حيث يقدر المعهد الوطني للإحصاء مقتنيات التونسيين من الخبز في سائر شهور السنة بـ 6,7 مليون خبزة يوميا بصنفيه ويرتفع استهلاك الخبز في تونس بمعدل 135 % للخبز الصغير (باقات) ويتضاعف الانفاق بنسبة 52 % في رمضان ,وهوما يجعل التونسي في صدارة المراتب العالمية من حيث استهلاكه للحبوب ومشتقاته. فالإسراف والإتلاف أصبحا ركيزتي المناسبات على اختلافها ,بما ينتج عنه ضرر على الاقتصاد وعلى الأفراد.
«المغرب» حققت في ملف تبذير الخبز وطرحت جملة من الأسئلة حول التكلفة الحقيقية لخبزة التونسي ماهي الإشكاليات الحقيقية التي تطرح في هذا الشأن ؟ وفيم تتمثل العوامل الأكثر تهديدا للقطاع؟ وما هي الحلول والبدائل ؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا التبذير؟
النزعة إلى التبذير
يقدر متوسط الاستهلاك الفردي لمادة الخبز بـ 78 كلغ سنويا,لكن ما يستهلك فعليا من الخبز يبقى دون ما يتم اقتناؤه من هذه المادة،ويعزى الفارق إلى نزعة المستهلك إلى التبذير والإنفاق في ما يزيد عن الحاجة,ففي دراسة للمعهد الوطني للاستهلاك أعدها عن التبذير الغذائي بينت أن معدل التبذير الغذائي لكل أسرة تونسية يصل إلى 17 دينارا شهريا،أي ما يمثل 5 %من إجمالي النفقات الغذائية,بمعنى أن 5 % من المشتريات لدى التونسي تدخل في باب الإسراف, ويؤكد المصدر ذاته أن 11 % من الأسر التونسية تلقي 104 كلغ من الخبز سنويا .
قطاع الحبوب يساهم بـ 15 % في الناتج الوطني الخام الفلاحي
يكتسي قطاع الحبوب أهمية بالغة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ويعتبر من أهم القطاعات الإستراتيجية التي يرتكز عليها الأمن الغذائي للبلاد التونسية، وبحسب وزارة الفلاحة و الموارد المائية و الصيد البحري فإن أهمية هذا القطاع تأتي بناء على ما توفره الحبوب على مستوى التغذية ,حيث توفر للمواطن في الوجبة اليومية قرابة 50 % من حاجاته من الحريرات و58 % من البروتينات.كما يساهم قطاع الحبوب بنسبة 15 % من الناتج الوطني الخام الفلاحي الذي يساهم بدوره بنسبة تفوق 12 % من الناتج المحلي الخام .
هذه المكانة لا تخفي إشكالات تحيط به تنطلق مع صناعة البذور,حيث أكد المدير العام للمعهد الوطني للزراعات الكبرى أسامة الخريجي»للمغرب»أن قطاع البذور في تونس قطع شوطا مهما لكن مع ما تشهده الشركات التعاونية للبذور من ظروف صعبة منها المالي ومنها اللوجستي وفي حال لم يتم الحسم في ما يتعلق بالمديونية خاصة, فلن تكون منظومة الحبوب في مأمن في المستقبل. وعن البحث أضاف المصدر ذاته أن الإمكانيات المرصودة للبحث تعتبر قليلة حيث أن 90 % من ميزانية البحث تذهب إلى الأجور, زد إلى ذلك البحوث التي تقدم لا يروج لها بالشكل الكافي كما أن عدم الاستدامة في البحث لا تؤدي إلى مخرجات واضحة,وواصل الخريجي حديثه عن إرتفاع المساحات المرفوضة التي بلغت نسبة 20 %.
كما أفاد محمد علي بن رمضان كاهية مدير الحبوب بالإدارة العامة للإنتاج الفلاحي بوزارة الفلاحة لـ«المغرب» أن كميات البذور الممتازة التي تتمتع بجودة لا تتعدى 20 %.
من بين 1.2مليون هكتار,100 ألف هكتار للقمح اللين
وعن زراعة الحبوب، أكد محمد علي بن رمضان أنه تم زراعة 1.2 مليون هكتار لسنة 2017 بما يعادل 28 % من المساحة الجملية المخصصة للزراعة. وبالرغم من اتساع هذه المساحات نسبيا إلا أن نصيب القمح اللين من الأراضي مازال ضعيفا 100 ألف هك ,وكنتيجة لضيق المساحات فإن الإنتاج لا يغطي سوى 22 % من الحاجيات ولا يكفي سوى 3 أشهر و 4أشهرعلى أقصى تقدير.
ويساهم ديوان الأراضي الدولية الفلاحية مساهمة ضعيفة من خلال زراعة 37 ألف هكتار بـ2 % من الإنتاج الجملي حيث ساهم الديوان بتوفير 500 ألف قنطار فقط من القمح, وفقا لما صرح به رئيس الديوان بشير الكثيري لـ«المغرب».
العوامل الأكثر تهديدا للقطاع
ومن الإشكالات المرتبطة بالقمح اللين المادة الأساسية للخبز ,محدودية الموارد المائية في البلاد , لاسيما أمام غياب الوعي الجماعي بهذه الإشكاليات حيث أن الطلبات المتزايدة على مياه الري في القطاع الفلاحي تصل إلى %80, زد إلى ذلك خطر التغييرات المناخية وبالتحديد الانجراف المائي وهي ظاهرة معقدة يرى الخبراء أنها تنتشر في أراضي الزراعات الكبرى وتمثل تهديدا خطيرا على استدامة إنتاج مستويات الحبوب وتؤكد دراسة حديثة حول «الأمن الغذائي في تونس»، ينجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي،أن تونس انطلاقا من سنة 2030 ستواجه وبحدة مشكل ندرة المياه.
وأكد الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي في تصريح لـ«المغرب» موارد تونس المائية باتت شحيحة مشيرا إلى أن ارتفاع مستوى مياه البحر على المناطق الساحلية سيضر حوالي 50 % من المناطق السقوية على السواحل كما سيؤدي إلى اختلاط المياه الجوفية بالمياه المالحة مما يستدعي توفير أموال طائلة من أجل تحليه المياه. ويشير التقرير العالمي لمنظمة الأمم المتحدة لسنة 2015 أن الدول ذات المناخ المعتدل سينخفض إنتاجها للحبوب بنسبة 4 % في السنوات القادمة .
هلاك 43 ألف هكتار أراضي ذات صبغة فلاحية
وفي نفس السياق وفي دراسة قامت بها وزارة البيئة سنة 2012 تم فيها عرض مخاطر تغير المناخ والانعكاسات السلبية التي يمكن أن تنجم عن التغير المناخي.فإن كلفة الأضرار الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب التغيرات المناخية لرأس المال الإنتاجي يناهز 3.6 مليار دينار إلى غاية 2050 أي ما يعادل 10 % من الناتج المحلي الخام .كما يتوقع أن يرتفع منسوب البحر بمتر على السواحل الأمر الذي سيهلك حوالي 116 ألف هكتار منها 43 ألف هكتار أراضي ذات صبغة فلاحية .
الإنتاج المحلي من القمح اللين في تراجع
وبالنظر إلى ضعف المساحات وضعف مردودية البذور, فإن ذلك سيؤدي إلى ضعف الإنتاج حيث أكد مدير ديوان الحبوب توفيق السعيدي» لـ«المغرب» أن الكميات المجمعة لدى الديوان خلال سنة 2016 كانت 691 ألف طن,48 ألف طن فقط قمح اللين, حيث لم يتعد إنتاج القمح اللين 57 ألف طن سنة 2016 وأضاف السعيدي أن نسبة حبوب القمح اللين المحلي في 2016 لا يتجاوز 4 % من المجموع العام حيث يتم تغطية النقص باللجوء إلى عملية التوريد .
لقد بات التوريد مكلفا أمام ما تشهده قيمة الدينار من تراجع أمام العملات الأجنبية، حيث تؤكد معطيات رسمية فقدان الدينار ل 49.9 بالمائة من قيمته أمام الدولار في السنوات الست الأخيرة، وبحكم أن التوريد يتم عبرالدولارفإن تطور شراءات القمح اللين يعد استنزافا للعملة الصعبة.
التوريد استنزاف للعملة الصعبة
أكد السعيدي أنه تم توريد 1063 طن من القمح اللين في 2016 بما قيمته 195.72 مليون دولار بما يعادل421.103 مليون دينار بمستوى صرف للدينار مقابل الدولارب2.12 ولقد استورد الديوان مطلع السنة الجارية بمستوى صرف 2.28 في الوقت الذي كان في سنة 2012 في حدود 1.534.
وبالنسبة إلى ما يتكبده ديوان الحبوب من مصاريف جراء تأمين حاجياتنا من القمح اللين (الخبز), فهو يتكفل بأسعارالشراء والمصاريف الديوانية ومصاريف التأمين والتفريغ لمختلف مسدي الخدمات بالموانئ التونسية إلى جانب مصاريف النقل والخزن. وتجدر الإشارة إلى أن الديوان يعاني من ضعف في طاقة التخزين التي لا تتجاوز 1.2 مليون طن بحسب المصدر ذاته.
طريق دون نهاية للدعم
إلى جانب تكاليف التوريد والزراعة وتشجيع الفلاحين فإن الدولة تتحمل أعباء ضخمة جراء سياسة الدعم وبالنسبة لقطاع الحبوب فإن الدولة تتحمل ثقلا كبيرا جراء دعمها لقطاع يرتبط بصفة مباشرة بالأمن الغذائي للمواطن. ويبدأ دعم الخبز من البذور إلى حد الخبز.
في ما يتعلق بدعم البذور, تصل نسبة دعم القنطار الواحد من البذور إلى25 % علما. كما تدعم الدولة قطاع الحبوب بتوفير منحة التسليم السريع أثناء موسم الحصاد ومنحة الخزن بصفة شهرية ومنحة للفلاح على كل قنطار بـ17 دينار.
وتتحمل الدولة تكاليف الدعم للمواد الأساسية من خلال الميزانية العامة للدولة ضمن ميزانية الوزارة المكلفة بالتجارة والحساب الخاص بالخزينة «الصندوق العام للتعويض» وفي تقرير تمهيدي لدراسة حول الصندوق العام للتعويض قدم مؤخرا خلال يوم دراسي برلماني حول إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية بينت أن ميزانية الصندوق العام للتعويض سجلت ما بين سنتي 2010 و2017 تطورا لتتحول من 730 مليون دينار إلى 1605 مليون دينار نظرا لوجود ضعف في التحكم في المصاريف. وتمثل حصة دعم فارينة الخبز من كلفة الدعم الجملي %21 حسب ما أفادت به وزارة التجارة لـ«المغرب» ويتم رصد 335 مليون دينار كدعم لمادة فارينة الخبز لسنة 2016 أي 4/1 نفقات دعم مواد الغذائية . زد إلى ذلك دعم الزيوت النباتية 184 مليون دينار.
التبذير لا يأتي فقط من الاستهلاك
لابد من الانتباه إلى أن التبذير على مستوى الخبز لا يتعلق فقط بالمستهلك النهائي لان الخبز هو في نهاية الأمر قمح لين يتعرض لعديد المراحل من الحصاد إلى التخزين ثم التحويل مما يجعله عرضة للتبذير, فبحسب دراسة المنظمة العربية حول «الحد من فقد وهدر الغذاء لتعزيز الأمن الغذائي العربي» سنة 2016 فإن معظم الهدر يحدث في مراحل مبكرة من السلسلة الغذائية، ويمكن أن يعزى إلى قيود مالية وإدارية وفنية في تقنيات الحصاد وفي التخزين ومرافق التبريد. وفي تونس 2 % من انتاج الحبوب يهدر أثناء الحصاد. كما يأتي التبذير أيضا من المطاعم الجامعية والنزل والمطاعم والمساحات التجارية.
في الوجه الآخر للتبذير
أما في ما يتعلق بجودة الخبز فيقول رئيس الغرفة النقابية لأصحاب المخابز محمد بوعنان لـ«المغرب» أن الخبز مادة سريعة التلف إذ يصبح يابسا بعد مضيّ نحو 5 ساعات وقدرالمتحدث كمّية الخبز «البايت» الذي تخسره مخابز البلاد يوميا بنحو 900 ألف خبزة.
وعن أسباب تزايد ظاهرة الإتلاف قال بوعنان أنّ انتشار المخابز العشوائية التي لا تلتزم بمعايير الإنتاج والتسويق.وغياب الرقابة الكافية ساهم في انتشار المخابز العشوائية والتي بلغت 1000 مخبزة في مقابل 3200 يملك أصحابها بطاقة مهنية قانونية, مشيرا إلى المخالفات التي ترتكبها المطاحن والتي تتمثل في التصرف في بيع مواد مدعمة دون وجه قانوني .
بالرغم من اعتبار البعض مسألة دعم المواد الأساسية أمرا لا مناص منه, إلا أن هناك اتجاها يؤكد أهمية مراجعة سياسة الدعم, لا سميا أن الفقراء الذين يمثلون %15.5 لا يتمتعون إلابـ 12.2 % من الدعم بحسب الدراسات, فقرارات الحكومة لدعم السلع والخدمات، دون شك، هي قرارات منبعها غايات وأهداف وطنية نبيلة، وتستهدف دعم الفقراء والتسهيل على الناس أمور حياتهم. غير أن هذه القرارات عادة ما تنحرف عن أهدافها وتحلق بعيدا عنها لأنها تصدر دون آليات تنفيذ تضمن تحقق الأهداف لتتجه إلى تنمية عادات استهلاكية سلبية بين الناس. ولذلك قد يكون تنامي ظاهرة الإسراف في مجتمعنا من مسبباتها الرئيسية السياسات الحكومية التي تبنت (مبدأ الدعم)، ولكن بطريقتها التقليدية، أي تقديم الدعم لميسور الحال والمحتاج.
فإذا تطلب هذا الواقع بدائل فلا بد من تحديد المسؤولية على من تقع ؟ البلاد التونسية تستورد 80 % من حاجياتها من الخبز بالعملة الصعبة في الوقت الذي يهوي الدينار إلى أدنى مستوياته وفي الآن ذاته نجد ملايين الهكتارات مهملة دون حرث أو زرع وما يزيد الطين بلة استهتار المواطن , فعلى أي مستقبل نحن مقبلون ؟
-أسامة الخريجي المدير العام للمعهد الوطني للزراعات الكبرى أكد أنه طالما «لم يحسم ملف مديونية الشركات التعاونية للبذور فإن مصير الحبوب يبقى غامضا»
-محمد علي بن رمضان كاهية مدير الحبوب بالإدارة العامة للإنتاج الفلاحي : إنتاج القمح اللين لا يكفي لـ 4 أشهر-
-مكلف بالإعلام لوزارة التجارة أكد في تصريح لـ «لمغرب» أن الوزارة تعد إستراتيجية جديدة تتعلق بمواد الدعم مبنية على التوجه نحو اعتماد المعرف الاجتماعي الوحيد بهدف استهداف الفئات المعوزة ومحدودة الدخل وتعويض دعم الأسعار بدعم المداخيل وتنويع لعرض والتشجيع على إنتاج مواد بديلة تروج بأسعارها الحقيقية والتحكم في الكميات المستهلكة وفقا للحاجيات الحقيقية للاستهلاك.
-محمد بوعنان :
رئيس الغرفة النقابية لأصحاب المخابز أكد أن من أسباب إتلاف الخبز المخابز العشوائية والبالغ عددها 1000