يؤدي إلى أزمة اقتصادية طاحنة بالبلد الشقيق قد تمتد آثارها إلي 7 دول مجاورة للسودان و13 دول قريبة منها، بعدد سكان لا يقل عن 750 مليون نسمة. وقال أبوبكر الديب أن من أبرز الدول التي ستتأثر بالأزمة هي ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وأريتريا وسط مخاوف من امتداد هذه الاضطرابات إليها، أو حدوث تدهور في البيئة الأمنية للمنطقة الأوسع، كما شوهد بمنطقة الساحل الأفريقي في السنوات الأخيرة.
وأشار إلى إمكانية هروب أو خروج ما يفوق مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البلاد خلال الأيام العشر الماضية متوقعا زيادة الرقم خلال الفترة المقبلة وما لا يقل عن 20 مليار من دول جوار السودان حيث تسعي الاستثمارات إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وأكد الديب وجود عدد من الدول مغلقة اقتصاديا وتجاريا، ولا تمتلك موانئ أو منافذ بحرية وتعتمد علي السودان عبر ميناء بورتسودان لتوفير احتياجاتها من الخارج، ويشكل لها السودان معبرا للتجارة مع العالم الخارجي، مثل تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا ودول أخرى.
وذكر الديب أن تأثر مصر بالصراع سيكون مؤقتا وضعيفا حيث يتمتع الاقتصاد المصري بمرونة اكتسبها من الأزمات الدولية المتلاحقة كتداعيات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية علي روسيا.
وقال أبوبكر الديب إن مصر والسودان ترتبطان بثلاث كيانات اقتصادية هي: منطقة التجارة الحرة العربية، ومنطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية، وكذلك اتفاقية الكوميسا متوقعا أن يتضرر التبادل التجاري بين مصر والسودان، بعد نشوب صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قائلا إن قيمة التبادل التجاري بين مصر والسودان ارتفع بنسبة 18.2 % خلال عام 2022، ووصل الي 1.434 مليار دولار مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021 كما يستحوذ السودان، على 13.2% من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية وبلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال العام الماضي، بينما وصلت صادرات السودان لمصر في 2022، نحو 504.5 مليون دولار، متوقعا أن يتراجع حجم التبادل التجاري إذا ما استمر الصراع، وبالتالي فيمكن أن تتسبب الأزمة في ارتفاع أسعار بعض السلع التي تأتي من السودان مؤقتا قبل أن تؤمن مصر تلك السلع من بلد آخر.
وقدر أبوبكر الديب، أن تكبد المواجهات العنيفة التي تدور رحاها بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، الاقتصاد السوداني ما يقارب نصف مليار دولار يوميا وستكون لها نتائج شديدة السلبية على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية، وكذلك على صعيد مستوى المعيشة للشعب الشقيق، الذي يرزح تحت وطأة الضغوطات وتداعيات الأزمات المحلية والدولية وزيادة معدلات الفقر والتضخم وانقطاع التيار الكهربائي ونقص إمدادات المياه.
وأوضح أن البنوك التنموية متعددة الأطراف التي تركز قروضها في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ستكون أول المتأثرين، ومع احتمالات امتداد الاشتباكات لدول في دول القارة السمراء المشتركة في الحدود مع السودان، أصبحت تمويلات التنمية من المؤسسات المالية الدولية محل تهديد.
وأوضح أبوبكر الديب أن ارتباط الدول الإفريقية بالسودان في الجوار سيؤثر عليها سلبا وخاصة إثيوبيا، نظراً لاعتمادها على الموانئ السودانية في التجارة الدولية، فضلا عن مرور بضائعها عبر ميناء بورتسودان.
وأضاف أبوبكر الديب، أنّ الاقتصاد السوداني يعاني منذ سنوات من مشكلات هيكلية وضعف في الإنتاج والتهريب والفساد ما انعكس على تدهور الاقتصاد وفي حال استمرار التصعيد المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فإن مؤسسات التمويل الدولية لن تفرج عن أي مساعدات وكان البلد الشقيق قد خسر من التدفقات المالية غير المشروعة حوالي 5.4 مليار دولار بشكل سنوي بسبب غسل الأموال والتهرب من الجمارك والضرائب والتلاعب في الأسعار وفواتير عمليات الصادر والوارد، فضلاً عن تحويل عائدات جرائم الفساد الكبيرة إلى حسابات في الخارج كما أن حجم الخسائر التي تعرض لها السودان جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من الولايات المتحدة الأمريكية، تجاوزت 40 مليارا و531 مليون دولار.
وذكر الديب أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان بلغ 34.3 مليار دولار، في نهاية عام 2021، وفق تقديرات البنك الدولي، كما أن معدل النمو الاقتصادي بلغ 0.3% في نهاية 2022، وفق تقديرات البنك المركزي بالسودان، ومن شأن تصاعد الحرب الحالية أن تؤثر بالسلب علي الناتج المحلي الإجمالي وتدفعه للتراجع، فضلا عن تعطل عمل برنامج الغذاء العالمي، والإضرار بملايين السودانيين بعد أن كانت توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي في السودان تشير إلى 1.2% في عام 2023، بعد انكماش 2.5% في العام السابق.
وهذه التوقعات كانت قبل اندلاع الصراع الأخير ووفق تقديرات البنك الدولي، يعتبر السودان واحدا من أفقر دول العالم، رغم كونه ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، لكن إنتاجه من المعدن الأصفر يعتمد على قطاع التعدين الأهلي بنحو 80% وهذا القطاع غالبا ما يهرب أكثر من 70% من إنتاجه وفي هذه الدولة التي يتجاوز عدد سكانها 45 مليون نسمة حذرت وكالات الإغاثة من ارتفاع مستويات الجوع، حيث عانى أكثر من ثلث السكان من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد العام الماضي .
وأضاف أبوبكر الديب، أن خفض قيمة الجنيه السوداني كان من أبرز وأصعب الخطوات التي اتخذتها البلاد في إطار سلسلة إصلاحات نفَذتها حكومة انتقالية مدنية تحت إشراف صندوق النقد الدولي، ويرزح الاقتصاد السوداني منذ عامين تحت ركود تضخمي، فخلال 2022 ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 154%، وفي يناير الماضي بلغ التضخم السنوي نحو 83%
وقال أبوبكر الديب أنّ الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والاضطرابات أدى إلى ارتفاع التضخم وزيادة معدلات الفقر والجوع والبطالة، وفي عام 2021 استفادت السودان من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وتم تخفيض ديونها الخارجية من 77.2 مليار دولار في عام 2020 إلى 62.4 مليار دولار في عام 2021، إلا أن تدهور الأوضاع السياسية في البلاد في نهاية عام 2021 عطلت نتائج هذه المبادرة، كما جمدت المفاوضات مع دول أعضاء نادي باريس ما أوصل معدل الفقر لـ 46.5% وبلغ معدل البطالة، وفق تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، 19.8% في عام 2021 محذرا من أن استمرار الصراع المسلح في السودان، من شأنه أن يؤثر على سعر صرف العملة المحلية، التي تعاني من مشكلات أصلا وازدهار السوق السوداء، وتعتمد ميزانية السودان بنحو 60% على عائدات الضرائب والرسوم مع توقف المساعدات الدولية لعقود، لكن هذه العائدات باتت مهددة أيضا وسط توقعات بمزيد من الركود الاقتصادي ورغم تضاعف الناتج المحلى الإجمالي بالعملة المحلية 5 مرات خلال الخمس سنوات الأخيرة ، إلا أن القوة الشرائية للعملة المحلية تراجعت كثيرا كما ارتفع عجز الميزان التجاري خلال الخمسة سنوات الماضية إلى 4.568 مليار دولار وطبقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن الاحتياجات الإنسانية في السودان وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وهناك حاجة لتقديم أكثر من1.7 مليار دولار لتقديم المساعد الإنسانيّة والحماية لـ 12.5 مليون شخص.
وأكد أبوبكر الديب أنّ الدولة اتخذت إجراءات عدّة لدعم اقتصادها وموازنتها العامة، إلا أن الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع فاقم الأوضاع وينذر بتراجع النمو وفقدان الاستثمارات الأجنبية، وتضرر المطارات والموانئ ومحطات الكهرباء المياه والبنية التحتية بشكل عام وحياة المواطنين وهروب الاستثمارات متوقعا خروج ما يفوق مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البلاد فهي تحتاج إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.