تصوب وجهك نحو أغلب وسائل الإعلام التونسية، وخاصة المرئية تجد حربا مسعورة من أجل تحقيق المصالح الخاصة: تحقيق أكبر نسبة من المشاهدة، تحقيق النجومية لبعض “الإعلاميين”، والتموقع في المشهد الإعلامي، والتلاعب بالقلوب والعقول والبحث عن الإثارة والإضحاك والاستخفاف بالناس والتعسف على الذائقة الفنية حتى وإن أدى ذلك إلى التعدي على حقوق الآخرين وهنا يلتقي هذا الصنف من «الإعلاميين» بأشباه الدعاة فكلاهما يتطفل على المجال ويسعى إلى الهيمنة على الجماهير وتزييف وعيها.
ومع ذلك تجد أنّ شرائح من التونسيين تتابع بعض البرامج التي تندرج ضمن هذا التوجه مبرّرها في ذلك غياب البدائل والفضول.ثم سرعان ما تأتي ردود الفعل فتعلن الجموع عن استيائها وصدمتها وغضبها وتستهجن هذا الاعتداء الممنهج على العقول في سياق كان من المفروض أن يكون فيه الإعلام على مستوى التحديات والرهانات التي تمر بها البلاد مساعدا على استكمال مسارات البناء لا معولا للهدم وأداة لممارسة العنف اللفظي والعنف الرمزي.يكفي أن يتدبر المرء كيفية إدارة النقاش حول “توبة الإرهابيين”و إعادة إدماج العائدين من بؤر التوتر والصراع ليدرك الفجوة بين كيفية التعاطي الإعلامي مع هذه القضية في القنوات العربية الأخرى وطريقة تناول هذا الموضوع في بعض وسائل الإعلام التونسية.فبالرغم من أنّ السعودية والمغرب والجزائر كان لها السبق في معالجة موضوع إدماج العائدين ووضع خطة ‘المصالحة”واستراتيجيات مواجهة هذه القضية فإنّ الإعلام التونسي تجاهل هذه التجارب ولم ينزلها في سياقها التاريخي .كما أن الحديث عن العائدين ورد عاما دون تبيان معايير التصنيف ومقاصد الفرز بين الإرهابي والفار بعد أن تم استدراجه إلى مناطق النزاع. وهذا التناول السطحي لموضوع بمثل هذه الأهمية يثبت أنّ وسائل الإعلام غير مستعدة لفتح هذا الملف بعدُ. فلا اطلاع ولا مقارنات ولا تمييز بين ‘السرديات” التي يصوغها بعض الإرهابيين أو العائدين عن أنفسهم ولا إدراك لبشاعة الجرائم المرتكبة ولا وعي بما يترتب عن تجارب الذبح والحرق والسمل والتمثيل بالجثث من انعكاسات على المستوى النفسي .
ولا يذهبن في الظن أنّ الإعلاميين وحدهم غير مؤهلين لمناقشة هذا الملف فعلماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الدين والمتخصصون في دراسات الأمن وغيرهم غير قادرين على تأهيل هؤلاء الإرهابيين والعائدين لاسيما وأن الحالات غير مدروسة والتجارب التي مرت بها هذه الشخصيات المعطوبة غير معلومة أضف إلى ذلك أنّ النظريات المعتمدة في بلدان أخرى لا يمكن أن تطبق برمتها لاختلاف السياق.
جماع القول إنّنا لسنا أمام نقاش معمق وجاد حول طرق”استقبال ‘ الإرهابيين و إدماج العائدين من بؤر الصراع بل نحن أمام حالة من “الضجيج “ تلهي الناس لفترة ولكنها لا تساعد على صياغة موقف معقلن من هذا الموضوع.إنّه زمن استهلاك الوجبة الإعلامية السريعة التي تؤدي إلى سوء الهضم ولا تشبع من جوع.