بعد 73 عاما عن السعي لـ " جعل الحروب في أوروبا مستحيلة" القارة العجوز تحتفل بيوم ''أوروبا'' على وقع مخاوف من توسّع الحرب الأوكرانية

تحتفل الدول الأوروبية يوم 9 ماي من كل عام بـ''يوم أوروبا'' وهو تقليد دأبت على تنظيمه القارة

العجوز منذ 73 عاما .ويأتي الإحتفال هذا العام بالتزامن مع حرب عنيفة بين روسيا وأوكرانيا يلعب فيها الغرب دورا كبيرا وسط مخاوف من توسّع رقعتها لتشمل القارة الأوروبية .وتحتفل مكاتب الإتحاد الأوروبي في أوروبا و وفود الإتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم بهذا اليوم. ويشمل الاحتفال العديد من النشاطات التي من ضمنها جولات إرشادية، ومناقشات و أحداث ثقافية وفنية احتفالا بهذا اليوم ونشر الوعي حول الإتحاد الأوروبي.

مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، تتجلى تدريجيا الانعكاسات التي ستحملها سياسيا واقتصاديا وعسكريا ومجتمعيا لا في روسيا وأوكرانيا فحسب بل كذلك في القارة الأوربية برمتها .وقد أطلق مسؤولون أوروبيون تحذيرات من حرب عالمية ثالثة و مخاوف من حصول انهيار اقتصادي حاد في أوروبا جراء تبعات الحرب وخاصة العقوبات الاقتصادية التي سلطت على موسكو والتي يعتبرها كثير من المراقبين سلاحا ذا حدين.
وقبل 73 عاما في الـ 9 من ماي 1950، قام وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان بإلقاء خطاب في باريس عرض فيه فكرته لشكل جديد من التعاون السياسي في أوروبا بما من شأنه جعل الحروب المستقبلية بين الدول الأوروبية مستحيلة.بعد مرور خمس سنوات على انتهاء الحرب العالمية الثانية، تجلت رؤيته في إنشاء مؤسسة أوروبية من شأنها إدارة إنتاج الفحم و الفولاذ بوصفهما أهم عنصرين للأسلحة في ذلك الوقت. وبعد مرور عام ، وقعت ست دول على إتفاقية إنشاء مثل هذه الهيئة- وحدة الإتحاد الأوروبي للفحم والفولاذ. واعتبر اقتراح روبرت شومان آنذاك بداية ما يسمى اليوم بالإتحاد الأوروبي.
وقد وصلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى كييف قادمة من بولونيا لإحياء "يوم أوروبا" بعد رحلة ليلية بواسطة القطار. والتقت مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومن المقرر أن تتابع مساعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب مصدر صحافي. وكان زيلينسكي قد أعلن عن تخلي بلاده عن تقليد سوفياتي روسي بالاحتفال بالفوز على ألمانيا النازية في التاسع من ماي ليتبع أوروبا التي تحتفل بهذه المناسبة في هذا اليوم بالذات. وصلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى كييف أمس الثلاثاء للمشاركة في إحياء "يوم أوروبا"، فيما قامت أوكرانيا بخطوة رمزية تخلّت فيها عن الاحتفال بذكرى الانتصار على ألمانيا النازية في التاسع من ماي وفقاً للتقاليد السوفيتية والروسية. وكان الرئيس الأوكراني زيلينسكي قد أصدر مرسوما ينصّ على الاحتفال بيوم أوروبا في التاسع من ماي، تماشيا مع بروكسل، بدلا من الاحتفال بذكرى الانتصار.
وقالت فون دير لاين لصحافيين على متن القطار الذي استقلته إلى كييف "أرحّب كثيرا بقرار الرئيس زيلينسكي جعل التاسع من ماي يوم أوروبا. أوكرانيا جزء من عائلتنا الأوروبية" .وأضافت "حضوري إلى كييف اليوم في التاسع من ماي رمزي، كما انه مؤشر على حقيقة مهمة للغاية وعملية: الاتحاد الأوروبي يعمل يدا بيد مع أوكرانيا في العديد من القضايا".من جهته دعا المستشار الألماني أولاف شولتس أمس الثلاثاء إلى "إصلاح وتوسيع" الاتحاد الأوروبي مع توقعات وإجراءات أكثر "جيوسياسية''. وفي حديثه أمام البرلمان الأوروبي، قال شولتس : "إن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تبسيط عملية صنع القرار حول السياسة الخارجية والضرائب والوفاء بوعده لدول البلقان المجاورة بالسماح لها بالانضمام إلى الكتلة".

مخاوف من النزعة اليمينية
ويؤكد متابعون على أنّ مخاوف اليوم تتعلق بالهوية الحضارية للغرب في ظل تنامي نفوذ التطرف اليميني وتوجه الغرب مؤخرا للتصويت لمرشحي اليمين المتطرف بسبب خشيتهم من ظاهرة الإرهاب وبحثهم عن الأمن في خطابات المرشحين وهو ما استغله السياسيون .
ويرى مراقبون أن صعود تيارات اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية وآخرها إيطاليا ومن قبلها السويد ، يجعل أوروبا عامة على اعتاب نزعة يمينية متطرفة قد تعصف بكل مكتسباتها الديمقراطية وتزيد من النزعة الإنفصالية داخلها .
وقد مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد فوز معسكر «الخروج» على معسكر «البقاء» ، زلزالا غيّر خطوط المشهد السياسي البريطاني في مرحلة أولى والمشهد العالمي في مرحلة ثانية وحمل تداعيات سياسية واقتصادية عدة باعتبار ان المملكة إحدى قاطرات التكتل الأوروبي والفاعل الاستراتيجي على المستوى الأوروبي كما انها النموذج على المستوى الديمقراطي ، في وقت تتنامى فيه حدّة النزعة الانفصالية عن القارة العجوز بما يهدّد بانفراط عقدها ووضعها أمام تحدّي الحفاظ على الوحدة وحرب النأي بالوحدة الأوروبية عن التجاذبات الإقليمية والدولية.
كما ساهم ذلك في تنامي النزعة الانفصالية التي باتت تمثل تهديدا حقيقيا للقارة الأوروبية خاصة مع وجود أطراف داعمة ومحرّكة لذلك، ونعني بذلك اليمين المتطرّف الذي سطع نجمه في انتخابات عدة دول غربية في الآونة الأخيرة.
ويمثل تنامي النزعة الإنفصالية في أوروبا أرضية خصبة لصعود التيارات اليمينية المتطرفة في القارة العجوز في وجود نزعات انفصاليّة واضحة تنمو في أوروبا، بالإضافة إلى تيارات يمينية متطرفة تتماشى توجّهاتها مع تيّارات مٌشابهة في دول أخرى وتتعاضد معها ممّا يخلق تكتلات فيما بينها تجعل شبح الانفصال يُخيّم فوق القارة الأوروبيّة.
ووفق مراقبين ستواجه أوروبا هزّات سياسيّة ارتدادية خاصة مع وصول اليمين المتطرف إلى الحُكم وتأثيره على الشارع ، إذ سيكون هذا الخروج محركا لإعادة تفعيل هذه الحركات مما سيقود إلى خروج دول أخرى وتصدّع الاتحاد الذي طالما كان صامدا.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115