فإنّ السياسات التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة تكشف أن الحرب على غزة لم تتوقف فعليا، بل انتقلت إلى مستوى جديد من الحصار الإداري والإنساني. فوفقا لتقرير نشرته صحيفة ''هآرتس'' العبرية، فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية مؤخرا إجراءات معقدة عطلت عمل عشرات المنظمات الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، مما أدى إلى تجميد دخول آلاف الأطنان من المساعدات الحيوية في وقت يعيش فيه ملايين الفلسطينيين أوضاعا كارثية.
وتتمثل خطوة الاحتلال الإسرائيلي في اشتراط حصول المنظمات الإنسانية على تراخيص جديدة من وزارة الشتات، التي تتولى منذ مارس الماضي مسؤولية تسجيلها.ووفق الصحيفة، فإن 14 منظمة من أصل 100 تم رفضها بالفعل، فيما تنتظر منظمات كبرى مثل ''أوكسفام'' و''أنقذوا الأطفال'' و''المجلس النرويجي للاجئين'' البت في طلباتها، وسط مخاوف من استغلال هذه الإجراءات لتكميم الصوت الإنساني وإحكام السيطرة على المساعدات.
غزة تُحاصر من جديد
ووفق مراقبين ونتيجة هذه السياسات، تراكمت كميات ضخمة من المساعدات الإنسانية في المخازن والمعابر، من بينها خيام ومعدات تحلية مياه وأغذية أساسية، وسط منع دخولها إلى غزة عبر الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية المسجلة لصالح جمعيات غير مرخصة.
والنتيجة كانت مأساوية وهي استمرار معاناة مئات الآلاف من العائلات التي فقدت منازلها خلال الحرب، وارتفاع مستويات الجوع ونقص المياه النظيفة، فيما تشير البيانات الرسمية إلى دخول 89 شاحنة فقط يوميا بدلا من 600 شاحنة مطلوبة لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات.
ويرى مراقبون أن هذه السياسة تمثل تصعيدًا إنسانيا صامتا يهدف إلى خنق غزة. فبينما يلتزم الطرفان نظريا بوقف إطلاق النار، تمارس "إسرائيل" شكلا جديدا من الحرب عبر منع الغذاء والدواء والإيواء، ما يجعل الاتفاق هشًا وفاقدًا للمعنى.
ووصفت مديرة السياسات في "أوكسفام"، بشرى الخالدي، الخطوة بأنها "استمرار لسياسة العقاب الجماعي" التي تسعى لجعل القطاع "غير صالح للعيش"، مؤكدة أن هذه الإجراءات تمثل "انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني".
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تعيش غزة واحدة من أبشع الكوارث في التاريخ الحديث. أكثر من 239 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، وآلاف المفقودين تحت الركام، في حين ما زالت مناطق واسعة من القطاع مدمّرة بالكامل.ورغم الإدانات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية لوقف المجازر، تواصل إسرائيل فرض سياساتها على الأرض، مدعومة بتجاهل غربي وصمت أممي يكرّس إفلاتها من العقاب.
وضع كارثي
في اليوم الـ26 من بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي خرق اتفاق الهدنة، حيث أفادت الجزيرة بتنفيذ الجيش الإسرائيلي غارات وقصفا مدفعيا مكثفا وعمليات نسف شرق مدينتي خان يونس وغزة.كما تعرضت بلدة بني سهيلا شرق خان يونس لغارات جوية إسرائيلية، إضافة إلى تنفيذ عملية نسف ضخمة شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.يأتي ذلك، بينما تواجه مستشفيات قطاع غزة وضعا كارثيا مع تكدس مئات المرضى والجرحى في ظل النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.وقالت وزارة الصحة في غزة إن نسبة إشغال الأسرّة وصلت إلى 225% وذلك بالتزامن مع نقص الإمدادات الطبية، مما جعل المستشفيات عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية.
في الأثناء، أفاد نفس الموقع في غزة بأن فريقا من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وعناصر من كتائب القسام توجهوا قبل قليل إلى حيّ الشجاعية شرقي مدينة غزة للبحث عن جثث جديدة لرهائن إسرائيليين.
وتستمر جهود البحث عن جثث الرهائن الإسرائيليين لليوم الخامس في حي الشجاعية شرق غزة، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحماس في 5 نوفمبر 2025. وتعمل آليات ثقيلة من مصر وفرق من الصليب الأحمر وكتائب القسام في محيط شارع بغداد، حيث يُعتقد أنّ الرهائن قتلوا.
وأكد مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس في قطاع غزة، وصول 15 جثمان لفلسطينيين قتلوا في القطاع، كانت إسرائيل تحتجز جثثهم، وسلمتها عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تنفيذاً لبنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.وبذلك يرتفع عدد الجثامين الذين سلمهم الجيش الإسرائيلي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار إلى 285.
وجاء التسليم عقب تسليم حركة حماس بدورها جثة أحد الجنود الإسرائيليين المحتجزة ليل أمس الاول الثلاثاء.وفي سياق متصل، أكد شهود عيان أنّ ممثلين عن الصليب الأحمر وكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، توجهوا بعد ذلك برفقة آليات مصرية إلى منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، لاستكمال عملية البحث لانتشال جثث مزيد من الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة.
وبذلك، يكون عدد جثث الرهائن التي لا يزال يتعين على حماس إعادتها إلى إسرائيل في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد أصبح سبعة.
ومنذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة في 10 أكتوبر، أطلقت حماس سراح آخر 20 رهينة على قيد الحياة، مقابل الإفراج عن حوالي ألفَي معتقل وسجين فلسطيني، وبدأت إعادة جثث الرهائن القتلى.
وسلّمت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس،الصليب الأحمر جثة الرهينة الإسرائيلي التي عثرت عليها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.وأوضحت القسام في بيان آخر أنه بمرافقة طاقم الصليب الأحمر، عثرت طواقم القسام على الجثة بعد عملية بحث وحفر داخل الخط الأصفر، أي في المناطق التي تخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية.
من جهة ثانية قال مصدر مطلع في حماس وفق فرانس براس إنه "جرى العثور على عدد من جثث الشهداء الفلسطينيين تحت الأنقاض، إلى جانب رفات الأسير الإسرائيلي".وأثار التأخير في تسليم جثث الرهائن استياء الحكومة الإسرائيلية التي اتهمت حماس بالمماطلة. بينما تقول الحركة إن العملية تسير ببطء لأن الرفات مدفونة تحت الأنقاض. ودعت حماس الوسطاء والصليب الأحمر مراراً إلى تزويدها بالمعدات والكوادر اللازمة لانتشال الجثث.
وقالت السلطات الصحية في القطاع إن إسرائيل سلمت في المقابل رفات 270 فلسطينياً قتلتهم منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.وقالت السلطات الصحية في غزة في وقت سابق ، إن رجلاً استشهد بنيران إسرائيلية في جباليا في شمال غزة. وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه قتل شخصاً زعم أنه عبر إلى مناطق لا يزال الجيش يحتلها و"شكّل تهديداً مباشراً" بحسب الجيش.
أكثر من 9 آلاف أسير في سجون الاحتلال
من جهتها قالت ثلاث مؤسسات فلسطينية معنية بشؤون الأسرى،أمس الأربعاء، إن إسرائيل تعتقل 9250 فلسطينيا في سجونها، بينهم 49 سيدة، و350 طفلا.
جاء ذلك في بيان مشترك صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين (حكومية)، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان (أهليان)، استنادا إلى معطيات إدارة السجون الإسرائيلية حتى نوفمبر 2025.
وذكر البيان أن عدد الأسرى والمعتقلين في سجون ''إسرائيل'' تجاوز 9250 أسيرا ومعتقلا، غالبيتهم من الموقوفين والمعتقلين إداريا.وأوضح أن هذا الرقم لا يشمل المعتقلين المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الإسرائيلي.وأشار إلى أن عدد الأسرى المحكومين بلغ 1242.
ومن بين المعتقلين 49 سيدة، إحداهن من غزة، و350 طفلا محتجزين في سجني عوفر ومجدو، فيما بلغ عدد المعتقلين الإداريين 3368 معتقلا.كما أشار البيان إلى أن عدد المعتقلين المصنفين ضمن فئة "المقاتلين غير الشرعيين" بلغ 1205، علما أن هذا الرقم لا يشمل جميع معتقلي غزة المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال والمصنّفين ضمن هذه الفئة.ويُذكر أن هذا التصنيف يشمل أيضا معتقلين عربا من لبنان وسوريا.
وخلال الإبادة الإسرائيلية بغزة والتي دعمتها الولايات المتحدة واستمرت عامين، قتل بالضفة والقدس 1065 فلسطينيا وأصيب نحو 10 آلاف آخرين.وخلفت الإبادة في غزة، 68 ألفا و875 شهيدا فلسطينيا و170 ألفا و679 مصابا، معظمهم أطفال ونساء.ورغم سريان وقف النار في 10 أكتوبر المنصرم، وفقا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن ''إسرائيل'' خرقته أكثر من مرة، وقتلت وأصابت مئات الفلسطينيين.
بناء 356 وحدة استيطانية بالضفة الغربية
ميدانيا طرحت وزارة إسكان الاحتلال الإسرائيلية مناقصتين لبناء 356 وحدة استيطانية بالضفة الغربية المحتلة، وفق تقارير. وقالت نفس التقارير: "نشرت وزارة الإسكان مناقصتين لبناء حيّ سكني جديد في مستوطنة جيفاع بنيامين (آدم)، جنوب شرق رام الله". وأضافت: "المناقصة الأولى لبناء 342 وحدة سكنية موزعة على خمسة مجمعات سكنية، والثانية لبناء 14 منزلًا عائليًا مخصصًا لجنود الاحتياط".وقالت: "منذ بداية العام 2025، نُشرت عطاءات لبناء 5 آلاف و667 وحدة سكنية في المستوطنات، وهو رقم قياسي غير مسبوق، ويزيد بنحو 50 في المئة عن عام الذروة السابق، 2018، حين نُشرت عطاءات لـ 3 آلاف و808 وحدات".
وأضافت التقارير: "إذا نُفذت هذه العطاءات المنشورة هذا العام، فستُضيف هذه المنازل ما يقرب من 25 ألف مستوطن إلى الضفة الغربية".
وأضافت: "إن بناء آلاف المنازل الإضافية في المستوطنات وإضافة عشرات الآلاف من المستوطنين في الضفة الغربية لا يؤدي إلا إلى تعميق الحفرة التي يجب على إسرائيل الخروج منها".وتابعت: "السبيل الوحيد لإنهاء سفك الدماء المستمر هو من خلال حل وسط يقضي بدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام".وبحسب معطيات فإن أكثر من 700 ألف مستوطن يستوطنون في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، ويقوض إمكانية تنفيذ حل الدولتين، وتدعو منذ عقود إلى وقفه ولكن دون جدوى.