بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر وانسحاب الجيش السودان على أعتاب تحولات كبرى وتصاعد مخاطر التقسيم

شكلت سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر وذلك بعد

حصار دام 18 شهرا، تحولا عسكريا كبيرا في السودان. وقد أقر الجيش السوداني بأنه انسحب من الفاشر بينما حذّرت الأمم المتحدة من ارتكاب فظاعات بدافع اتني في هذه الحرب التي أدت إلى مقتل عشرات آلاف الأشخاص ونزوح 12 مليونا.
ومع تعقيد الوضع فان التقسيم بات أمرا واقعا في السودان مع استبعاد الحل السياسي. فحكومة السودان تسيطر حاليا على الولايات الشمالية والشرقية، فيما تسيطر قوات الدعم السريع على الجنوب الغربي، وعلى الحدود مع أفريقيا الوسطى. وما يحصل في السودان ليس بعيدا عن الأيادي الأمريكية التي تحاول اليوم الوصول الى هدنة بين أطراف النزاع تضمن خلالها مصالحها وتأمين مشاريعها القادمة بعد انتهاء الحرب في هذا البلد الغني والمحوري في الإقليم.
وقد أعلن وفد قوات الدعم تمسكه باتفاق المنامة الموقع في البحرين بالأحرف الأولى سنة 2024 فيما تمسك الوفد الحكومي بخريطة الطريق المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في مارس الماضي، وكذلك إعلان جدة الموقع في ماي 2023 .
وبعد أكثر من عام ونصف من القتال المستمر، دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة وخطيرة مع إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، آخر المدن الكبرى التي كانت خاضعة لسيطرة الجيش السوداني في الإقليم الغربي المترامي الأطراف.هذا التطور لا يُعد مجرد تغير ميداني خطير فحسب، بل يمثل تحولا استراتيجيا عميقا في بنية الصراع وموازين القوة في السودان، يُعيد رسم خريطة النفوذ العسكري والسياسي في منطقة ظلت لعقود مسرحا للتوترات المسلحة والصراعات القبلية. منذ بداية الحرب في أفريل 2023، شكّلت الفاشر هدفا مركزيا لقوات الدعم السريع، باعتبارها بوابة السيطرة على دارفور بأكملها، ومركزا لقيادة الجيش في الإقليم من خلال الفرقة السادسة مشاة .ومع إعلان الدعم السريع دخول المدينة ونشر صور لمقاتليه داخل المقرات العسكرية، بدا واضحا أن آخر خطوط الدفاع الحكومية في دارفور قد انهارت، لتنتقل السيطرة الكاملة على الإقليم إلى قوات محمد حمدان دقلو حميدتي من جانبه لم ينفي الجيش السقوط، بل أقرّ رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بأن قواته انسحبت حرصا على حياة المدنيين وتجنيب الفاشر مزيدا من الدمار في اعتراف يُقرأ داخليا كإقرار بالهزيمة الميدانية، وخارجيا كإشارة إلى تراجع الجيش عن مواجهة مفتوحة في الغرب.
أهمية الفاشر الإستراتيجية
وتقع مدينة الفاشر في موقع حيوي يجعلها نقطة التقاء بين الشمال والغرب والوسط، وهي ليست مجرد عاصمة لولاية شمال دارفور، بل مركز ثقل إداري واقتصادي وعسكري يمتد تأثيره إلى ولايات كردفان، نهر النيل، والشمالية. ويرى مراقبون أن المدينة تعد عقدة طرق حيوية تصل السودان بعمقه الإفريقي عبر حدود تشاد وليبيا وافريقيا الوسطى، ما يجعل من السيطرة عليها خطوة حاسمة لمن يسعى لبسط نفوذه على الممرات التجارية وشبكات التهريب والذهب. وبهذا المعنى، لا يعد سقوط الفاشر مجرد تطوّر عسكري، بل تحوّلا جيوسياسيا يعيد رسم الحدود غير المعلنة بين مناطق نفوذ الجيش والدعم السريع، ويمنح الأخير خطّ دفاع طبيعي يمتد من دارفور إلى كردفان، ما يتيح له التحكّم في الممر الغربي للبلاد.
البعد الاقتصادي
دارفور ليست فقط منطقة نزاع، بل أيضا خزان اقتصادي ضخم.فالإقليم يضم أهم مناجم الذهب في السودان، أبرزها منطقة جبل عامر شمال دارفور، التي تُعد من أكبر مواقع التعدين الأهلي في البلاد، إضافة إلى منطقة الردوم في جنوب دارفور قرب نيالا. وتمثل السيطرة على هذه المناطق مكسبا اقتصاديا استراتيجيا للدعم السريع، الذي يُتهم منذ سنوات بإدارة شبكات تعدين غير رسمية واستخدام عائداتها في تمويل عملياته العسكرية.كما أن دارفور تحتوي على أكثر من 40% من الثروة الحيوانية في السودان، إلى جانب أراضٍ زراعية خصبة وطرق تجارة عبر الحدود مع تشاد، ما يجعل الإقليم مورداً اقتصاديا أساسيا لأي طرف يسيطر عليه. بذلك، تتحول السيطرة على الفاشر من نصر عسكري إلى رافعة مالية وسياسية يمكن أن تُستخدم كورقة تفاوضية في أي محادثات مستقبلية حول السلطة والثروة.
إعادة توزيع النفوذ
ويرى خبراء أن سيطرة الدعم السريع على كامل دارفور تمثل إعادة تموضع جذري في المشهد السياسي.فالحركات المسلحة التقليدية التي كانت تمثل الإقليم في اتفاق جوبا للسلام 2020، أصبحت اليوم بلا قاعدة ميدانية تقريبا.
هذا وفقدت هذه الحركات مناطق نفوذها بعد أن كانت تمثل وزنا سياسيا في الحكومة الانتقالية السابقة، وباتت الآن تواجه خطر التلاشي أو إعادة التموضع كقوى هامشية ضمن الصراع الجديد بين الجيش والدعم السريع.أما الأخير، فيسعى إلى توظيف سيطرته على الإقليم لتثبيت نفسه كقوة أمر واقع، بل ذهب بعض قادته إلى الحديث عن نية تشكيل حكومة مدنية في الفاشر لإدارة المناطق الخاضعة لهم، في خطوة تُعتبر سابقة خطيرة قد تفتح الباب أمام انقسام فعلي للدولة السودانية.
كارثة إنسانية
ووفق تقارير تظهر الجانب الإنساني، بات المشهد قاتم إلى حد الفاجعة، فبعد شهور من القتال والحصار، تعيش الفاشر كارثة إنسانية متكاملة الأركان، بحسب الأمم المتحدة، التي حذّرت من خطر انتهاكات وجرائم ذات دوافع عرقية قد تحدث في المدينة بعد دخول الدعم السريع. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الوضع بأنه تصعيد خطير ومعاناة لا تطاق بينما أكد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك أن المدينة في وضع حرج للغاية مشيرا إلى تقارير عن عمليات قتل على أساس
عرقي ونهب واسع للمرافق الصحية. ويعيش الناجون وفق تقارير رسمية وسط انقطاع كامل للاتصالات ونقص في الغذاء والمياه، فيما يُقدّر عدد المحاصرين داخل المدينة بنحو 250 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة، محاطين بجدار ترابي أقامته قوات الدعم السريع لمنع الهروب.
الأبعاد الإقليمية والدولية
ويرى باحثون أنه لا يمكن قراءة ما يجري في دارفور بمعزل عن الامتدادات الإقليمية ،فالإقليم يتاخم تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، وكلها دول تعاني هشاشة أمنية، وتعدّ مناطق عبور للتهريب والسلاح والمقاتلين. وتشير تقارير استخباراتية غربية إلى أنّ دولا إقليمية، تتهم بدعم طرفي الصراع بطرق غير مباشرة، ما يعمّق البعد الإقليمي للحرب السودانية ويزيد من احتمالات تحوّل دارفور إلى ملاذ للمليشيات العابرة للحدود
في المقابل، يحاول المجتمع الدولي بقيادة الأمم المتحدة والولايات المتحدة إعادة إحياء المفاوضات، مع الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية. بالطبع، إليك إعادة صياغة الفقرة بشكل **مترابط وسلس** تحافظ على المعنى التحليلي والعمق الصحفي، مع ربط منطقي بين السيناريوهات والخاتمة: بعد سقوط الفاشر، يبدو أن السودان يقف أمام مرحلة شديدة التعقيد، تتداخل فيها الحسابات العسكرية مع رهانات السياسة والمجتمع. فالمشهد الميداني يفتح الباب وفق مراقبين أمام ثلاثة مسارات محتملة . الأول تصعيد شامل يتجه شرقا نحو كردفان وربما وسط السودان، إذ يسعى الدعم السريع إلى توسيع نفوذه وتحويل مكاسبه في دارفور إلى سيطرة أوسع على الممرات الاستراتيجية، ما قد ينذر بانفجار حرب جديدة في مناطق أكثر كثافة سكانية. أما المسار الثاني، فهو تسوية تقوم على الأمر الواقع، تدفع إليها بعض القوى الإقليمية والدولية، وتقوم على الاعتراف بخطوط السيطرة الحالية مقابل هدنة طويلة الأمد، لكنها تسوية محفوفة بخطر ترسيخ التقسيم الجغرافي والسياسي داخل السودان.في حين يلوح المسار الثالث كأخطر السيناريوهات، ويتمثل في انفجار الصراع الأهلي داخل دارفور نفسها، حيث تتقاطع الولاءات القبلية وتتداخل المصالح، مما قد يعيد الإقليم إلى دوامة العنف العرقي التي شهدها مطلع الألفية.فهل تكون الفاشر بداية نهاية الحرب، أم الشرارة التي تفتح فصلا أشد قسوة من فصولها؟
تصاعد الانتهاكات في السودان
من جانبه أعرب الاتحاد الأوروبي امس الثلاثاء عن “قلقه العميق” من تصاعد الانتهاكات في مدينة الفاشر في غرب السودان، ودعا “كل الأطراف إلى التهدئة”. وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أنور العنوني “نتابع الوضع مع شركانئا عن كثب، ونتأكد من توثيق كل الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان”، مضيفا “لا ينبغي أن يكون هناك إفلات من العقاب”.
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إجراء محادثات فورية لإنهاء القتال في السودان بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع شبه العسكرية على مدينة الفاشر. وحث غوتيريش كلا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على التواصل مع مبعوثه الخاص إلى السودان رمطان لعمامرة دون تأخير، واتخاذ خطوات سريعة وملموسة نحو تسوية تفاوضيةوفق ما جاء في بيان للمتحدث باسمه ستيفان دوجاريك.وقال دوجاريك إن الأمين العام يشعر بـقلق بالغ من التصعيد الأخير في القتال، ويدين انتهاكات القانون الإنساني الدولي المبلغ عنها، مضيفا أن جوتيريش يشعر بقلق عميق إزاء استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان، وهو ما يزيد من تفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلا. وفي وقت متأخر من مساء الاثنين بالتوقيت المحلي، استولت قوات الدعم السريع على الفاشر، آخر مدينة رئيسية في إقليم دارفور الغربي كانت لا تزال تحت سيطرة الجيش. وقال الجيش إنه انسحب من المدينة، التي يقطنها نحو 300 ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وشدد دوجاريك على أن المساعدات الإنسانية يجب أن تصل إلى المدنيين بسرعة ودون عوائق، مشيرا إلى أن الفاشر والمناطق المحيطة بها كانت بؤرة معاناة لأكثر من 18 شهرا، حيث تحصد المجاعة والأمراض والعنف أرواح المدنيين يوميا.
ويشهد السودان منذ افريل 2023 صراعا دمويا على السلطة بين الحاكم الفعلي للبلاد عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع.ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا الصراع إلى انقسام دائم للبلاد، فيما تعتبر الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في السودان هو الأسوأ في العالم حاليا.
مأساة كبيرة
وفي وقت سابق أفادت منظمة الهجرة الدولية بأن التقديرات الميدانية تشير إلى نزوح أكثر من 26 ألف شخص من مدينة الفاشر خلال 48 ساعة بسبب الاشتباكات الدائرة. ولفتت إلى أن هذه الأرقام أولية وقابلة للتغيير نظرًا لاستمرار انعدام الأمن وتسارع وتيرة النزوح.كذلك كشفت مؤسسة أهلية بالسودان، الاثنين، وصول 1117 نازحا جديدا من مدينة الفاشر إلى منطقة طويلة بولاية شمال دارفور غربي البلاد، جراء تصاعد وتيرة العنف وانعدام الأمن. وبهذا يرتفع إجمالي عدد الأسر الواصلة إلى طويلة، خلال الفترة الممتدة بين 18 و27 أكتوبر الجاري، إلى 831 أسرة تضم 3038 شخصا، حسب بيان المؤسسة الأهلية.وتعاني آلاف الأسر في المدينة المحاصرة من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب، في ظل انعدام انقطاع الإمداد نتيجة للحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية من قبل الدعم السريع، ما يجعل حياة المدنيين، وخاصة الأطفال وكبار السن، تحت خطر المجاعة والأوبئة. وتحاصر الدعم السريع الفاشر منذ 10 ماي 2024، فيما يسعى الجيش السوداني لكسر الحصار عن المدينة، التي تُعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.ومنذ 15 افريل 2023 يخوض الجيش وقوات الدعم السريع حربا لم تفلح وساطات إقليمية ودولية عديدة في إنهائها، قتل خلالها نحو 20 ألف شخص وتشرد أكثر من 15 مليونا بين نازحٍ ولاجئ، وفقا لتقارير أممية ومحلية، في حين قدّرت دراسة أعدّتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115