ضمن مسارات الإقتصاد البديل، والمنوال التنموي المنشود المختلف عن النمط السائد الذي أثبت تدميره للمنظومات البيئية وارتفاع كلفة التدهور البيئي التي يخلفها.
وشكل مشروع «ريحة البلاد» على سبيل المثال، الفضاء الثقافي والبيئي المنجز بمنطقة مونفلوري على أنقاض بؤرة تلوث، بادرة نموذجية لمستثمر تونسي عاد من المهجر للاستثمار في معالجة التلوث واقتراح حلول وبدائل للمشاكل والعادات المعتمدة في معالجته وخاصة منها ما يتعلق بمعالجة النفايات.
ومن ميزات المشروع، اعتماد مهارات وقدرات تونسية ومحلية في صنع تقنيات وحاويات وأشكال للجمع والفرز والاستسماد، مرتبطة بشكل وثيق بالواقع المحلي ومن شأنها الإجابة عن مشاكل يومية تواجهها فرق النظافة البلدية وحتى السكان في الأحياء والتجمعات الحضرية والمجمعات العقارية والعمارات.
ورغم أن الزائر للفضاء القائم خلف مقر وكالة التبغ والوقيد، يشعر بأن المشروع جاهز للتنفيذ، وأن حلقة مفقودة ما تكفي ليعمم حلم الاسعد الزواري ويبث ثمر مسيرته وابتكاراته ليستفيد منها الناس.
وليس هذا الباعث والمبتكر والناشط البيئي إلا واحدا من مئات المبادرين المجتهدين في سبيل إنشاء قاعدة صلبة متينة من الأفكار والحلول العملية والمسالك الموصلة إلى تجاوز الإخلالات وترجمة حل الانتقال البيئي والتنموي بعقول وأياد تونسية.
وتتميز تجارب عديد الدول الملتزمة بصورة جدية باعتماد سياسات بيئية ومناخية، بدعم المبادرات الاستثمارية والمقاولات الخضراء، ومن بينها المغرب، التي تعمل فيها الدولة على احتضان وتشجيع المشاريع الشابة في هذا المجال.
فالدولة مطلوبة لتعزيز انطلاق مثل هذه البرامج، وتقوم الوزارة المغربية المنتدبة المكلفة بالبيئة في إطار أنشطتها المتعلقة بتشجيع الاقتصاد الأخضر، بإنجاز برنامج يتعلق بدعم الابتكار في مجال التكنولوجيات النظيفة والمهن الخضراء (Cleantech Maroc)، بشراكة مع الصندوق العالمي للبيئة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.
ويندرج هذا البرنامج الموجه للمقاولين الشباب، والمقاولات المبتدئة والصغيرة والمتوسطة، في إطار المبادرة العالمية لتعزيز الابتكار التي تستفيد منها 8 دول عبر العالم.
ويهدف هذا البرنامج الى تشجيع المهن الخضراء عبر دعم المقاولين الشباب للابتكارفي مجال التكنولوجيات النظيفة ، وذلك في اطار مباريات سنوية لاختيار المشاريع الأكثر ابتكارا وإبداعا في المجالات ذات الصلة بتثمين النفايات، والاستعمال الرشيد للموارد المائية، والنجاعة الطاقية والطاقات المتجددة، والبنايات الخضراء.
وقد استشهدنا بمثال من المغرب لتشابه ظروف البلدين وتقارب إمكاناتهما والتحديات التي تواجههما.
إن منظمة الأعراف والجامعة بالتعاون مع المجتمع المدني والهياكل الحكومية للدولة مطالبة باتخاذ خطوات جريئة محفزة للمبادرات الشابة والمقاولات التونسية التي تندرج في إطار الاستدامة والاقتصاد الأخضر ومعالجة المشكلات البيئية بعيدا عن النظم والطرق المستنزفة للموارد والمدمرة للأنظمة الإيكولوجية الهشة.
ولا بد للبنوك من الاندماج ضمن هذه المبادرة الوطنية بالتحفيز على الاستثمار الأخضر عبر آليات وإجراءات وحوافز ملائمة تعزيزا للصيرفة الخضراء.
كما ينبغي أن ينسجم تعاطي الديوانة مع هذا الرهان البيئي بإقرار تدابير مناسبة للنشاط الاستثماري وتركيز المشاريع الصديقة للبيئة.
إن العمل في اتجاه بناء نموذج وطني للمقاولات والاستثمار الأخضر، يتطلب إجراءات تحفيزية شاملة تجمع بين الدراسات والتشخيص، والبحث والتدريب والتكوين، والحوافز البنكية والجبائية، واحتضان المشاريع والمبادرات وتأطيرها ودعمها والسعي إلى ترويجها قصد التعميم.
وما من شك أن في مبادرة مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة قبل أسبوع بتخصيص مقهى حواري لمسألة الاستثمار المسؤول دلالة عن وعي هذه المؤسسة البيئة بأهمية طرح السؤال، وإلقاء ما ينبغي من اضواء على مختلف جوانب التحدي بشتى أوجهه وأبعاده وتلمس إمكانات التطوير والنهوض بمساهمة كافة الهياكل والفاعلين.
كما أثبتت معطيات الواقع أنه لا يمكن معالجة المشاكل البيئية بالوعظ والتعليمات والأوامر والتشريعات فقط،
بل لابد من أداة فعالة في إطار السياسة البيئية، وتتجسد هذه الأداة في الاستثمارات البيئية، التي تترتب عليها جملة من الآثار والانعكاساتها الاقتصادية..
إن مشروعات الاستثمار البيئي ليست مشروعات ذات بعد بيئي فقط، بل مشروعات تنموية لها منعكساتها الاقتصادية في حل مشاكل البطالة والفقر، إضافة إلى حل المشاكل البيئية.
وفي ظل ارتفاع أسعار مصادر الطاقة غير المتجددة يصبح الاستثمار في مجال الطاقة البديلة(كاستثمار بيئي) أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية إلى جانب جدواها البيئية، وقد تحد الاستثمارات البيئية من النمو في الأمد القصير، إلا أنها تحفز النمو في الأمد الطويل.