في المشروع البيئي العربي، إخلالات تشكل واحدة من نقطتي التقاء وحيدتين وقاسما مشتركا نادرا بين العرب (مع الفرص والإمكانات البيئية والطبيعية)
السياسة البيئية لا تمثل البيئة فيها خطة دولة، ومقاربة مصير وحياة، فهذا المجال الأفقي (وليس القطاع كما يشاع) لم يتحول بعد إلى قناعة مبدئية راسخة تحول جهاز البيئة إلى حقيبة سيادية، ولذلك هي لا تبارح موقع المؤسسة الثانوية الملحقة والتابعة لإدارات أخرى، بعيدا عن اعتبار السياسة تلوثا، والحكم المطلق باعتبار العرب مسيسين أكثر من اللزوم، أي يتجهون مركزيا لخدمة هوى فرداني في أعلى الهرم، لم يرسم العرب بعد رؤية سياسية وسياسة متناسقة ذات منطلقات ومتجهات وأدوات وخطط تنفيذ مرحلية واضحة، رغم وجود عدد من وزارات البيئة ومجلس لوزراء البيئة وعدد من الخطط والمؤسسات بجامعة الدول العربية.
المظهرية الشعاراتية فالعرب يتعاملون مع البيئة في الغالب في إطار رد الفعل والاتباع ومحاولة تنفيذ إجراءات عاجلة لإبراز حالة الحضور ومضاهاة ما يجري في الدول المتقدمة، بعيدا عن العمق والبناء المؤسساتي القائم على منهجية منطقية تراعي سياق البلاد وحاجيات البلدان بعيدا عن الإسقاط والشكلانية.
الآنية العابرة أو ما يقوم على الحالات العرضية والتدخلات العلاجية التي لا تتجاوز محو بعض المظاهر الشكلية والسطحية للتلوث بعيدا عن إدراك عمق المشاكل وجذورها الحقيقية
ومما يؤكد هذه الحقيقة المرة تصريح أحدهم بإحدى دول الربيع العربي قبل أربع سنوات، أنه سعيد جدا ومكتف تماما بحضور رئيس حكومته وإشرافه على تظاهرة احتفالية تكلفت مئات الملايين بصرف النظر عن جديتها وأثرها في معيش الناس وواقع البيئة في المجتمع.
حال قادة البيئة الرسميين وسلوكهم، وهم أساسا الوزراء وسلوكهم غير المنتظم بحكم عدم الاستقرار الحكومي وغياب الرؤية التي تترجم الالتزام ومنجز واضح يعكس مشروعا يحمله الوزير ومعه الحكومة، وقد أبان وزراء البيئة في حالات كثيرة عن ارتهان لنسق الوضع السياسي للأنظمة من حيث الحاجة إلى تلميع الصورة وإضافة اللمسة البيئية الشكلية حرصا على إمتاع عيون الحاكم وإرضاء الزوار الكبار بعيدا عن الاتجاه لضمان حقوق الشعوب والأجيال في الأمن البيئي.
ومن عيوب جل هؤلاء الساسة العابرين، عدم حرصهم على المراكمة، وسعي كل منهم إلى خدمة صورته ونموذجه ومن ثم تجاهل إضافة سلفه وفريقه الفني، وإن كان محدودا، وهو ما ينطبق مثلا على مآل منجز هام تحقق بملتقيات التنمية المستدامة سنة 2014 التي شارك فيها مئات الخبراء والإطارات والناشطين، وافرزت وثيقة لم يتم تفعيلها.
عقلية النظافة
لم تفلح السياسات البيئية العربية في عديد الحالات حتى في أضعف الإيمان والمستوى الأدنى من إماطة الأذى وتجاوز إشكال التلوث وتوفير قدر من النظافة.
وفي انتظار حلول عهد المسؤول الشفاف والنزيف حقا، يبدو من العسير مبارحة المربع الكئيب، في ظل استمرار تحقير عملة النظافة وتهميشهم، مع تواصل عامل الفساد ، الذي يفرض منطقا ومفارقة غريبة لتلوث ناجم عن غياب ضمائر بيئية في بعض دوائر القرار السياسي، بحيث تعشش قمامة الفساد السياسي في عقر دار النظافة والمحيط.
دسترة البيئة ركن اساسي لحياة الشعوب العربية ومستقبلها وهي جديرة بمنزلة هامة في النص التشريعي الأول، ولإن عرفت تونس مثلا تخطي هذه العقبة، غير أن تحويل النص إلى واقع يشكل عقبة كأداء، وإشكالا حقيقيا مرده تقيدات وذهنيات وبساطة تمثل النخب لجوهر البيئة ناهيك عن العامة.
تنزيل النصوص ما يزال الطريق لتفعيل النصوص البيئية في الواقع المعيش طويلا جدا، فكثيرا ما تتوفر النصوص الترتيبية الهامة والحازمة، غير أن غياب الوازع مع الرقيب، يجعل من المتعذر ردع كل المخالفين و منع حدوث الإخلالات قبل وقوعها..
التنشئة والاتصال
وهما الغائب الكبير فالعمل الاستراتيجي الكبير المطلوب في المرحلة القادمة لافتتاح مرحلة تجاوز مشاكل الأمس ومآسي الراهن وجذور الكوارث في عالمنا العربي تنشئة على المواطنة وعمل اتصالي شامل يرمي لبناء ثقافة مواطنة واحترام للقيم وتبني لمشروع جامع ينخرط فيه الجميع ويحمله الصغار والكبار من المهد.
التناقض والتضاد الأبدي في التموقع والمقاربة، فداخل المؤسسات الوطنية، تناسخ وتعارض وتناقض، يفوت فرص التنسيق والتناغم في بناء المقاربات والسياسات البيئية والطاقية والمناخية، ويشتت جهود الكفاءات والطاقات العالية المؤهلة في حال إحكام توظيفها لرسم خطط رقي ونهوض بيئي وطاقي يحقق النقلة المأمولة للمجتمعات العربية.
التشتت واتفاق على الاختلاف ، فالعرب يذهبون للمؤتمرات الدولية دونما رؤية موحدة وقوة جماعية في الموقف ، وهو ما يفوت عليهم فرص فرض المصلحة وإقناع بقية التكتلات والقوى بضرورة الإنصات للفريق العربي في القمم البيئية والمناخية الهامة التي تؤدي غالبا لحصد الدعم والمساعدة والمنح المالية من المنظمات والأجهزة الأممية والمؤسسات الدولية المانحة.