تقرير المرصد الاجتماعي التونسي: تصـــاعد غضـب الشارع

عكست تحركات الشارع التونسي في أفريل 2025، مناخا عاما اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا

سمته الاساسية انه بات حبيس مربعات الازمة التي تتفاقم باضطراد . فقد كشف تقرير المرصد الاجتماعي التونسي الصادر في هذا الاسبوع عن ارتفاع في عدد التحركات الاحتجاجية لتكون 422 تحركاً، مقابل 217 في مارس الفارط. مما يكشف عن تصاعد التوتر الاجتماعي واتساع رقعته جغرافيا وقطاعيا.

هذا التصاعد لا يبدو مجرد طفرة عددية عابرة، بل هو أقرب الى التعبير المكثف عن اختلال بنيوي في العلاقة بين الدولة ومواطنيها وعن شعور عام بالإقصاء والتهميش، لم تفلح الشعارات السياسية أو وعود السلطة في تبديده.

اللافت في المعطيات التي قدمها المرصد بشان شهر أفريل ليس الكثافة العددية للاحتجاجات فقط، بل تنوّعها في مضامينها وفي فاعليها. اذ تبين انه رغم استمرار تصدّر المطالب المهنية والعمالية للمشهد الاحتجاجي في تونس بنسبة تقارب 45 %، عدا التحركات ذات الطابع الحقوقي والمدني التي برزت بشدة لتسجل نسبة 28,44 % من التحركات فكانت بمثابة الاعلان عن عودة قوية للحراك السياسي في البلاد.

نحن اليوم امام حراك سياسي بمفهومه الاشمل والاعم، فلئن كان الحراك الاحتجاجي الحقوقي والمدني مباشرا وصريحا في التعبير عن صدامه مع السلطة وانتقاد سياساتها خاصة تلك المتعلقة بملف الحريات والقضاء، الا ان التحركات الشغلية والمهنية تبين عمق ازمة السلطة الراهنة، فهي مطالبة لدى شريحة واسعة من التونسين بان تحقق لهم مطالبهم المتعلقة أساساً بالتشغيل، وتسوية الوضعيات وتأخر صرف الأجور. وهي مطالب قديمة-جديدة، تعكس استمرار تأجيل الملفات الهيكلية التي تمس شرائح واسعة من الشغيلة. مما يبين ان الهوة بين المجتمع والسلطة تتسع يوما بعد يوم.

تصاعد حدة الاحتجاج ضد السلطة وسياساتها لم يقتصر على تونس الكبرى بل تميز هذه المرة بانه، على المستوى الجغرافي، شهد زخما وحراكا داخليا. حراك حاد يقدر باكثر من 300 تحرك احتجاجي، ولئن هيمنت اجتجاجات المزونة، بعد فاجعة سقوط جدار معهد التي أودت بحياة ثلاثة تلاميذ، على المشهد الا ان عدة جهات داخلية شهدت حراكا احتجاجيا غير معهود من ذلك ولاية توزر التي سجل فيها قرابة 40 تحركا احتجاجيا اضافة الى قفصة والقيروان وغيرها من المناطق الداخلية ذات الاولوية.

لا تكشف الارقام والمعطيات عن هذه المؤشرات فقط، بل تبين ان تنوّع الفاعلين الاجتماعيين في التحركات الاحتجاجية والذي يعكس مدى الاحتقان لدى النقابات والأطباء الشبان و المحامين والطلبة وسائقي الحافلات والصيادين….الخ، اي اننا امام حراك احتجاجي تشارك فيه جل فئات التونسين. ولئن عبرت كل منها عن الأزمة التي تخصّها الا انها كشفت عن تآكل الثقة في السلطة وانسداد الأفق.

تاكل الثقة تبرزه هذه المرة المعطيات التي تبين ان جزءا هاما من الحراك الاحتجاجي توجه مباشرة بانتقادته الى رئاسة الجمهورية والى الحكومة، وهذا لا يتعلق بالحراك القوقي والمدني فقط بل بالحراك المهني بما يبين أن الشارع أصبح لا يرى في الوزارات وحدها الجهة المسؤولة، بل يُحمّل رأس السلطة المسؤولية المباشرة عن الوضع المتردي.

ولم تقتصر الاحتجاجات على الفعل الجماعي الكلاسيكي. بل تنوعت أشكالها ، من الوقفات والإضرابات إلى المسيرات ، في عودة إلى أدوات نضالية تعكس تطورًا في الوعي الاحتجاجي وأساليب التعبير.

هذا يعني ان معطيات المرصد لا تكشف عن مجرّد موجة احتجاجية، بل عن خارطة لغضب اجتماعي متراكم ومركّب، بما قد يؤشر الى أن تونس تعيش اليوم أزمة تفرض على السلطة ان تطرح السؤال عن مدى قدرتها على الإنصات و التفاعل والحل؟

الاحتجاجات ليست في حد ذاتها المشكلة بل هي العرض الظاهر لأزمة أعمق، لا يمكن معالجتها بالحلول الأمنية أو الخطابات العامة، بل بالاستجابة الشجاعة والعادلة للمطالب الاجتماعية والحقوقية وتغيير نمط الحوكمة، بذلك تؤسس لتهدئة حقيقية. أما تجاهل هذه التحذيرات المتكررة، فلن يؤدي الا إلى إعادة إنتاج الغضب، وقد يكون ذلك بأشكال أكثر احتقاناً

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115