فكان على الخشبة صراع الملاك والشيطان في هذا الإنسان في كل زمان ومكان.
أضواء قاتمة، أجساد منهكة، صرخات تائهة... اجتمعت على خشبة ركح «الخوف»، فأخذت بالمتفرج عنوة عنه ورمت به في قلب الحدث... المسرحية. فعايش ضيوف «الفرجة» شخصيات المسرحية في حلّهم وترحالهم، وعاشوا معهم الخيبة والانكسار والضياع، وصارعوا معهم العاصفة الهوجاء والرمال المتناثرة حدّ السعال والاختناق...
الإنسان في وجه «العاصفة»
على ركح مسرحية «الخوف» لم تهدأ أبدا العاصفة الهوجاء التي استعصى التكهّن بمسارها أمام تتالي الخيبات والنكبات وتضخم حجم المصيبة...الكارثة. وشيئا فشيئا يقترب العدم أكثر ويتربص الموت بالكل ويهدد الفناء البشرية جمعاء ! إنها الإنسانية في أحد وجوهها وقد أصابها الذّهول والارتباك، وعبث بها الفشل والإخفاق ، ولفّها اليأس والقنوط...
لم يكن هبوب هذه الريح الصرصر، العاتية... مجرد عاصفة عابرة بل كانت بمثابة «الزلزال» المدمر للسلام والطمأنينة و»البركان» النافث لحمم الخطر والموت ... فلم يكن أمام شخصيات المسرحية دون استثناء أمام هول الفاجعة سوى «الخوف».
على خشبة «الخوف» تتقاذف العاصفة الرملية العنيفة حد الموت أفراد مخيّم «كشّافة»،فأضاعت منهم من أضاعت واحتمى البقية بأطلال مستشفى مهجور تفوح منه رائحة الموت وتكسوه جماجم الموتى... لتبدأ رحلة الشقاء والعذاب في محاولة للخروج من هذا المكان الميّت،المميت إلى عالم الأحياء والحياة.ومن هنا تسير أحداث المسرحية نحو الذروة أمام ملحمة الإنسان في صراع العاصفة والتشبث بغريزة البقاء أمام خطر الفناء.
صراخ ... صراع ...ضياع
في عوالم قاتمة، موغلة في الوجع، مغرقة في الألم... تتوه شخصيات المسرحية وتضطرب خطاها وتتشتت أفكارها بحثا عن الأمل ومنفذ للخلاص. لكن الموسيقى المخيفة والإضاءة المظلمة والسينوغرافيا التي تدور في حلقة مفرغة كلها تشي بأن صيحات الفزع ونداءات الاستغاثة وصراخ الغضب مصيرها جميعا التلاشي أمام حتمية: لا من مجيب !
أمام تعمق الأزمة أكثر فأكثر وأفول شعاع الأمل مع كل يوم جديد... يموت الإنسان بدوره شيئا فشيئا في عقل وقلب أفراد المجموعة فتستيقظ فيهم شياطينهم الدفينة ويستفيق الوحش الكامن فيهم.. فيكون الصراع المر والمرير من أجل جرعة الماء وقطعة الخبز وقد نفدت المؤونة وعربد الجوع والعطش. وبعد أن كانت «منظمة الكشافة» مدرسة لقيم المواطنة والانتماء والتضحية والإيثار .. تحوّل أعضائها وقادتها بسبب العاصفة إلى «وحوش» تتصارع وفقا لقانون الغاب ومنطق البقاء للأقوى ...فانهارت القيم وتلاشت كل المبادئ... وماتت الإنسانية.
بأي حقّ تُحرم المرأة من القيادة؟!
كثبان الرمال القاتلة وتراب العاصفة الهوجاء الذي حجب الأفق لم يمنع مسرحية «الخوف» من تحية المرأة على طريقتها الخاصة. فعلى الركح محاكمة للأحكام الظالمة التي تحرم «القائدة شهبة» من قيادة فريق الكشافة رغم أنها الأقدم في المنظمة والأكبر سنّا بدعوى أنها» امرأة لا تصلح للقيادة». وما بين الموج المتلاطم الذي يعصف بحياة شخصيات المسرحية يلوح قارب النجاة بقيادة نساء الكشافة لا رجالها، فهن القلقات بشأن مصير الرفاق الذين ابتلعتهم الرمال وهن الباحثات عن منفذ للخلاص والنجاة وهن الشجاعات في اقتحام الخراب والظلام من أجل العثور على فوهة نور تعيد الكل إلى الحياة.
وبالرغم من السماء الحالكة والعالم القاتم والمصيـــر الأسـود للشخصيـات، فــإن «الخوف» لم يقتل الوطن في النفوس التي هي على حافة الهلاك فكان التصبر والعزاء بأشعار الشابي في أغاني الحياة...كما لم يمت في مسرحية «الخوف» صوت الأمل المنبعث من بعيد في دعوة للتفاؤل والاعتذار عن الخطايا والجرائم التي اقترفها الإنسان في حق الطبيعة والإنسانية والحياة.
الجذاذة الفنية لمسرحية «الخوف»
• سيناريو: جليلة بكّار والفاضل الجعايبي
• نص: جليلة بكّار
• إخراج وإنارة وسينوغرافيا: الفاضل الجعايبي
• موسيقى: قيس رستم
• أداء: فاطمة بن سعيدان، رمزي عزيّز، نعمان حمدة، لبنى مليكة، أيمن الماجري، نسرين المولهي، أحمد طه حمروني، معين مومني، مروى المنّاعي
مساعدة الإخراج : نرجس بن عمّار