اتجهت الأنظار امس نحو القدس التي شهدت عملية أسفرت عن مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 15 آخرين في إطلاق نار نفذه شابان فلسطينيان داخل محطة حافلات مركزية شمال القدس المحتلة.ولئن لم تعلن حماس وفصائل المقاومة مسؤوليتها عن العملية بشكل مباشر ، لكنها تعطي رسائل للاحتلال بأنه لن ينعم بأي أمان وهو يواصل قتل الأبرياء في غزة وحرب التقتيل والتجويع وكذلك بان يد المقاومة قادرة على الوصول إلى العمق الصهيوني .
وصباح أمس كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال إن الإسرائيليين قبلوا شروط مقترحه بشأن اتفاق محتمل لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة وحان الآن دور حركة حماس للموافقة. وتحدث ترامب عن إمكانية التوصل قريبا لاتفاق ينهي الحرب على غزة على أساس أحد المقترحات، ولكنه في الوقت نفسه أرسل تحذيرا لحماس في حال رفض المقترح .وبحسب المصادر فان المقترح يتضمن حلا شاملا لإطلاق سراح جميع الأسرى مقابل إنهاء الحرب في غزة.
ويرى مراقبون أن عملية القدس التي وقعت بالتزامن مع تسريب تفاصيل المقترح الأمريكي الجديد تؤكد أن الميدان لا يزال لاعبا رئيسيا في صياغة موازين التفاوض، وأن المقاومة تواصل إرسال رسائلها بلغة صلبة وصامدة في وجه آلة الحرب الصهيونية. وما بين العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة في العمق الإسرائيلي وتصريحات القيادة الأمريكية، يبرز مشهد معقد ومفتوح على سيناريوهات متعددة.
إذ يرى مراقبون أنه حتى لو نجحت الضغوط الأمريكية في فرض وقف إطلاق نار أو صفقة تبادل أسرى ورهائن ، فإن جذور التوتر باقية ما دام الاحتلال قائما، وما دامت العدالة الدولية غائبة.
بنود المقترح الأمريكي
أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحريك المياه الراكدة في مسار التهدئة بقطاع غزة، معلنا أن "إسرائيل" وافقت على شروط مقترحه لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وتأتي هذه المبادرة بعد سلسلة مقترحات ووساطات لم تُفض إلى نتيجة، لكنها تحمل هذه المرة مؤشرات على تغير في قواعد اللعبة.
ووفق ما نقلته وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية، يقوم المقترح الجديد على صفقة شاملة أولها إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين في غزة وعددهم 48، بينهم 20 أحياء و28 جثة، في مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية، إضافة إلى آلاف المعتقلين الآخرين. ويتضمن العرض أيضا وقف العملية العسكرية الإسرائيلية المسماة "عربات جدعون 2" الرامية إلى السيطرة على مدينة غزة، إلى جانب فتح مسار تفاوضي بإدارة ترامب للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب بشكل كامل.
من جهتها رحبت حركة حماس بوصول أفكار أمريكية جديدة عبر الوسطاء، وأكدت جاهزيتها الفورية للتفاوض، لكنها ربطت أي اتفاق بوقف الحرب بشكل نهائي، وانسحاب جيش الإحتلال الإسرائيلي بالكامل من القطاع إضافة إلى تشكيل إدارة فلسطينية من المستقلين لإدارة شؤون غزة. وشددت الحركة أيضا على ضرورة وجود التزام إسرائيلي صريح ومكتوب حتى لا يتكرر سيناريو التنصل من الاتفاقات السابقة.
من جهة أخرى تدرس حكومة الإحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو بجدية المقترح الأمريكي، مدفوعة بالضغط الداخلي المتصاعد من عائلات الرهائن. غير أن تل أبيب لم تحسم موقفها بعد، في وقت تسعى فيه المؤسسة العسكرية في كيان الإحتلال لإكمال أهدافها الميدانية المزعومة في غزة.
وكان الوسطاء الدوليون قد طرحوا في أوت الماضي مبادرة شبيهة تنص على هدنة لمدة 60 يوما يتم خلالها تبادل الأسرى والرهائن على مراحل، وبدء مفاوضات نحو وقف دائم للحرب. وقد وافقت حماس على هذا المقترح، بينما تجاهلته إسرائيل فعليا، مشترطة السيطرة الأمنية على غزة ونزع سلاح المقاومة، وهي شروط رفضتها الحركة حينها، باعتبار أنها تنسف أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية .
ومع استمرار العدوان على غزة، والتجويع المنهجي للسكان، تشير هذه العملية إلى أن يد المقاومة قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وأن الاحتلال لن ينعم بالأمن ما دام يواصل سياسته التدميرية في القطاع.
مبادرات سابقة
ووفق مراقبين فإن ما يميز المقترح الأمريكي الحالي أنه يقفز فوق الحلول المرحلية السابقة، مثل المبادرة التي طُرحت في أوت الماضي ونصت على هدنة لمدة شهرين مع تبادل رهائن وأسرى تدريجي، والتي وافقت عليها حماس بينما تجاهلتها "إسرائيل". إلاّ أن الجديد في مبادرة ترامب أنها تقدم صفقة شاملة ونهائية.
ويحاول ترامب تقديم المبادرة على أنها "التحذير الأخير" لحماس، في إشارة إلى أن أي رفض قد يفتح الباب أمام تصعيد أشد في انحياز واضح لتل ابيب التي تشن حرب إبادة وحشية منذ عامين في قطاع غزة المنكوب. وفي ضوء ذلك، يبقى المقترح الأمريكي اختبارا حقيقيا للمرحلة المقبلة ، أو ربما مجرد محطة أخرى في مسار مفاوضات شاق لم يُكتب له بعد أن يرسو على اتفاق نهائي.
من جانبها أعلنت الرئاسة الفلسطينية،أمس الاثنين، رفضها أي "استهداف للمدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين"، ونبذ "جميع أشكال العنف والإرهاب أيا كان مصدره".جاء ذلك في بيان عقب مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 11 في إطلاق نار بمستوطنة راموت في القدس المحتلة نفذه فلسطينيان، بحسب سلطات الإحتلال الإسرائيلية.
ويأتي هجوم القدس وسط حرب إبادة جماعية تشنها ''إسرائيل''، بدعم أمريكي، في قطاع وعدوان عسكري بالضفة الغربية المحتلة منذ 7 أكتوبر2023.وأكدت الرئاسة الفلسطينية "موقفها الثابت في رفض وإدانة أي استهداف للمدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، ونبذ جميع أشكال العنف والإرهاب أيا كان مصدره".
وأضافت أن "الأمن والاستقرار في المنطقة لن يتحققا بدون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف أعمال الابادة الجماعية في قطاع غزة، وارهاب المستوطنين في الضفة، بما فيها القدس المحتلة".وشددت الرئاسة على أن "نيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في الدولة المستقلة وذات السيادة بعاصمتها القدس الشرقية، وتحقيق الأمن والسلام للجميع، هو الكفيل بإنهاء دوامة العنف بالمنطقة".
وعقب هجوم القدس دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتيرتش ووزير الأمن القومي إيتمار من غفير إلى تدمير قرى في الضفة الغربية المحتلة وتجويع الأسرى الفلسطينيين بسجون إسرائيل.وبموازاة حرب الإبادة بغزة، قتل الجيش والمستوطنون الإسرائيليون بالضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1018 فلسطينيا، وأصابوا نحو 7 آلاف آخرين، إضافة لاعتقال أكثر من 19 ألفا، وفق معطيات فلسطينية.
وتمهيدا لضم الضفة الغربية المحتلة، تكثف ''إسرائيل'' منذ بدئها حرب الإبادة على غزة من ارتكاب جرائم بالضفة، بينها هدم منازل وتهجير مواطنين فلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتوسيع وتسريع البناء الاستيطاني.
حمل السلاح
من جانبه دعا وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال الإسرائيلي إيتمار بن غفير، أمس الاثنين، جميع الإسرائيليين إلى حمل السلاح في كل مكان، وذلك خلال زيارته موقع الهجوم الذي وقع داخل محطة الحافلات المركزية في القدس المحتلة.وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الهجوم أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 14 آخرين بجروح، إثر إطلاق نار عند تقاطع راموت شمالي المدينة.
وقالت شرطة الاحتلال الإسرائيلية، في بيان مقتضب، إنها "قضت على شخصين نفذا عملية إطلاق النار"، في حين أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي إغلاق جميع المداخل المؤدية إلى القدس عقب العملية.
أسطول الصمود العالمي
على صعيد آخر دعت النقابات الصحية في قطاع غزة، أمس الاثنين، المجتمع الدولي والمنظمات الطبية والحقوقية إلى تأمين وصول أسطول الصمود العالمي للقطاع دون عراقيل.
وقال متحدث النقابات الطبيب خليل الدقران في مؤتمر صحفي بمشفى شهداء الأقصى (وسط): "نتوجه بتحية إجلال لأسطول الصمود".وأشاد بـ"القافلة الانسانية المكونة من 70 سفينة، والمحملة بالأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية والعلاجية الضرورية التي تشق البحار في تحد للحصار الجائر على غزة".الدقران شدد على أن وصول القافلة "سيخفف من الكارثة الطبية التي يعيشها القطاع، ويمكّن الطواقم الصحية من أداء واجبها الإنساني بكفاءة أعلى رغم ظروف الحرب والحصار".وأكد أن "هذه المبادرة تمثل انتصارا للضمير الإنساني العالمي، ورفضا صريحا لسياسات الاحتلال الإسرائيلي التي تحرم شعبنا من حقه في الصحة والحياة".كما أنها "دعم حاسم للكوادر الصحية بكل تخصصاتها التي تعمل بلا توقف وسط نقص حاد بالموارد والمعدات الطبية وتحت ضغط غير مسبوق نتيجة تدمير البنية التحتية الصحية"، بحسب المتحدث.
ودعا الدقران المجتمع الدولي والمنظمات الطبية والحقوقية إلى "تأمين وصول القافلة فورا ودون عراقيل".كما دعا إلى "توسيع نطاق الدعم العاجل للقطاع الصحي، بما يحمي المدنيين من شبح المرض والموت البطيء، ويعزز صمود المنظومة الصحية".
والأحد، بدأت نحو 20 سفينة قادمة من إسبانيا ضمن "أسطول الصمود العالمي" بالوصول إلى السواحل التونسية، تمهيدا للتوجه نحو قطاع غزة لكسر الحصار الإسرائيلي عنه وفتح ممر إنساني لإيصال مساعدات.ونهاية أوت الماضي، انطلقت نحو 20 سفينة ضمن الأسطول من ميناء برشلونة الإسباني، تبعتها قافلة أخرى فجر 1 سبتمبر من ميناء جنوة شمال غربي إيطاليا.ومن المنتظر أن تلتقي هذه السفن بقافلة ثالثة ستنطلق من تونس يوم غد الأربعاء.ويتكون الأسطول من اتحاد أسطول الحرية، وحركة غزة العالمية، وقافلة الصمود، ومنظمة "صمود نوسانتارا" الماليزية، ويضم مئات الناشطين من أكثر من 40 دولة.وتعد هذه أول مرة يبحر فيها هذا العدد من السفن مجتمعة نحو قطاع غزة.
وزير الحرب يتوعد
في الأثناء توعد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، امس الاثنين، بقصف مزيد من الأبراج السكنية في مدينة غزة، وتدمير القطاع وحركة حماس ما لم يتم إطلاق سراح الأسرى وإلقاء السلاح.كاتس قال، في منشور عبر منصة شركة "إكس" الأمريكية: "اليوم سيضرب إعصار هائل سماء مدينة غزة، وستهتز أسطح أبراج الإرهاب" وفق تعبيراته.ومحذرا قادة حركة حماس أضاف: "هذا تحذير أخير: أطلقوا سراح الرهائن (الأسرى) وألقوا أسلحتكم، وإلا ستُدمر غزة وتُدمرون أنتم".
والجمعة الماضي، شرعت إسرائيل في عملية تدمير تدريجية مكثفة للأبراج السكنية بقطاع غزة، ما أدى إلى تشريد مزيد من المواطنين الفلسطينيين في أوضاع كارثية.ويقول مراقبون إن هذا التدمير يهدف إلى إجبار الفلسطينيين على ترك مدينة غزة إلى جنوبي القطاع، ضمن مخطط إسرائيلي أمريكي لتهجيرهم قسرا إلى خارجه.
إسرائيل تدمر "برج الرؤيا" بغزة
ميدانيا دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي، امس الاثنين، "برج الرؤيا" وهو مبنى متعدد الطوابق، يسكنه مئات الفلسطينيين غرب مدينة غزة، وذلك بعد وقت قصير من إنذاره سكانه والنازحين في محيطه بالإخلاء.
ولم يترك الجيش وقتًا كافيًا لمئات العائلات الفلسطينية التي كانت تسكن المبنى، حتى تحول بما يضمه من شقق سكنية ومقرات مؤسسات وشركات، إلى ركام، تاركًا مئات المدنيين والنازحين بلا مأوى.
وقال شهود عيان وفق الأناضول إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنذر سكان المبنى والمنطقة المجاورة في شارع جمال عبد الناصر، ومنحهم وقتا قصيرا لإخلائه، قبل أن تقصفه المقاتلات الحربية مرتين بشكل متتال، ما أدى لانهياره بالكامل وتدمير الخيام التي كانت تؤوي مئات النازحين بجواره.وأشار الشهود إلى أن محيط البرج يضم آلاف الخيام إلى جانب مستشفى ومؤسسات خدمية.
ويأتي تدمير "برج الرؤيا" بعد أيام قليلة من شروع "إسرائيل" في حملة تدمير تدريجية للأبراج السكنية بمدينة غزة، ما زاد أعداد العائلات المشردة ودفعها إلى ظروف نزوح قاسية، في وقت يحذّر فيه مراقبون من أن الهدف هو دفع السكان قسرًا إلى النزوح جنوبًا، ضمن مخطط إسرائيلي أمريكي أوسع لتهجير الفلسطينيين خارج القطاع.وفي وقت سابق أمس الاثنين، توعد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بقصف مزيد من الأبراج السكنية في مدينة غزة، وتدمير القطاع وحركة حماس ما لم يتم إطلاق سراح الأسرى وإلقاء السلاح.
في الأثناء أضرم مستوطنون إسرائيليون النار،أمس الإثنين، في أراضي قرية يتما جنوب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، فيما أقدم آخرون على قطع أكثر من 21 شجرة زيتون مثمرة، في قرية فرخة غرب سلفيت (شمال).
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" عن رئيس مجلس قرية يتما أحمد أبو صنوبر قوله إن "عددًا من المستعمرين ترجلوا من حافلة على الشارع الرئيس في الجهة الشمالية للقرية، وقاموا بإضرام النيران في أشجار الزيتون المحاذية للشارع، ما أدى إلى احتراق بعضها".كما رشق مستوطنون بالحجارة مركبات فلسطينية مارة قرب مستوطنة "يتسهار" جنوب نابلس، دون التبليغ عن إصابات، وفق مصادر محلية.وفي سلفيت، أقدم مستوطنون إسرائيليون، على هدم ما يقارب 110 أمتار من الجدران، وقطع أكثر من 21 شجرة زيتون مثمرة، فيما لم يتمكن الأهالي من الوصول إلى بعض المواقع التي تعرضت لاعتداءات مماثلة، بحسب وفا.
ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومية)، ارتكب مستوطنون 431 اعتداء ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية خلال أوت الماضي.وتراوحت الاعتداءات بين "هجمات مسلحة على قرى فلسطينية، وفرض وقائع على الأرض، وإعدامات ميدانية، وتخريب وتجريف أراض، واقتلاع أشجار"، كما أقاموا 18 بؤرة جديدة "غلب عليها الطابع الزراعي والرعوي".