يقول تعالى: «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» يس: 38 - 40.
فالكون كلُّه يسير بنظام وإتقان؛ الشمس والقمر، والليل والنهار، والكواكب والنجوم، والسماء والأرض؛ قال ربنا: «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ» النمل: 88
النظام في القرآن الكريم:
إن القرآنَ الكريم يدعونا صراحة إلى النظام؛ فقد بيَّن ربنا أن الملائكة لديها نظام؛ قال تعالى: «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا» الصافات: 1، وأنها ستأتي يوم القيامة وهي منظَّمة ومصطفَّة: «وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» الفجر: 22، بل إن البشَر عندما يأتون للعَرْض على الله يوم القيامة يُعرَضون وهم منظَّمون: «وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا» الكهف: 48، ويُغْني عن كل هذا أن في القرآنِ الكريم سورة كاملة اسمها سورة (الصف)، وفيها قوله: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ» الصف: 4
فإذا كان النظام هو سمةَ الكون، ومظهَرَ العبادات، ومنهج القرآن، فأين المسلِمون الآن مِن قيمة النظام؟ ولماذا يرضى البعضُ أن يعيش بالارتجال ولا يقبَل إلا بالعشوائية؟!
النظام في السنة النبوية:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم بالنظام في حياته، سلمًا وحربًا، فجاء النظام في تسوية الصحابة للصلاة؛ جاء عن أبي مسعودٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: «استووا، ولا تختلفوا؛ فتختلفَ قلوبكم، لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إنما جُعِل الإمام ليؤتم به؛ فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع، فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لِمَن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد، فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا، فصلُّوا جلوسًا أجمعون، وأقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصف مِن حُسْن الصلاة».
هاتان الروايتانِ توضِّحان معالم النظام في الاصطفاف للصلاة، وهذه صور سِلميَّة، واهتم كذلك بالنظام في الاصطفاف للحروب؛ ففي السيرة النبوية: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدرٍ، وفي يده قدحٌ يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية، حليف بني عدي بن النجار - قال ابن هشامٍ: يقال: سوَّادٌ مثقلة، وسوادٌ في الأنصار غير هذا، مخففٌ - وهو مستنتلٌ من الصف - قال ابن هشامٍ: ويقال: مستنصلٌ من الصف - فطعن في بطنه بالقدح، وقال: استوِ يا سواد، فقال: يا رسول الله، أوجعتَني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال: فأقِدْني،فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: ((استقِدْ))، قال: فاعتنقه فقبَّل بطنه، فقال: ((ما حملك على هذا يا سواد؟))، قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جِلدي جِلدَك،فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.
يتبع