داخلي وشيك، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، واستقطاب سياسي حاد،. وبينما تتجه الأنظار إلى العلاقة المتوترة بين كاراكاس وواشنطن، يطرح مراقبون تساؤلا بالغ الأهمية: هل تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دفع فنزويلا نحو صراع داخلي يُسقط النظام من الداخل، بدلا من مواجهة عسكرية مفتوحة؟
وتشهد فنزويلا انقساما مجتمعيا حادا بين مؤيدي الرئيس نيكولاس مادورو ومعارضيه، الذين يعتبرون أن الانتخابات السابقة افتقدت للنزاهة. ومع غياب الثقة بين الأطراف السياسية، وتراجع مؤشرات الاقتصاد إلى أدنى مستوياتها، يبدو المشهد مهيأ لانفجار محتمل.
ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، يُتوقع أن يتجاوز معدل التضخم في البلاد 260% خلال عام 2025، في ظل انهيار شبه تام في قطاعات الإنتاج، وتراجع الاستثمارات في النفط، وهو المورد الرئيسي للعملة الصعبة. وجعل هذا التدهور الاقتصادي العميق المعيشة اليومية للفنزويليين معركة بقاء، وخلق بيئة خصبة للغضب الشعبي والاحتجاجات.
إلى جانب الأزمة الاقتصادية، تبرز ظاهرة العصابات المسلحة وعلى رأسها تنظيم "ترين دي أراغوا" الذي تمدد نفوذه إلى مناطق التعدين والتهريب، ليشكل سلطة موازية للدولة.
الرهان على "الصراع الداخلي"
ووفق مراقبين يوحي التصعيد الأمريكي الأخير تجاه كاراكاس بتبدل في الإستراتيجية. ففي أكتوبر 2025، منح ترامب وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي أي " تفويضا بتنفيذ عمليات سرية داخل الأراضي الفنزويلية، وسط ترجيحات بأن تشمل تلك العمليات أدوات ضغط غير تقليدية.
ورغم نفي واشنطن نيتها شن حرب مباشرة، إلا أن سلسلة العقوبات المتجددة، وتجفيف عائدات النفط، وعرقلة الاستثمارات، تمثل حلقات ضمن إستراتيجية خنق النظام اقتصاديا، ودفعه إلى حافة الانهيار.
وفي تصعيد جديد للعلاقة المتوترة بين واشنطن وكاراكاس، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من التهديدات المباشرة ضد نظام نيكولاس مادورو، وذهب ترامب أبعد من ذلك حين ألمح إلى أن العمليات الأمريكية قد تتوسع لتشمل ضربات برية داخل فنزويلا، قائلا في تصريحات لوسائل إعلام أمريكية: "لقد تعاملنا مع البحر، والآن ننظر إلى اليابسة."هذه التصريحات تزامنت مع تحركات عسكرية لافتة، شملت نشر حاملة طائرات وعدد من القطع البحرية في مياه الكاريبي، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها رسالة استعراض قوة ورسالة ضغط مزدوجة على كاراكاس وحلفائها الإقليميين.
ورغم أن ترامب لم يعلن عن نية شنّ حرب مباشرة، فإن لهجته التصعيدية واتهاماته المتكررة لمادورو بـ"تصدير الفوضى والمخدرات"، تعكس توجها واضحا نحو تدويل الأزمة الفنزويلية وربطها بالأمن القومي الأمريكي.
ويرى محللون أن هذه التهديدات تمهّد لمرحلة جديدة من الضغط تمزج بين العقوبات الاقتصادية، والعمليات السرية، والتحركات العسكرية المحدودة في محاولة لزعزعة النظام من الداخل دون الانخراط في حرب مفتوحة.
وفي الوقت نفسه، تُروج الإدارة الأمريكية لرواية تتهم فيها فنزويلا بأنها باتت مركزا لتقاطع شبكات الجريمة المنظمة في الكاريبي وأمريكا اللاتينية، ما يمنح إدارة ترامب مبررا سياسيا وأمنيا لتصعيد الضغط، وربما لتبرير دعم حركات محلية معارضة تحت شعار "استعادة الأمن".ويرى محللون أنّ الدفع نحو اضطراب داخلي هو الخيار المفضل لدى ترامب، الذي يسعى لتجنب أي مواجهة عسكرية مفتوحة قد تجرّ واشنطن إلى مستنقع جديد وتكاليف جديدة وباهظة . فـ"الحرب الداخلية" – إن اندلعت – ستسمح للولايات المتحدة بإحداث التغيير من داخل البنية السياسية الفنزويلية نفسها، من خلال تمويل منظمات المجتمع المدني، وتقديم دعم تقني وإعلامي للمعارضة، وتوسيع أدوات التأثير غير المباشر.
سيناريوهات التصعيد
ويشير خبراء إلى أن السيناريو الأخطر يتمثل في انقسام المؤسسة العسكرية، إذ إن أي شرخ داخل الجيش الفنزويلي قد يشعل مواجهة مفتوحة بين أجنحة النظام، ويدفع البلاد إلى حرب أهلية فعلية.كما أن انهيار الخدمات العامة في مناطق التعدين والأحياء الفقيرة قد يفتح الباب أمام ظهور خلايا محلية مسلحة تسعى لفرض سيطرة على الأرض.
حتى الآن، لا يزال ولاء الجيش لمادورو عاملا مانعا لانفجار الصراع، إلا أن استمرار الضغوط الاقتصادية وتنامي الغضب الشعبي قد يغيران موازين القوى.وبينما تراقب المنطقة تطورات المشهد الفنزويلي بقلق، يلوّح شبح الفوضى في الأفق، في بلد يمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، لكنه يقف اليوم على حافة الانهيار.