المتواصل" في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، محذرة من أنه "يؤجج التوترات ويعيق وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم، ويهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا . يأتي ذلك فيما تسعى حماس الى ترسيخ معادلة جديدة تقوم على تثبيت التهدئة وحماية الشعب الفلسطيني، بعد حرب مدمّرة فشل الاحتلال الاسرائيلي خلالها في إنهاء المقاومة رغم تفوقها العسكري وحجم الدمار الإنساني غير المسبوق.
وفي هذا السياق، أكد رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل أن الحركة تنظر بجدية كاملة إلى فكرة هدنة طويلة الأمد، تمتد لخمسة أو سبعة أو حتى عشرة أعوام، معتبرا أن الهدنة تعني التزامًا واضحًا لا مناورة سياسية. وأشار إلى أن تجربة العقدين الماضيين، بما شهدته من حروب وتهدئات مؤقتة، أن حماس التزمت بجميع فترات التهدئة، بينما كانت إسرائيل الطرف الذي بادر مرارًا إلى خرقها.ووفق مراقبين تكشف هذه التصريحات تحولا محسوبا في الخطاب السياسي للمقاومة الفلسطينية، لا يعني التخلي عن خيارها الأساسي، بل السعي إلى إدارة الصراع بما يخفف الكلفة الإنسانية عن غزة، ويمنع إسرائيل من استثمار واستغلال فترات التهدئة لإعادة فرض شروطها بالقوة. فالهدنة الطويلة، وفق هذا المنطق، هي اختبار عملي لمدى استعداد المجتمع الدولي، وخصوصا الولايات المتحدة، للتعامل مع جذور الصراع بدل الاكتفاء بإدارة أزماته.
ويرى محللون أن حماس تحاول من خلال هذا الطرح نقل الصور الحقيقية للمقاومة، بوصفها طرفا منضبطا وقادرا على الالتزام، في مقابل دولة احتلال تمتلك القوة العسكرية، وتستفيد من غياب أي آلية دولية حقيقية لمحاسبتها عند خرق الاتفاقات. وفي هذا الإطار، شدد مشعل على أن الوسطاء الإقليميين، وفي مقدمتهم مصر وقطر وتركيا، إلى جانب دول عربية وإسلامية أخرى، قادرون على ضمان التزام الطرف الفلسطيني بأي هدنة يتم الاتفاق عليها. غير أن الإشكالية الأساسية، بحسب تحليلات سياسية، تكمن في الطرف الإسرائيلي، الذي يجمع بين القدرة العسكري، والدعم الغربي غير المشروط، وسجل طويل من التنصل من الاتفاقيات. ويشير مراقبون إلى أن طرح مسألة “ضمان أمن إسرائيل” يتجاهل جوهر الصراع، إذ إن إسرائيل ليست طرفا مهددا وجوديا، بل قوة احتلال تمتلك أحدث أنواع الأسلحة. في المقابل، يعيش الشعب الفلسطيني في غزة حالة شبه انعدام لحقوقه.
من هذا المنطلق، أوضح مشعل أن سلاح المقاومة لا يُقارن بترسانة الجيوش النظامية، بل يمثل أداة دفاع اضطرارية في ظل واقع اختلال موازين القوى. ويحلل خبراء هذا الموقف باعتباره محاولة لتفكيك السردية الإسرائيلية التي تساوي بين المحتل والضحية، وتبرر العدوان تحت شعار "الدفاع عن النفس"، بينما يُحرم الفلسطيني من أي حق مماثل. رفض الوصاية وفي ما يتعلق بمستقبل إدارة القطاع، جدّد مشعل رفض حركة حماس القاطع لأي محاولة لفرض سلطة غير فلسطينية على غزة، محذرا من أن أي وجود أجنبي سيُنظر إليه كشكل جديد من أشكال الاحتلال. ويقرأ محللون هذا الموقف بوصفه رفضا لتحويل غزة إلى ساحة تجارب أمنية أو إدارة دولية مؤقتة تُفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها السياسي.ويرى هؤلاء أن الفلسطينيين، الذين رفضوا الاحتلال الإسرائيلي لعقود، لن يقبلوا بصيغ بديلة من الهيمنة، حتى وإن جاءت تحت عناوين "الاستقرار" أو "إعادة الإعمار".
الدور الأمريكي
وعلى الصعيد الدولي، حمّل مشعل الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب مسؤولية مباشرة في إلزام إسرائيل، ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، باحترام أي اتفاقات قائمة أو مستقبلية. ويرى مراقبون هذا الطرح باعتباره نقلا متعمدًا لعبء المسؤولية إلى الطرف الأكثر نفوذًا، في ظل قناعة فلسطينية بأن أي تسوية لا تحظى بضغط أمريكي حقيقي ستظل هشّة وقابلة للانهيار.وفي خطوة تحمل أبعادا سياسية لافتة، أعلن مشعل استعداد حماس للعمل مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتهيئة بيئة أمنية مستقرة داخل غزة، بما يسمح بإطلاق عملية إعادة إعمار حقيقية، ويمهّد لإجراء انتخابات ديمقراطية، ويخلق أفقا سياسيا لمفاوضات تتناول مستقبل الدولة الفلسطينية على أساس الحقوق الوطنية، لا الإملاءات الأمنية.
بين طرح هدنة طويلة، ورفض الوصاية الخارجية، والتمسك بحق الدفاع عن النفس، تعكس تصريحات خالد مشعل محاولة لتحويل صمود غزة من حالة عسكرية طارئة إلى ورقة سياسية، تفرض على المجتمع الدولي إعادة النظر في مقاربته للقضية الفلسطينية. ويبقى السؤال المركزي: هل ستتعامل القوى الدولية مع هذه الطروحات كفرصة حقيقية للاستقرار العادل، أم ستواصل إدارة الصراع بما يضمن تفوق الاحتلال ويترك غزة رهينة الحروب المتكررة؟.
خروقات اسرائيلية
تتزايد المخاوف من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في ظلّ اتهامات متصاعدة من حركة حماس لـ"إسرائيل" بارتكاب خروقات "واسعة ومتعمدة"، ما ينذر بعودة التوتر العسكري ويفرض ضغوطا متزايدة على الوسطاء الإقليميين والدوليين لإنقاذ الاتفاق قبل سقوطه الكامل.
فقد حذر القيادي في حركة حماس وعضو الوفد المفاوض غازي حمد، من أن الاتفاق الموقع في 10 أكتوبر 2025 بات "في مهب الريح"، مؤكدا أن ''إسرائيل'' لم تلتزم بأي من بنوده، رغم مرور 66 يوماً على دخوله حيز التنفيذ. وأشار حمد إلى أن نصوص الاتفاق واضحة ومفصلة ولا تحتمل التأويل، إلا أن إسرائيل تلاعبت بجميع بنوده دون استثناء".
ووفق تصريحات حمد، فإن الخروقات الإسرائيلية لم تكن عشوائية أو فردية، بل صدرت عن قرارات رسمية شملت عمليات قتل وإعدام ميداني، وإطلاق نار على المدنيين، وعمليات قصف واغتيال داخل قطاع غزة. كما أشار إلى تجاوز القوات الإسرائيلية لما يعرف بـ''الخط الأصفر'' بمسافات كبيرة، في خرق مباشر للتفاهمات الأمنية المرافقة للاتفاق.
وفي الجانب الإنساني، لفت القيادي في حماس إلى أنّ "إسرائيل" شددت القيود على إدخال المساعدات، وأغلقت معبر رفح، ومنعت دخول المعدات الأساسية، ما فاقم الأوضاع الإنسانية المتردية في القطاع، ونسف أحد أهم بنود الاتفاق المتعلقة بتخفيف المعاناة عن السكان المدنيين.
أرقام مقلقة ورسائل للوسطاء
وكشف حمد أن عدد الخروقات منذ بدء سريان الاتفاق تجاوز 813 خرقا، بمعدل يقارب 25 خرقا يوميا، واصفا هذه الأرقام بأنها خطيرة جدا وتهدد بشكل مباشر استمرارية وقف إطلاق النار. وأضاف أنّ الحركة وثّقت هذه الخروقات في تقارير مفصلة، جرى تسليمها بشكل يومي للوسطاء المصريين والقطريين والأمريكيين، وكذلك للغرفة المشتركة المعنية بمتابعة تنفيذ الاتفاق.
غير أن حماس تتهم ''إسرائيل'' بتجاهل هذه التقارير ''وضرب الأدلة الدامغة بعرض الحائط''، بل والمضي قدما في الإعلان العلني عن استمرار عمليات الاغتيال والاعتقال والاستهداف، دون الاكتراث بردود الفعل الدولية.
وأشار حمد إلى وجود اتفاق مسبق على تشكيل لجنة خاصة لمعالجة الخروقات فور وقوعها، بهدف منع أي طرف من اتخاذ إجراءات أحادية قد تؤدي إلى التصعيد. إلا أنّ تجاهل ''إسرائيل'' لهذا المسار زاد من تعقيد المشهد وقوّض فرص الحفاظ على الهدوء النسبي وفق تعبيره.
اختبار للوساطة الدولية
ووفق مراقبين تضع هذه التطوّرات الوسطاء، لا سيما مصر وقطر والولايات المتحدة، أمام اختبار صعب يتعلق بمدى قدرتهم على فرض الالتزام بالاتفاق وضمان تنفيذه على الأرض. فاستمرار الخروقات دون محاسبة لا يهدد الاتفاق فحسب، بل يضعف أيضا مصداقية جهود الوساطة ويعيد المنطقة إلى دائرة العنف المفتوح.
في ظلّ هذا المشهد، يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار يمر بمرحلة حرجة، حيث باتت التحذيرات العلنية من انهياره مؤشرا على أن هامش المناورة يضيق سريعا. ومع غياب تدخل حاسم يلزم ''إسرائيل'' بوقف خروقاتها، قد يتحول الاتفاق من أداة لاحتواء التصعيد إلى مجرد وثيقة معلقة، لا تصمد أمام واقع ميداني شديد الاضطراب.
واقع مأساوي
ميدانيا انتشلت طواقم الدفاع المدني، أمس الأربعاء، 6 فلسطينيين بينهم طفلان، بعد انهيار سقف منزل عليهم في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، بفعل الأمطار الغزيرة المصاحبة للمنخفض الجوي الذي يؤثر على القطاع. وقال الدفاع المدني في بيان إن طواقمه تمكنت من إنقاذ 6 فلسطينيين من تحت أنقاض المنزل المنهار، وبيّن أن حالتهم الصحية جيدة. وذكر البيان أن المنزل مكوّن من ثلاثة طوابق، وأن الانهيار طال السقف العلوي فقط، في ظل استمرار الأجواء الماطرة وتأثر القطاع بليلة جديدة من المنخفض الجوي. ويضرب غزة منخفض جوي منذ مساء الاثنين، هو الثاني في أقل من أسبوع، وسط تفاقم كبير بالأوضاع الإنسانية في ظل تضرر آلاف المساكن والخيام. والثلاثاء، أصيب عدد من الفلسطينيين وفُقد آخرون، جراء انهيار مبنى متضرر من حرب الإبادة الإسرائيلية، بفعل الأجواء العاصفة المرافقة للمنخفض الجوي، وفق الدفاع المدني. كما شهدت مدينة غزة انهيارا جزئيا في منزل يعود لعائلة سكيك شرقي المدينة، حيث انهارت طوابقه العليا دون تسجيل إصابات، فيما أعلنت وزارة الصحة عن وفاة رضيع جراء البرد الشديد. وكان المنخفض الجوي الأول، الذي حمل اسم “بيرون” تسبب بمصرع 14 فلسطينيا، وتضرر وغرق 53 ألف خيمة بشكل كلي أو جزئي، وفق معطيات رسمية مما فاقم معاناة الفلسطينيين. وخلال المنخفض، أفادت بيانات المكتب الإعلامي الحكومي، بانهيار 13 مبنى على الأقل، من المباني المتضررة جراء الإبادة الإسرائيلية، وذلك على رؤوس ساكنيها الذين لجأوا إليها للاحتماء من الأمطار والبرد. بدوها، قالت المديرية العامة للدفاع المدني في غزة، إنها سجلت مئات المنازل المصنفة خطرة وغير صالحة للسكن، بعد تعرضها للاستهداف والقصف الإسرائيلي خلال حرب الإبادة. وذكرت أنه اتخذ قرار بالإزالة الفورية لثلاثة منازل امس الأربعاء في منطقتي النفق والزيتون شرقي مدينة غزة، بعد أن جرى إخلاء سكانها بحضور المهندسين المختصين.
اقتحامات مستمرة
وصعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنون فجر امس الأربعاء، من اعتداءاتهم شمالي ووسط الضفة الغربية المحتلة، باقتحام الحي الشرقي من مدينة جنين، وحرق مركبتين فلسطينيتين في بلدة عين يبرود شمال شرقي محافظة رام الله.ففي جنين، أفادت مصادر محلية بأن قوات خاصة إسرائيلية اقتحمت فجر أمس الأربعاء الحي الشرقي من المدينة، قبل أن تتبعها تعزيزات عسكرية من حاجز الجلمة. وأضافت المصادر أن القوات داهمت منزلًا في الحي وحوّلته إلى ثكنة عسكرية، فيما حاصرت منزلًا آخر، وشرعت بتنفيذ حملة احتجاز واسعة في صفوف المواطنين، وأخضعتهم لتحقيق ميداني.
وعقب الاقتحام أعلنت مديرية التربية والتعليم في جنين تعليق الدوام الدراسي،امس الأربعاء، في المدارس الحكومية والخاصة ورياض الأطفال، حفاظًا على سلامة الطلبة. وي سياق متصل، أقدم مستوطنون على حرق مركبتين فلسطينيتين، وخطّ شعارات عنصرية على جدران منازل في بلدة عين يبرود شمال شرقي مدينة رام الله وسط الضفة، وفق مصادر محلية.