أستاذ فلسفة يشرح لتلاميذ البكالوريا مقاربة الجسد في فلسفة «سبينوزا»، هكذا كان مشهد البداية في فيلم «ليليا، بنت تونسيه» والذي ستدور في فلكه كافة أحداث الفيلم إلى النهاية. و»ليليا، بنت تونسيه» شريط روائي طويل للمخرج محمد الزرن وسيناريو الراحل حمادي الزمرلي ومحمد الزرن ومن بطولة سمر الماطوسي وعبد القادر بن سعيد بمشاركة مجموعة من الفنانين على غرار وليد المويهبي وألفة عياد ورافعة عيادي وصبري الجندوبي ولطفي التركي ومعز بعتور وملكة التواتي...
ضريبة الحريّة باهضة الثمن !
في عالم غير مقيّد بالإشارات الزمانية وغير مرتهن إلى دلالات مكانية، أطلق المخرج محمد الزرن فيلمه الجديد في محيط صاخب ومتمرد وثائر بعد أن زرع «جينات» الثورة ووّزع «شرارة» النزوع نحو الحريّة في جسد جلّ شخصياته الرئيسية وحتى الثانوية ... وكأنّ به يروم الحديث عن تجربة الإنسان الآن وهنا وهناك، عن الإنسان في المطلق.
وفي فيلم «ليليا، بنت تونسيه»’ الذي أعاد محمد الزرن إلى المشهد السينمائي من بابه الواسع بعد الحصول للمرة الأولى من نوعها على جائزة أفضل ممثل في «المهرجان الدولي للمخرجين السينمائيين بلندن»، رافق المنطلق الفلسفي أو بالأحرى مقاربة الجسد في الفلسفة المعاصرة المسار السينمائي للفيلم. فلم يعد الجسد العاري مجالا للمحاكمات «الأخلاقوية» والاتهامات الدونية بل أصبح تعبيرا وسلوكا احتجاجيا ....
وبين واقع مكبّل وحلم في التحرر، تخوض «ليليا» بطلة الفيلم صراعا مع الذات والآخر، وانقساما بين «الأنا» و»الهو» في رحلة البحث عن الحرية المنشودة والسعادة المفقودة. وأمام ثقة مفرطة في النفس ونرجسية مغالية في الاعتداد بجمالها، تتقاذف أمواج المد والجزر الشابة ليليا وتفقدها في أحيان كثيرة السيطرة على الأهواء والرغبات والشهوات ...فيضيع منها مفتاح التوازن وتحاصرها الكوابيس والأوهام وتلاحقها عذابات الضمير لكنها بالرغم مما حصل وممّا كان، فإنها ترفض الانصياع والامتثال وتواصل في التمرد والعصيان لكل النواميس والأعراف مطلقة العنان للجسد ليكون هو الدليل والعنوان.
جرعة مضاعفة من العنف... والجريمة
على امتداد ساعة ونصف من الزمن تقودك كاميرا المخرج محمد الزرن إلى تفاصيل قصة فتاة تنشد الحرية، وحكاية شخصيات تنازع من أجل التحرّر... لكن هذه المقاربة السينمائية لفلسفة الجسد رافقها شيء من النسق البوليسي على مستوى الأحداث وتطور الشخصيات . فلم يخلُ فيلم «ليليا، بنت تونسيه» من مشاهد مكثفة ومتضمنة لجرعة زائدة من العنف والجريمة تغمر المشاهد ببحر من الانفعالات والمشاعر إلى حدّ الإحساس بقشعريرة تسري في الجسد أو الهروب بالبصر بعيدا عن ذاك المشهد «المرعب» أو» المؤذي» ... وهنا تحسب للمخرج مهارة الاشتغال على نحو دقيق ورائع على المزيج المتجانس من اللقطات التي تتراوح ما بين التصوير الحقيقي و المعالجة التقنية بواسطة الكمبيوتر.
وقد يكون تداخل الروائي بالدرامي بالبوليسي انعكاسا لثورة أرادها مخرج العمل منذ البداية ، فكما اختار محمد الزرن الثورة لشخصياته فإنه لم يبخل على نفسه بثورة من نوع آخر، ثورة في أسلوب الكتابة وطريقة الإخراج. أليس هو القائل :» بتحرر المجتمع تتحرر معه
طريقة حياكة القصة وعلاقات الأبطال وتصبح كل تقنيات كتابة الدراما وبنيتها الداخلية في ثورة دائمة. لم يعد عرض الواقع كما هو أو الاقتراب منه كثيرا بعد 14 جانفي2011 دليلا على مقدرة فذة في عالم السينما. أصبحت مثل هذه المقاربات في متناول الجميع وخاصة من حاملي الهواتف الذكية ورواد شبكات التواصل الاجتماعي».
وإن كان كل عمل فني لا يخلو من هنّات أو ثغرات أوبعض السقطات باعتبار أن الفن في كل وجوهه هو مسار منهك نحو بلوغ الكمال، فإن ما يحسب لـ «ليليا، بنت تونسيه» هو أنه فيلم تعطّر بنفحات الثورة واستنشق أنفاس الحرية دون السقوط في النمطية والقوالب الجاهزة وجاء بدوره حرّا في أسلوبه ومتحررا في طرحه من ربقة الزمان والمكان ، فكان لسان الإنسان.
ملخص «ليليا، بنت تونسيه»
تعيش ليليا فتاة الثمانية عشر ربيعا وتلميذة الباكالوريا مع أمها فاطمة الطبيبة الأرملة.. مأساة ليليا تكمن في ثقتها المفرطة بنفسها، مستغلة جمالها الأخاذ... تلتقي ليليا أحمد الذي أوقد فيها جذوة الحب...ولكنها تتقاسم اسرارها مع «ميلود».
تستعد ليليا إلى الرحيل لإكمال دراستها في فرنسا في كلية الفنون... لم يكن زوج أمها غير ذلك الرجل الوسيم الذي أحبته عن بعد.
عادت ليليا من الدراسة في فرنسا، لتتزوج من رجل ثري...وهي المتمردة على كل الأعراف...في ورشة للنحت تقضى كل أوقاتها. عادت ليليا لمعاشرة نفس الشلة من الهامشيين... ميلود ومحسن أستاذها الذي درسها مادة الفلسفة في الباكالوريا...لم يقبل نجيب زوج ليليا هذا النمط من العيش... فتتعكر العلاقة.
في الدار رجل أبكم أصم يسهر على الحديقة اسمه «علي» يعيش على وقع تفاصيل حياة ليليا فأين المفر؟