14 جــــانفي .. 14 سنـة ...

قد يكون العنوان جذابا لمن يؤمن بأسرار الأعداد وطلامسها

ومن يرى في هذا التكرار الظاهري لعدد 14 تكرارا خفيا للعدد السحري 7 في علاقة ضرب مع العناصر الأربعة ..

قد يذهب بنا الخيال كثيرا الى هذه الرموز حتى بأن حفّ الخيال وانسابت الرموز من 14 جانفي ومن مرور 14 سنة على حدوثه فإن وقع الذكرى مازال قويا لدى عدد هام من التونسيات والتونسيين.

لقد حصل جدل كبير في تونس حول تاريخ الثورة، والمسألة هنا لا تتعلق بيوم بذاته، 17 ديسمبر 2010 أو 14 جانفي 2011، بل بما نضفيه على هاتين المحطتين من معاني ودلالات..ولا نعتقد أن الحذف الرسمي لـ14 جانفي سيغير كثيرا من الأمر..

بالنسبة للتونسيين الذين استبشروا بالثورة التونسية وبغض النظر عن خيبات أملهم بعدها فإن 17 ديسمبر يرمز – حدسا– لانتفاضة الدواخل التي انطلقت مباشرة اثر احراق الشاب محمد البوعزيزي لجسده النحيف وما عناه ذلك من انسداد الافق و«الحقرة» التي كان يعاني منها شباب الدواخل في سيدي بوزيد وفي كل ولايات الجمهورية .. فالدواخل منطقة رمزية اجتماعية قبل أن تكون منطقة ترابية ..

أما 14 جانفي فيرمز الى تعميم الغضب الاجتماعي والسياسي على نظام بن علي لا فقط على المستوى الجغرافي – على أهميته– ولكن ايضا على مستوى مختلف الفئات الاجتماعية لتونس والتي طالبت حينها – خرجت للتظاهر في الشوارع أم لم تخرج – بضرورة تغيير عميق في البلاد عبّر عنه شعار «شغل .. حرية .. كرامة وطنية» أروع تعبير ..

ثلاثة أسئلة جوهرية طرحت في تونس منذ 2011 الى حد اليوم :

- من خان الثورة ؟

- هل ان «الثورة» مؤامرة اجنبية ؟

- هل خان 14 جانفي 17 ديسمبر ؟

وقد عزفنا ، عن قصد ، عن سؤال هل ان 14 جانفي ثورة ام انتفاضة لم تكتمل ؟ لأن التاريخ وحده هو الذي سيجيب بصفة نهائية عن هذا السؤال ..

أما الأسئلة الثلاثة الاخرى فهي تعكس في الحقيقة الموقع الايديولوجي والسياسي والنفسي للسائل ولا أعتقد انها ستقدم بنا كثيرا في فهم ما وقع أو في محاولة استكشاف الخطوط العريضة للمآلات ..

الاسئلة الثلاثة ، على تبايناتها الظاهرية الكبيرة ، تنهل من معين مشترك: البحث عن الخيانة وعن الخائنين .. والخيانة ليست بالمعنى الأدبي الخلاق كقولنا «كل ترجمة خيانة» بل بالمعنى الاجرامي الذي يستوجب ، ربما، ترتيب الجزاء القضائي ..

هنا بدلا من البحث عن الفهم ، بما في ذلك فهم الخيبات والانتكاسات وحتى الخيانات إن وجدت ، نحن نريد محاسبة الخصوم / الاعداء..

نحن لا نريد البناء المشترك ،على اختلافاتنا،.. بل الهدم المتبادل قصد افناء المختلف داخليا، ففي ذلك ،يرى بعضنا ، قمّة الثورة ولذة الانتصار ..

في تونس يخيل الينا احيانا أن ترصيف الكلمات وشحنها بعبارات حماسية، ذلك هو التفكير وأن في هذه الثرثرة مفاهيم وتصورات استراتيجية وأن الاختصام حولها هو عين المعارك الفكرية الراقية وأن الحلّ في الرجوع الى القرن الأول للهجرة أو القفز الى ما يتصور انه واقع البلدان السكندينافية في القرن القادم أو أن النماذج الايجابية هي تلك الدكتاتوريات الدموية التي شهدها العرب وغيرهم من الامم ..

والحال أن شعار الثورة عميق وجميل وبسيط: شغل .. حرية .. كرامة وطنية ..

ولكن من يمكنه أن يقول اليوم انه لا يتحمل أية مسؤولية في هذا الاخفاق الجماعي؟ اذ لا شغل ولا حرية ولا كرامة وطنية والحال ان البرنامج كان واضحا: تطوير الاقتصاد وتعصيره، بما يعني تطوير كل الخدمات العمومية والارتقاء بها وتحرير الطاقات للخلق والإبداع والانتاج وتجذير الحرية في المؤسسات والثقافة العامة وداخل الاسرة والمدرسة وفي جميع مرافق الحياة وأن نأكل من انتاجنا وأن نرتقي في سلم القيم علميا وتكنولوجيا وصناعيا وأن نحسّن باستمرار في موقعنا في هذا العالم التنافسي الحاد والعنيف ..

هكذا لخص شعار الثورة المهام المطروحة على الدولة والنخب والمجتمع.. ولكن حساباتنا الصغيرة (جميعا ولا نستثني أحدا) ومعاركنا البيزنطية علاوة على كل العاهات التي شهدتها نخبنا ومجتمعنا ايضا ..كل ذلك اعاق الانجاز ودفع الى اليأس من تغيير ايجابي يخلق رفاها مشتركا ..

لو بحثنا عمّن «خان»› الثورة اي عمّن لم يكن في مستوى شعارها المركزي ومن لم يعمل على تجسيده لقلنا بأننا جميعا مشتركون في هذه «الخيانة» كل حسب مسؤوليته وكل حسب مساهمته..

من منا تظاهر يوما من اجل العدالة لغيره والحرية له ؟ نزر قليل من الديمقراطيين فعلوا ذلك غير آبهين بما قد يتعرضون إليه من مضايقات او تهديدات كما فعلوا ذلك أيام بن علي ، ولكن هؤلاء بعض عشرات الآلاف على الأقصى ، أما الغالبية الساحقة فتتظاهر أو تحتج مطالبة بالعدالة لها وبالحرية لها وبالحقوق لها دون ادنى اكتراث بما يسمى عادة بالصالح العام .

لو بحثنا عن «الخيانة» بهذا المعنى لن نجدها عند نخب الحكم والمعارضة فقط، بل في كل فئات المجتمع وجهاته رغم الاجتهاد والإخلاص اللذين نجدهما عند الكثيرين ولكنهما لم يتحولا الى تيار جارف يدمج الجميع ..

14 جانفي كان لحظة امل استثنائية.. لم نشاهد فرحة كتلك على امتداد عقود طويلة.. كانت الوجوه مستبشرة .. ضاحكة .. مبتسمة ..متحابة ..متضامنة الى لحظة انتخابات المجلس وتلك الصفوف التي انتظر اصحابها ساعات طويلة للتصويت .. عندما تستحضر تلك الوجوه من نساء ورجال وشيب وشباب تحدس مباشرة معنى الفرحة بالانتماء لوطن حرّ..

لو كان ثمة من «خيانة» فهي التفريط في هذا الرأسمال الرمزي وعدم رعايته والاستثمار فيه..

ومع ذلك هل يمكننا ان ننسى ذلك اليوم والأيام التي تلته ؟

هل يمكننا ان ننسى اننا فرحنا ، جميعا ، ذات يوم ؟ وبنينا مشاريع وأحلام ..

لن يتأسس شيء ، جميل في تونس إذا لم يتأسس على هذه الفرحة الأصلية

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115