 واقل كذلك نسبيا من تحيين الميزانية التكميلية فلم يحقق الاقتصاد إلا نموا بـ%2.5 فقط ليكون معدل نمو هذه السنوات الأربع للأغلبية الحالية في حدود %1.5 بعد أن وعدنا الحزب الفائز في 2014 بتحقيق معدل نمو خلال خماسية حكمه في حدود %5. فما أبعد التوقع عن الانجاز !!
والسيئ في كل هذا هو شبه جمود الثلاثي الرابع والذي لم يحقق باحتساب الانزلاق الثلاثي إلا %0.2 فقط وهي ثاني أضعف نسبة انزلاق ثلاثي خلال سنتي 2017 و2018 ولولا النتائج الاستثنائية للموسم الفلاحي والذي حققت بفضله الفلاحة والصيد البحري نسبة نمو تناهز %10 (%9.8 تحديدا ) لكانت النتائج الإجمالية لهذه السنة دون %2.
في 2018 هنالك شبه جمود في الصناعة المعملية (%0.3) وتراجع في الصناعات غير المعملية (-%1.2) ونمو معقول في الخدمات المسوقة (%3.3)نتيجة تواصل فاعلية قطاع النزل والمطاعم والمقاهي (%6.7) وعليه فالحديث عن بداية تعافي الاقتصاد الحقيقي هو قول فيه الكثير من المبالغة إن لم نقل من الخطأ ، فنمو اقتصادنا إجمالا هو نمو هش وغير متوازن ولم نتمكن إلى حد الآن من تشغيل كافة محركاته في نفس الوقت .
وبالطبع لا يمكن لنمو كهذا أن يخلق ما يكفي من مواطن شغل لبداية تقليص البطالة والتي بقيت للثلاثي الثاني على التوالي في حدود %15.5 وفي النمو كما في البطالة نحن بعيدون كل البعد عن وعود الأغلبية الفائزة في انتخابات 2014 وعن توقعات المخطط الخماسي للتنمية الذي توقع بدوره معدل نسبة نمو لسنوات 2016 - 2020 بـ%5 وانخفاض نسبة البطالة في سنة 2020 إلى %11 !!! مخطط أنفقنا على انجازه مئات الاجتماعات وآلاف الساعات من العمل لنصل إلى فرضيات لا تمت لما حصل على أرض الواقع بصلة ولعل الأرجح من هنا فصاعدا إما الاستغناء عن فكرة المخطط من أصلها وربح الوقت والجهد أو إعادة النظر فيه بصفة جوهرية ..
هنالك قاعدة بسيطة : اقتصاد لا ينتج بما فيه الكفاية تكون حتما قدرته التشغيلية ضعيفة ولكن نضيف إلى ذلك انخرامات هامة في هيكلة التشغيلية في تونس فبعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال مازالت مشاركة المرأة في عالم الشغل ضعيفة فهي لا تمثل إلا %28.9 من السكان النشيطين (أي المشتغلين والعاطلين عن العمل ) و%26.4 من المشتغلين ورغم ذلك فالمرأة أكثر عرضة للبطالة :%22.9 للإناث مقابل %12.5 للذكور هذا على المستوى الوطني أما في ما يتعلق بحاملي الشهادات العليا فالبطالة تضرب الإناث بـ%38.8 مقابل %17.2 للذكور ..هذا بطبيعة الحال دون الحديث عن التفاوت الجهوي حيث تصل نسبة البطالة إلى حدود %30 في بعض الجهات مقابل نزولها تحت %10 في بعض الولايات الساحلية ..
هنالك مؤشر جديد بدأ معهد الإحصاء في اعتماده منذ هذه النشرية وهو نسبة البطالة في فئة الشباب ما بين 15 و24 سنة والذي يكشف أن ثلث السكان النشيطين من هذه الفئة يتعرضون للبطالة (%33.4) وهنا لا فوارق تذكر بين الإناث (%33.1) والذكور (%33.6) ولكن هذا الرقم يكشف بوضوح صعوبة ولوج عالم الشغل للباحثين عنه من هذه الفئة العمرية..
وفي تونس لا يتمثل الإشكال فقط في ضعف النمو ولكن كذلك في ضعف التشغيلية عند جزء هام من العاطلين عن العمل إذ تبين الدراسات الدورية للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات بان هنالك أكثر من مائة ألف موطن شغل لا يتم تلبيتها نظرا لعدم توفر التكوين الملائم لها ..
لا سجال بأن الحكومة تبذل جهودا منذ سنوات في ما يسمى بسياسات نشيطة للتشغيل ساهمت في الحد النسبي من بطالة أصحاب الشهادات العليا ولكنها لم تكن كافية لبداية التقليص الإجمالي لعدد العاطلين عن العمل .
خلاصة القول أن تونس رغم بعض الإرهاصات الايجابية مازالت لم تخرج من النمو الهش ومن البطالة المرتفعة . في هذا المجال نحن إزاء عهدة انتخابية للنسيان .