الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ماهر عبد القادر لـ''المغرب'' ''إسرائيل'' وأمريكا تعيشان هزيمة دبلوماسية بعد فشلهما في منع الاعتراف بدولة فلسطين''

قال المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني ماهر عبد القادر في

حديثه لـ"المغرب" أن موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تُعدّ هزيمة دبلوماسية مزدوجة لكل من "إسرائيل" والولايات المتحدة، بعد فشلهما في عرقلة الاعتراف الدولي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. وشدد عبد القادر على أن ما يحدث اليوم هو تعويض سياسي وأخلاقي عن عجز المجتمع الدولي عن وقف المذبحة في غزة، وعن الصمت المطبق إزاء الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين الفلسطينيين منذ نحو عامين.

وأكد عبد القادر أن هذه الاعترافات، رغم رمزيتها وعدم اقترانها بإجراءات عقابية أو تحديد دقيق لحدود الدولة الفلسطينية، تشكّل نقلة نوعية في المسار السياسي للقضية الفلسطينية .
كيف ترون خطوة الاعتراف الدولي المتزايد بالدولة الفلسطينية ؟
ينقسم المراقبون، بين متفائل، بالاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وآخرون متحفظون ينحون للتشاؤم، ينظرون للمسألة كخطوة رمزية للغاية، متأخرة كثيرا، لن تحدث فرقا في حياة الفلسطينيين. فخلاصة هذه الاعترافات، نمنحكم دولة مقابل إعادة صياغة نظامكم وإنسانكم وتاريخكم وذاكرتكم ومستقبلكم .والأهم، أنها تأتي تعويضا عن عجز المجتمع الدولي عن وقف المذبحة، وكبح الاستباحة الإسرائيلية، وإبراء الذمة والضمير، أمام مشاهد القتل والترويع والتجويع المستمرة لما يقرب من عامين.
إلا أنّ الاعترافات لم تقترن بإجراءات عقابية صارمة على "إسرائيل"، لوقف المذبحة المستمرة منذ عامين، ووقف الزحف الاستيطاني الفالت من كل عقاب، ومن أجل وضع حد لعربدة الكيان الوحيد المارق في هذا الشرق الأوسط ، بل وفي العالم بأسره.. وجاء الاعتراف أيضا "متأخرا جدا"، لأن الاعتراف بدولة للفلسطينيين، جاء بعد أكثر من مائة عام على وعد بلفور المشؤوم، المنشئ لدولة الكيان على أنقاض سكان البلاد الأصليين.

كما أن الاعترافات بالدولة، لم تقترن كذلك، بتعريف حدودها وخرائطها المُرسّمة في "إعلان الاستقلال" 1988، ولا بموقف من مستقبل الاستيطان القائم والقادم الذي يلتهم إقليمها ويتهدد شعبها.في نهاية المطاف، يمكن تمرير فكرة "الدولة" منقوصة السيادة والجغرافيا، دولة على جزء من الضفة الغربية، شرط أن تضم العدد الأكبر من السكان، والمساحة الصغرى من الأرض، ومن دون المساس بفكرة "العاصمة الأبدية الموحدة..

ماهي مزايا هذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية على الصعيد السياسي والقانوني؟

رغم أنّ الاعتراف بدولة فلسطينية سوف يجلب مزايا قانونية وبعدا رمزيا، إلا أن هذه الاعترافات لن تغير أي شيء على أرض الواقع على الفور . في المقابل إنه "يوم تاريخي"، وإن القضية الفلسطينية بعده لن تظل كما كانت قبله.. لجملة من الأسباب، منها أولا ترفيع مكانة فلسطين من مجرد بعثات وممثليات، إلى سفارات بكامل امتيازاتها الدبلوماسية، بعد أن تكون قد حصلت على اعتراف ما يقرب من 80 % من دول العالم، وبما يفوق عدد الدول المعترفة بـ''إسرائيل''.
ثانيا أننا سنكون أمام وضعية "دولة تحت الاحتلال" بدل "شعب تحت الاحتلال"، مع أن وضعية "سلطة تحت الاحتلال"، لم تستحدث فرقا في أحوال الفلسطينيين، بل زادتها سوءا على سوء، ولا أحد لديه ضمانة، بأن وضعهم سيختلف إن حصل ما يتمناه المتفائلون.ثالثا إنّ "تسونامي" الاعترافات، سيعمّق عزلة "إسرائيل"، واستتباعا، حاميتها الرئيسية الولايات المتحدة، وسيدفع بهما، وإنّ بعد حين، للانحناء أمام العاصفة الأممية، لا سيما مع تنامي الضيق العالمي، بحرب الإبادة والتطهير والتهجير، والتجويع وجرائم الحرب التي لم يشهدها التاريخ الحديث التي باتت موثقة في المحافل الأممية.
والحقيقة، أنه لا بد من الإقرار بأن ما يحدث هو "خطوة في الاتجاه الصحيح" يتعين أن تتبعها خطوات، وتطور إيجابي يتكشف عن "فرصة" يتعين استثمارها، وهو مسار سياسي- دبلوماسي- حقوقي- مقاوم، يتعيّن أن يبدأ بنسبة الفضل لأصحابه، وأصحاب هذا الفضل، هم أهل غزة أوّلا، الذين صمدوا لعامين في ظروف تعجز الجبال عن تحملها.
ماهي برأيكم الخطوات اللازمة شعبيّا ورسميّا على الصعيد الدولي لدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلّة ؟

إنّ أكبر العقبات أمام إقامة دولة فلسطينية في يومنا هذا هي ذاتها العقبات التي كانت موجودة قبل 7 أكتوبر. فقبل كل شي، القيادة السياسية الإسرائيلية الفاشية والمحكوم على رئيس وزرائها من قبل الجنائية الدولية ملتزمة بمنع الاستقلال الفلسطيني بأي ثمن. وثانيا، تعاني القيادة الفلسطينية من انقسام. ولقد تزايدت هذه العقبات منذ 7 أكتوبر " 2023.
أما على صعيد الدعم الدولي فالمظاهرات التضامنية في شوارع العالم اجمع، احتجاجات الفنانين، التجمعات الجماهيرية، أسطول "الصمود"، بيانات الإدانة، وقرارات الاعتراف بدولة فلسطين التي صدرت هذا الأسبوع في الأمم المتحدة.. لا ينبغي أن نستخف بكل هذا لمجرد أنه لم يُوقف المجازر. فلكل فعل من هذه الأفعال معنى يتراكم قطرة بعد أخرى. ومن المؤسف أن الدول بشكل عام إلا البعض القليل لا تتخذ تدابير صارمة عقابية ضد ''إسرائيل'' الفاشية.
نحن نشهد الآن أكبر حركة ضمير شهدها العالم ففي شوارع فرنسا، وبريطانيا وأيرلندا وإيطاليا وأستراليا والمغرب واليمن وتركيا وبلجيكا وهولندا، والبرتغال، وكندا وشوارع نيويورك وشيكاغو ومدن أمريكية أخرى ، لم توقف الأصوات المطالبة بالعدالة لفلسطين. هذه الاحتجاجات، التي يُقال إنها "لم توقف نزيف الدم"، دفعت حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطين. إنها قوة الشعوب التي فرضت على الدول أن تُغيّر موقفها. الناس يشاركون يوميا، في دعم فلسطين. كل طفل في العالم يعرف الآن أن ''إسرائيل'' تقتل الأطفال في غزة، كل هذه الجهود انتشرت كالأمواج في أنحاء العالم، من دولة إلى أخرى، ومن شعب إلى شعب.
ما نراه اليوم يُشكّل وعيا بالقضية الفلسطينية لم يسبق له مثيل في التاريخ، من شوارع اليابان إلى بريطانيا، في كل مكان. كراهية وإدانة ''إسرائيل'' أصبحت أمرا شعبيا متناميا. صحيح أن 147 دولة كانت قد اعترفت سابقا بدولة فلسطين، ومع ذلك واصلت ''إسرائيل'' احتلال غزة دون اكتراث. والآن، يقترب عدد الدول المعترفة من 157، ومع ذلك ستواصل ''إسرائيل'' احتلالها، وهذا أيضا صحيح. لكن علينا أن ننتبه إلى أن هذه الاعترافات حدثت رغم معارضة الولايات المتحدة كقوة عظمى، ورغم تهديدات ''إسرائيل''.

كيف كان تأثير موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة على الجانبين الإسرائيلي والأمريكي؟
لو لم تكن هذه الاعترافات ذات أهميّة، لما ألغت الولايات المتحدة تأشيرات وفد فلسطين في الأمم المتحدة، ولما أصدرت كل هذه التصريحات. ولو لم تكن مؤثرة، لما فقد رئيس وزراء ''إسرائيل'' أعصابه، وأخذ يطلق التهديدات في كل اتجاه. ولما زادت حدّة الانتقادات الموجّهة إلى نتنياهو في "الداخل الإسرائيلي". "إسرائيل" والولايات المتحدة تعيشان اليوم هزيمة دبلوماسية. ورغم كلّ قوتهما، لم تستطيعا منع الاعتراف بدولة فلسطين. وسترون قريبا أنّ هذه المظاهرات التي لم تهدأ منذ عامين ستزداد، وستؤدي إلى فرض عقوبات على "إسرائيل" من قِبل الدول التي تغاضت عن الإبادة الجماعية. ولن تتأثر صورة ''إسرائيل'' وحدها، بل ستتضرر أيضا صورة الولايات المتحدة ومكانتها واحترام العالم لها.
علينا أن ننتبه ونتذكر إلى أنّ هذه الاعترافات حدثت رغم معارضة الولايات المتحدة كقوة عظمى، ورغم تهديدات الكيان الصهيوني. ولوبياته العميلة والمنتشرة في أمريكا وأوروبا.. لو لم تكن هذه الاعترافات ذات أهميّة، لما ألغت الولايات المتحدة تأشيرات وفد فلسطين في الأمم المتحدة، ولما أصدرت كل هذه التصريحات السلبيّة. ولو لم تكن مؤثرة، لما فقد رئيس وزراء ''إسرائيل'' أعصابه، وأخذ يطلق التهديدات في كل اتجاه. ولما زادت حدة الانتقادات الموجهة إلى نتنياهو في الداخل الإسرائيلي. ''إسرائيل'' والولايات المتحدة تعيشان اليوم هزيمة دبلوماسية. ورغم كل قوتهما، لم تستطيعا منع الاعتراف بدولة فلسطين.
وسترون قريبا أن هذه المظاهرات التي لم تهدأ منذ عامين ستزداد، وستؤدي إلى فرض عقوبات على إسرائيل من قِبل الدول التي تغاضت عن الإبادة الجماعية.، ولن تتأثر صورة إسرائيل وحدها، بل ستتضرر أيضا صورة الولايات المتحدة ومكانتها واحترام العالم لها.، ومع تراجع هيبة الولايات المتحدة، ستزداد الضغوط على من هم في السلطة هناك أيضا.، الحقيقة أن دول الغرب ديمقراطية لذا : لا حكومة يمكنها أن تتجاهل غضب ناخبيها.
القضية الفلسطينية مستمرة منذ نحو مئة عام. منذ احتلال بريطانيا القدس وشعب فلسطين يتألم. ومنذ تأسيس كيان إسرائيل، والمنطقة العربية تنزف دما. لذلك، لا يتوقعنّ أحد أن يُحلّ هذا الصراع فورا. والأهم من كل هذا وذاك، أن هذه الاعترافات تستمر وستستمر، فيما حكومة اليمين الفاشي في تل أبيب، تقضي على نحو منهجي منظم، على أية فرصة لقيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة. ويتصدر "التهجير القسري" جدول أعمال هذا الكيان الفاشي ليس في غزة فحسب، وإنما في الضفة والقدس .

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115