ومقاومة وحياة. منذ عقود بعيدة، والشعراء الفلسطينيون يكتبون القصائد كمن يزرعون أشجار زيتون جديدة في أرضٍ يحاول الكيان الصهيوني اقتلاعها من جذورها حتى لا تشهد على الحضارة والتاريخ .
من يقرأ العالم بيتا لمحمود درويش، يشعر أن فلسطين ليست خبرا عابرا في نشرة المساء أو عددا في تعداد الأموات، بل جرحا إنسانيا مفتوحا لا يندمل منا.
طالما ترجم الشعر صوت الأمهات اللواتي ينتظرن أبناءهن، و دمعة الأسير خلف القضبان، و ضحكة الأطفال رغم أنف الخراب... ولصدقها وحرارة شعورها ونفسها، فإنّ القصيدة الفلسطينية لم تبقَ أسيرة في حدود الجغرافيا، بل حلقت حرة إلى العالم. وقد ساعدت الترجمة لشعر لدرويش أو سميح القاسم أو توفيق زيّاد وغيرهم في جعل القضية الفلسطينية قضية إنسانية لا تخص الفلسطيني وحده، بل تخص كل إنسان عادل يحلم بالحرية والعدالة.
اليوم وأمام بشاعة ما يحدث في غزة، استشهد الرئيس الفرنسي "ماكرون" خلال كلمته بمؤتمر حل الدولتين بمقولة نسبها للشاعر الفلسطيني محمود درويش مفادها أن الشعب الفلسطيني هو" الشعب الذي لا يقول وداعا لأي شيء"، وقبله
ردّد كل من السفير الفلسطيني في مصر والسفير الفلسطيني في لندن بأبيات درويش الشهيرة: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة..."
وهنا، يتأكد في النهاية، أن الشعر هو الروح التي تحمي فلسطين من النسيان. هو الذاكرة التي لا يستطيع أي كيان غاصب أو مجرم حرب أن يصادرها... فالكلمة أو المقاومة بالثقافة عموما التي تبدو هشة أمام البندقية، أثبتت أنها قادرة على مراكمة الوعي، وبناء ذاكرة جماعية تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل.
لقد نجحت القصيدة ، وقصيدة درويش بالخصوص في تحويل الألم إلى جمال، والغياب إلى حضور دائم، وتخليد الشهيد، والثأر للثكالى ومسح دموع الأطفال ... فبقيت شهادة حيّة لا تموت ، ووصيّة كرامة، وصوت يذّكر العالم بأنه "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".