من أجل شبهات «جرائم حق عام وأخرى ارهابية».
سوف نعود لاحقا لحيثيات هذه التهم وتوصيفها، وما يهمنا في البداية الحديث عن هذه الشخصية الفارقة والاستثنائية أحمد صواب..
يشهد كلّ من عرف القاضي الإداري المتقاعد أحمد صواب سواء في رحاب الجامعة أو في المدرسة الوطنية للإدارة او المحكمة الإدارية أن احمد صواب كان طيلة حياته، دوما قبل الثورة وقبل أن يذيع صيته معها، كان دوما رجل مبادئ وقيم وساهم كثيرا في بلورة فقه قضاء المحكمة الادارية في اتجاه الاستقلالية عن السلطة السياسية وما كان ذلك، حينها ، بالأمر الهين ذلك أن جدار الخوف كان سميكا وكان أحمد صواب فردا في مواجهة آلة كانت تبدو عصية في الأغلب الأعم ..
بعد الثورة وانقشاع حائط الخوف وتفتح مختلف وسائل الاعلام على الشخصيات الهامة في البلاد ( وعلى غيرها كذلك ممّن كان ظاهرهم على غير باطنهم) بدأ عموم التونسيات والتونسيين في التعرف على أحمد صواب عبر تدخلاته ومواقفه والمعارك التي خاضها منذ اندلاع الثورة الى حد اليوم ..
أحمد صواب فنّان مبدع في مجاله بمعنى الكلمة، اي تحكم ومعرفة وإتقان من جهة ومباغتة ومراوغة من جهة اخرى .. نكتة أحمد صواب حاضرة دائما حتى في أحلك المواقف و«ضماره» لا يغيب مطلقا عن كل تدخلاته لا في وسائل الاعلام فقط ولكن كذلك في ساحات العلم والفكر والنضال ..
يمكننا أن نقول أن أحمد صواب حقوقي ديمقراطي تقدمي مستقل شكلا ( لا نعرف عنه تحزبا ما) ومضمونا (فكره مستقل ويستند فيه الى عقله والى معرفته وضميره فقط لا غير)..
هذه الشخصية المرحة النقية المهووسة فكرا وقانونا وسياسة وكرة قدم كان بإمكانها الاكتفاء ببعض الظهور والاهتمام بشؤونها الخاصة وبأن تزن تدخلاتها وفق مصالحها والمخاطر التي يسعى كل انسان الى تجنبها، لكن أحمد صواب قُدّ من طينة اخرى ،فهو ينخرط في القضايا التي يعتبرها عادلة بكل مقومات ومكونات شخصيته ولا يلجأ مطلقا الى حسابات الربح والخسارة كما يفعل الكثيرون .
سوف يحفظ التاريخ بعد قرون انه حصلت ثورة في تونس واننا كدنا نحقق حلم الديمقراطية ودولة الحق لولا اخفاقاتنا الجماعية، كما سيحفظ التاريخ اسماء من ساهموا في بناء هذا الحلم زمن الاستبداد ومن سعوا للمحافظة عليه والنضال من اجله في المراحل المختلفة للانتقال الديمقراطي او الانتقال فقط.. يقيننا ان اسم احمد صواب سيكون من بين هؤلاء لأنه لم يترك قضية عادلة الا وانخرط فيها ولم ير حقوقا تداس الا وانبرى للدفاع عن ضحايا هذه الانتهاكات، وهو ينفق من وقته وعقله وأعصابه دون حساب ويتحمس للحق ايا كانت جهات وصفات اصحابه فمبادئه الشخصية لم تمنعه يوما من الدفاع عن خصومه الفكريين عندما يتعرضون الى مظلمة..
أحمد صواب لا يردّ مطلب أحد حتى عندما يكون ذلك على حساب راحته وسلامته .. انه شخص معطاء بالمعنى العميق للكلمة وهو شخص لا يهادن ولا يعرف التنسيب في ما يراه حقا ..
لماذا يجد احمد صواب نفسه رهن الايقاف؟
لأنه عبّر بطريقته الخاصة عن وضعية القضاء اليوم وبان التهديد لا يطال المحاكمين فقط في قضية «التآمر» بل أن رئيس المحكمة كذلك واقع تحت التهديد وعبّر عن التهديد بصورة على الرقبة بصورة مجازية كما تعود على ذلك. فلا وجود لتهديد ولا يمكن ان يصدر ذلك عن من كرس حياته لمقاومة كل اشكال العنف.
هنالك وضعية لا يمكن للعقل وللضمير ان يقبلاها مهما كانت التبريرات : استعمال قانون الارهاب الذي وضع بتلك الصرامة والشدة لتتم متابعة ومحاكمة الجماعات الارهابية المسلحة والتي اثخنت في الدماء الزكية لقادة سياسيين وعسكريين وأمنيين ومواطنين عزل وسياح والتي روعت البلاد على امتداد السنوات الاولى للانتقال الديمقراطي. إن عدد الشهداء من كل هذه الفئات كاد يناهز المائتين .. كيف نستعمل القانون الخاص بهذه الجماعات الارهابية المسلحة لنحاكم به أو لنتتبع بمقتضاه مدنيين وسياسيين ونشطاء المجتمع المدني؟!
قديما نقل عن الامام علي ، رابع الخلفاء الراشدين ، القولة المشهورة «اعرفوا الرجال بالحق ولا تعرفوا الحق بالرجال».. حكمة عميقة دائمة ولاشك. لكن وفي حالات اختلاط الاشياء وغموض السبل هنالك نساء وجال يمثلون في حد ذاتهم منارات للحق يُهتدى بها في الظلام الدامس ..
أحمد صواب هو احد هذه المنارات وهو دون منازع ضمير من ضمائر الانتقال الديمقراطي.