41 فما مناسبة المغفرة والرحمة للأمر بركوب السفينة؟ وكقوله تعالى: "فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "البقرة:209. وكقوله تعالى: "بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا"النساء:158" فما المناسبة بين رفع عيسى وبين عزة الله وحكمته ؟
وكقول المسيح ابن مريم فيما حكى الله عنه : "إنّ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "المائدة:118 مع أن الخليل إبراهيم قال فيما حكى الله عنه " رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "إبراهيم:36. فما الفرق بين هذه الخاتمة وهذه الخاتمة ؟ - ثم المتأمل في الأسماء الحسنى في خواتيم الآيات يجدها غالبًا مقترنة اثنين اثنين: العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، السميع العليم، الغني الحميد، الواحد القهار، العزيز الغفار...الخ. فما السر في هذا الاقتران ؟
فمن ذلك: - العزيز الحكيم : اقترنا في فواصل الآيات (47) مرة ، في جميعها العزيز قبل الحكيم . -السميع العليم : اقترنا في فواصل الآيات (32) مرة ، في جميعها السميع قبل العليم. - العزيز الرحيم: اقترنا في فواصل الآيات (13) مرة ، في جميعها العزيز قبل الرحيم. - السميع البصير : اقترنا في فواصل الآيات (10) مرات، في جمعيها السميع قبل البصير . - العزيز الرحيم : اقترنا في فواصل الآيات (13) مرة ، في جميعها الرحمن قبل الرحيم. - خبير بصير : اقترنا في فواصل الآيات (10) مرات ، في جميعها الخبير قبل البصير . - الغني الحميد : اقترنا في فواصل الآيات (10) مرات ، في جميعها الغني قبل الحميد. - التواب الرحيم : اقترنا في فواصل الآيات (9) مرات ، في جميعها التواب قبل الرحيم . وبعضها لا
تلتزم ترتيبًا واحدًا بل تتناوب في التقديم والتأخير ، فمن ذلك: - الحكيم العليم : اقترنا في فواصل الآيات (36) مرة ، في جميعها العليم قبل الحكيم إلا (7) مواضع. - الغفور الرحيم : اقترنا في فواصل الآيات (72) مرة ، في جميعها الغفور قبل الرحيم إلا في موضع واحد. - غفور حليم: اقترنا في فواصل الآيات (6) مرات ، في جميعها الغفور قبل الحليم إلا في موضعين. فما الحكمة من هذا الترتيب وما هو السر البلاغي ؟ - ومن ناحية رابعة فإن المتأمل في نظم الأسماء الحسنى المقترنة في خواتيم الآيات يجده نظمًا متنوعًا تنوعًا عجيبًا. - فهو متنوع من الناحية الصرفية: كتنوع الصيغ الاشتقاقية لأسماء الله الحسنى ما بين اسم فاعل وصيغة مبالغة، وصفة مشبهة ، مثل: "غافر"، "غفور"، "غفار" قال تعالى:" غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ "غافر:3، وقال تعالى: "فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "المائدة:39، وقال تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً "نوح:10. ونحو: "قادر"، "قدير"، و"مقتدر" قال تعالى: "إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ "الطارق:8، وقال تعالى: "لِّلَّـهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "البقرة:284، وقال تعالى: "فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ "القمر:55. فما هو الفارق المعنوي بين اسم الفاعل والصفة المشبهة وصيغ المبالغة؟ ولماذا يأتي الاسم الكريم في آية على صيغة اسم الفاعل، وأحيانا من الفعل المجرد نحو "قادر"، وأحيانًا من الفعل المزيد "مقتدر"؟ ولماذا يأتي الاسم الكريم في آية على صيغة الصفة المشبهة "عزيز"، "حكيم"، ويأتي في آية على صيغة المبالغة؟ وما الفارق بين أوزان صيغ المبالغة المتنوعة نحو "غفور"، و"غفار"؟ وما وجه المناسبة بين كل صيغة وبين السياق الذي وردت فيه؟ - وهو متنوع من الناحية النحوية: ـ فأحيانا تجد تذييل الآية على هيئة جملة اسمية خالية عن مزيد من
التأكيد مفتتحة بالواو الاستئنافية كقوله تعالى: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "البقرة:240. وأحيانا معطوفة بالواو العاطفة كقوله تعالى: "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"الأنعام:101. وأحيانًا مصدرة بالواو الحالية كقوله تعالى: "إِنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" العنكبوت:42. - وهو متنوع من الناحية البلاغية : ـ فأحيانًا تؤكد جملة الأسماء الحسنى التذييلية بإن التوكيدية كقوله تعالى: "وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "الأنفال:10. ـ وأحيانا
يزاد "كان" ؛ كقوله تعالى: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً "الفتح:7، وقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً "النساء:56. ـ وأحيانًا يُزاد ضمير الفصل لمزيد من التأكيد كقوله تعالى:" إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "آل عمران:62. ـ وأحيانا يكون الاسم دون "أل" كقوله تعالى: "نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ "فصلت:32.