توصلت دراسة لصندوق النقد العربي أصدرها مؤخرا بعنوان «الأمن الغذائي العربي: التداعيات الاقتصادية ودور السياسات الكلية» إلى أن الزيادة في قيمة الدعم قد تتسبب في تراجع الإنتاج وهو مايستدعي مراجعة سياسات الدعم بإعتماد حقيقة الأسعار وتوجيه الدعم إلى مستحقيه.
وقال صندوق النقد العربي انه على الرغم من توفر الوطن العربي على الموارد الطبيعية والبشرية، إلا أن القطاع الفلاحي لم يحقق الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذية، ما ساهم في اتساع الفجوة الغذائية. ومع تواتر الأزمات الغذائية العالمية، والتطورات العالمية الراهنة وتقلبات سلاسل التوريد الغذائي، ازداد اهتمام الدول العربية بتوفير احتياجاتها من الغذاء، بهدف الحد من تأثرها بتلك التغيرات ولتقليص اعتمادها على الواردات الغذائية.
ويرتكز مفهوم الأمن الغذائي على أربع ركائز هي الوفرة، والاستقرار، وإمكانية النفاذ، وكيفية الاستخدام، ويتطلب تحقيق كل ركيزة تبني سياسات محددة وقد إتسعت الفجوة الغذائية بالوطن العربي، وأصبحت الدول العربية تستورد نسباً معتبرة من احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسة ،كما شهد نصيب الفرد من الناتج الزراعي في الدول العربية انخفاضاً بنسبة 29 % خلال العقد المنتهي في عام 2020 ليصل إلى حوالي 329 دولاراً في عام 2020 مقابل 465 دولار في عام 2010.
وقد تمحورت الدراسة حول موضوع الأمن الغذائي في الدول العربیة والسیاسات الاقتصادیة اللازمة من خلال نموذج لقیاس أثر بعض المتغیرات الاقتصادیة على الأمن الغذائي ، بهدف التعرف على تأثیر مجموعة من المتغیرات الاقتصادیة الكلیة على مؤشر إنتاج الغذاء. وقد شملت الدراسة عشر دول عربیة هي الأردن، الإمارات، تونس، الجزائر، السعودیة، السودان، العراق، لبنان، مصر، والمغرب وقد أظهرت النتائج أن كل من سعر الفائدة الحقیقي ودعم السلع الغذائیة، ومؤشر أسعار الغذاء يؤثرون على مؤشر الإنتاج الغذائي وبالتالي تساهم في تحقیق الأمن الغذائي، أخذا بالاعتبار العوامل الاقتصادیة والهيكلية للدولة.
فقد أظهرت النتائج وجود علاقةً عكسية بين دعم الغذاء ومؤشر الإنتاج الغذائي، فكلما زاد حجم الدعم السلعي بنقطة مئویة واحدة، تراجع مؤشر الإنتاج الغذائي بحوالي 0.21 نقطة مئویة، الأمر الذي قد یفسر بأن الزیادة في الدعم قد تتسبب في تراجع الإنتاج ما یتطلب مراجعة سیاسات الدعم باعتماد حقیقة الأسعار وتوجیه الدعم إلى مستحقیه. ويؤكد صندوق النقد العربي على ان فعالیة رفع الدعم السلعي ترتبط بمدى فاعلیة شبكات الأمان الاجتماعي في الدولة، وقدرة الدولة على تحدید الفئات المستهدفة والمستحقة للدعم لتجنب أي مخاطر ناتجة عن رفع الدعم السلعي.
وقد أوصى الصندوق بمراجعة السياسات التي تتبعها الدولة في دعم السلع الغذائية، وتبنى إجراءات وأدوات من شأنها تسهيل الوصول الى من يستحقون الدعم النقدي المباشر، وتبني سياسات من شأنها تعزيز كفاءة الائتمان الممنوح للقطاع الزراعي.
كما إنتهت الدراسة إلى وجود علاقة عكسیة ذات معنویة إحصائیة بین تكلفة التمویل ومؤشر إنتاج الغذاء، وبحسب نتائج النموذج، بافتراض ثبات العوامل الأخرى، فإن زیادة سعر الفائدة الحقیقي بنقطة مئویة واحدة من شأنه تخفیض مؤشر الإنتاج الغذائي بنحو 0.31 نقطة مئویة، ما یتطلب الحرص على تحقیق الاستقرار السعري الذي يعتبر في حد ذاته أحد الأركان الرئيسية لتعزيز الأمن الغذائي.
و في ما يتعلق بمسألة التضخم ،فقد أظهرت النتائج علاقة عكسیة ذات دلالة إحصائیة بین أسعار الغذاء ومؤشر إنتاج الغذاء، حیث إن ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء بنقطة مئویة واحدة یؤدي إلى انخفاض مؤشر إنتاج الغذاء بحوالي 0.06 نقطة مئویة، وبالتالي تراجع مستوى الأمن الغذائي. وتنطبق هذه النتیجة بدرجة كبیرة على تلك الدول التي تعتمد على الأسواق الخارجیة في استیرادها للمواد الغذائیة والمحاصیل، أو تلك التي یمكن أن تتعرض لصدمات خارجیة ترفع من أسعار المحاصیل الزراعیة وبالتالي زیادة أسعار الغذاء. ويمكن أن تنطبق ايضا على تلك الدول المصدرة للسلع الغذائیة لكنها تعتمد على الشركاء التجاریین في توفیر مدخلات الإنتاج.
وقد أوصى الصندوق في هذا المجال بضرورة تبني سیاسات اقتصادیة من شأنها تخفیض أسعار السلع الضروریة وذلك من خلال تنمیة القطاع الزراعي وتشجیع الإنتاج المحلي، ومراقبتها أسعار السلع الضروریة، ومكافحة التهریب وإلا حتكار، وتعزیز دور شبكات الأمان الاجتماعي.