الحقيقة المبتورة

من مازال يملك الشجاعة لقول الحقيقة، كل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة حول العشرية المنصرمة أو ما تسمى بعشرية الخراب؟ لم كلّ

هذا الاستسلام أمام طوفان الكذب والمغالطات الذي عمّ كلّ مجالات الحياة العامة. أين تلك الجمعيات والرابطات والنشطاء والناشطات والمناضلون والمناضلات وفرسان محاربة الفساد وأباطرة الإعلام والخبراء والأكاديميون والمختصون.... لماذا خرس كلّ أولئك ولم تبق سوى بعض الأصوات الحرّة في مواجهة التّيار تحت قصف التشويه والتهديد والوعيد. لقد بات من الضروري تفكيك «ألغاز» العشرية المنصرمة تفكيكا علميا بعيدا عن الديماغوجيا وضجيج الغوغاء لمعرفة حقيقة ما جرى وتحديد المسؤوليات عن ذلك بدقّة، هذا لا يعني البحث عن مبررات للتخفيف عن المنظومة السابقة في ما آلت إليه الأوضاع، فمسؤولية الذين تولوا الحكم في تلك الفترة كبيرة جدا، وقد عاينت بنفسي الشلل الذي أصاب تلك المنظومة حينها و كتبت ذلك على صفحتي بتاريخ 14.جويلة 2021 يعني احد عشر يوما قبل 25 جويلية، فهل أنّ حصر المسؤولية في جزء من المنظومة والقفز عن التقييم كاف للمرور إلى مرحلة لاحقة وضمان عدم تكرار نفس الأخطاء؟ وقد أدّى غياب التقييم الموضوعي للمرحلة البورقيبية بعد إزاحة الرئيس « الحبيب بورقيبة» من طرف «بن علي» بانقلاب أبيض الى عودة الحكم الفردي وهيمنة الحزب الواحد بصفة أقسى وأشد، وبعد إزاحة الرئيس بن علي بالثورة تكرّر نفس الشيء ووقع توجيه التقييم نحو البحث عن كلّ ما يدين نظام بن علي وإنكار أيّ منجز إيجابي ينسب إليه. وفي مفتتح هذه العشرية يبدو المجتمع غارقا في حالة من هلوسة جماعية تدفعه إلى الهروب إلى الأمام وإنكار مسؤوليته عن كلّ ما سبق، بدءا بالمسؤولية عن فوضى الأحزاب وفوضى الانتخابات وفوضى الإعلام فمن الضروري التذكير بالظروف التي حفت بذلك، في ذلك الوقت الذي طغى فيه أيضا طوفان من الهستيريا يدفع إلى تحطيم كل ما له علاقة بالماضي وإعادة تأسيس كل شيء من جديد، ذلك التيار كانت تقابله نظرة هادئة تدعو إلى انتقال سلس دون تعريض أسس الدولة للاهتزاز، لكن تم تجاهل ذلك الموقف بالكامل وأجبرت حكومة محمّد الغنوشي على الاستقالة تحت ضغط اعتصام القصبة 1 و2 ودخلت في غمار المغامرة التي قادتها إلى حيث وصلت الآن، هل وقعت مراجعة تجربة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ،هل قدّمت الأطراف والشخصيات التي شاركت فيها نقدها الذاتي عمّا صدر عنها بخصوص مرسوم الأحزاب ومرسوم الانتخابات واللذين أديّا إلى ذلك المشهد السياسي الكارثي الذي أعطى أكثر من مائتي حزب دفعة واحدة اغلبها بلا هويّة ولا برنامح وإلى تشريع لإقصاء تونسيين من حقهم في المشاركة في الانتخابات كعقاب جماعي ودون إذن قضائي، كيف يسقط من الذاكرة اعتصام الرحيل ببارود والذي انبثق عنه «الحوار الوطني» الذي أدارته أربعة منظمات وطنية من خارج الدوائر آنذاك وشاركت فيه الأغلبية الساحقة من الأطراف السياسية وأفضى إلى خروج النهضة وحلفائها في الترويكا من الحكومة وإلى تعديل نص الدستور المقترح آنذاك والذي قوبل بترحاب كبير من الجميع وصور التهاني والقبل المتبادلة بين ألدّ المتخاصمين تشهد على ذلك، كنّا حينها في منتصف العشرية تقريبا ولم نكن نسمع صوتا من تلك الأطراف ينكر الدستور أو يشكو سوادا، لم نكن نسمع إلا عن تلك «المعجزة التونسية» التي تحققت بفعل ذلك الحوار والذي نالت بسببه المنظمات الأربع « جائزة نوبل للسلام « والجميع كان يحدوهم الأمل في المستقبل وهم يتهيئون لخوض غمار الانتخابات التشريعية ل 2014 . وما يثير الشكوك حول صحة أنّ ما يجري اليوم عملية إصلاح واسعة، وجود نسبة كبيرة من الوجوه التي كانت من أكثر الفاعلين في العشرية المنصرمة ويكفي مراجعة قوائم من تحمّلوا مسوؤليات عليا في الإدارات وفي سلك المعتمدين والوزارات والأحزاب التي شاركت إلى جانب النهضة في العديد من الحكومات، لمعرفة النوازع الحقيقية لجزء واسع من هاته العملية والتي لا تتعدي إعادة التموقع والوصول للسلطة كما كانت تعمل دائما. هذا لا يعني أنّ تلك العشرية كانت ناصعة البياض وأن الأمور كانت تسير فيها سيرا عاديا، فمند البداية دخل الوضع في مأزق بالانحراف عن مواجهة الحاجيات الاجتماعية الملحة لتلك الفئات التي قدّمت نفسها وقودا للثورة والتوغّل في الرّمال السياسية المتحركة والتي لا تملك أغلب الأطراف القدرة على السير فيها، زيادة على ذلك الممارسات والأخطاء الفظيعة التي ارتبكت خلال مراحل الحكومات المتعاقبة وخصوصا مرحلة حكم «الترويكا» والتي بسببها تمّ إبعادها من الحكم في 2014، وهذا يستوجب فعلا الكشف عن الحقيقة وعن كلّ خفاياها لكن ذلك لا يمكن أن يكون مبرّرا للعودة بالبلاد إلى الحكم الفردي ونسف الحلم بالديمقراطية.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115