تحرك 21 اوت لاتحاد الشغل : استعادة الشارع للفعل السياسي ؟

لا يمكن النظر الى تحرّك الاتحاد العام التونسي للشغل

اليوم الخميس 21 اوت الجاري، بصفته ردّ فعل على محاولة اقتحام مقره، ولا باعتباره محطة نقابية صرفة في معركة الدفاع عن الحق والحريات النقابية. بل هو ابعد من ذلك، فما جرى وما سيجري هو لحظة اختبار لتوازن القوى في تونس، وامتحان لاحتمالات عودة السياسة إلى الشارع بعد أن جرى تجفيفها في المؤسسات.

اذ تعيش البلاد منذ 25 جويلية 2021، البلاد على وقع فراغ سياسي في ظل تراجع الحراك الحزبي جراء وهن داخلي او تضيقات، وغياب اية قوة يمكنها ان تضمن الحد الادنى من التوازن السياسي القادر على فتح النقاش العمومي ودفع السلطة الى الحوار عوضا عن المشهد الراهن الذي ساد فيه خطاب وحيد السلطة.

في ظل هذا السياق يتنزل حراك الاتحاد وينظر اليه على انه مناسبة محتملة لاعادة ضبط الساحة السياسية وخلق حركية فيها يمكنها ان تقود الى التوازن مع السلطة، والاتحاد ليس جديدًا على هذا الدور.فقد سبق له وان لعب ادوار متقدمة في المشهد التونسي كلما عنى الاخير من فراغ حزبي او جمود سياسي واحتقنان.

عناصر تدفع لدى تجمعها الاتحاد الى ممارسة سياسة بالمعنى الأوسع التي تبحث عن دفع السلطة للاقرار بان هناك قوة سياسية واجتماعية في تونس قادرة على اعادة تشكيل المشهد وتعبئة الانصار والحشود للضغط على السلطة، اي ااانها قادرة على توظيف الشارع في موجهة السلطة.

قدرة هي محل اختبار، من مننطلق ان محرار نجاح تحرك 21 أوت هو عدد المشاركين، بل في قدرة هذا الحراك على إعادة بعث الزخم. فإن استطاع الاتحاد أن يحوّل الغضب من محاولة استهدافه إلى قوة دفع جماعية، فإن الحياة السياسية في تونس ستدخل مرحلة جديدة، مرحلة لا تعود فيها السلطة وحدها من يحدد سقف النقاش، بل يشاركها فيه المجتمع من خلال أوسع مؤسساته تمثيلًا.

ومع ذلك، ليس كل نجاح مضمونًا. فالاتحاد يواجه بدوره تحديات، كيف يضمن أن لا يتحول التحرك إلى مجرد لحظة تنفيس، بلا استثمار سياسي لاحق؟ كيف يتفادى أن يختزل نفسه في ردّ فعل دفاعي، دون أن يطرح رؤية شاملة تعيد ربط الاجتماعي بالسياسي؟ ثم كيف يتعامل مع سلطة ؟

من هنا فإن مسيرة 21 أوت، إن كانت قوية ومنظمة، قد تعني أن تونس تدخل مرحلة جديدة من إعادة التوازن بين الدولة والمجتمع. هي ليست بداية ثورة جديدة، ولكنها قد تكون بداية استعادة السياسة من الشارع، حيث تلتقي المطالب الاجتماعية بالحقوق السياسية، وحيث يفرض المجتمع نفسه مجددًا كفاعل في تقرير مصيره.

السلطة أمام خيارين، إما أن تقرأ اللحظة باعتبارها دعوة إلى إعادة فتح مسار تشاركي، فتستعيد بذلك شيئًا من شرعيتها المفقودة، أو أن تختار الهروب إلى الأمام بالمزيد من التضييق، بما يفتح الباب أمام مواجهة أشد، وربما أخطر. في كلتا الحالتين، فإن ما بعد 21 أوت لن يكون كما قبله.

لذلك، لا يخطئ من يرى أن الاتحاد في تحركه هذا لا يدافع عن نفسه فقط، بل يضع البلاد أمام مرآة. مرآة تكشف حجم الفراغ السياسي، وانسداد الأفق الحزبي، وعجز المؤسسات عن التعبير عن التعددية. فإذا نجح الاتحاد في ملء هذا الفراغ، فقد يشكّل شرارة لإعادة بعث السياسة. وإذا فشل، فسيتأكد أن تونس دخلت زمن الجمود الطويل

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115