Print this page

سهرة قائدي الاوركسترا لشادي القرفي في مهرجان قرطاج الدولي اذا عزفت الموسيقى فأدخلوا محرابها بسلام

يا عشاق الحياة تجمعوا للصلاة في محراب

الموسيقى المقدس، يا محبي الأمل توافدوا لترحلوا بارواحكم بعيدا حيث تنتفي كل الآلام وتشفى الروح من كل وجع، ها قد دقت اجراس الفرحة فانصتوا وقرعت نواقيس الحب فهلموا نصنع عالما تسوده الموسيقى وتنحت تفاصيله نوتة منفلتة من عازف عاشق حمل الاته كطفل لا يريد ان يكبر، فالموسيقى لحظة لقاء حقيقي مع الفرحة أبدعت أنامل العازفين وقادة الاوركسترا في توصيفها في سهرة قائدي الاوركسترا على ركح قرطاج.

السهرة اوركسترالية اثثها الاوركستر السنفوني التونسي وجمعت باقة من امهر قادة الاوركسترا، من تونس المايسترو شادي القرفي ومن الجزائر المايسترو لطفي السعيدي ومن فلسطين المايسترو لامار الياس ومن ايطاليا المايسترو آندريا تارنتينو ومن تركيا احمد باران، وبمشاركة المغنين Goar faradzhianمن ايكاليا ومنجية الصفاقسي من تونس Mine bitmez من تركيا، اجتمعوا في فضاء واحد في تاسع سهرات الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي.

الموسيقى صوت للروح ولترددات صدى الإنسانية

إن للموسيقى ميزة هي ان المرء يستطيع ان يجعل التأثيرات الموسيقية منسجمة مع اي احساس يحسه فمن كان فرحا ادرك في أصوات الموسيقى فرحا ومن كان حزينا ادرك فيها حزنا والما هذه المقولة لدوستويفسكي هي أصدق توصيف للقاء قائدي الاوركسترا، فالموسيقى كانت بمثابة التصعيد ولها وقع الانعتاق من كل اشكال القيود.
قاد الرحلة مايسترو تونسي متمكن من معارفه الموسيقية وله قدرة على التحكم في الفضاء، قائد الاوركستر السنفوني التونسي شادي القرفي صمم العرض وكتب تفاصيل نجاحه، من الموروث الموسيقي الاندلسي انطلقت السهرة، فعانقت موسيقى الناي الارواح الحالمة ووجهت مسار الرحلة الفنية، عازف الناي احمد ليتيم أول من افتتح السهرة بعزفه المتمكن والشجي، واختار القرفي "مالوف فانك" لفوزي الشكيلي أول المقطوعات المعزوفة في العرض، فاستحضروا بالموسيقى جزء من الموروث الاندلسي على الفسيفساء الموسيقية التونسية .
التراث الموسيقي التونسي متنوع كتبته الحضارات والثقافات التي مرت عليه، وفي سهرة قائدي الاوركسترا عزفوا العديد من المقطوعات الراسخة في ذاكرة التونسيين، كما غنت منجية الصفاقسي بصوتها القوي اغان طبعت في الذاكرة الجماعية فقدمت "تتفتح لشكون" و"يازهرة في خيالي" من كلمات عبد الحكيم الربيعي وألحان عبد الكريم صحابو واغنية "يا زهرة في خيالي" لفريد الاطرش في توزيع اوركسترالي لشادي القرفي.
يصمت الناي ليترك الفضاء لالة التشلو لتكون قائدة الفقرة الموالية من الرحلة، ثم تصبح الكمنجات معلنة عن دورها في صناعة أجمل معالم السفر الموسيقي فحديث الآلات وبوحها له وقعه الخاص على الجمهور.
تتغير الايقاعات وتصبح اكثر صخبا وتشارك جميع الآلات في صناعة ملحمة موسيقية تتماهى مع وقع الكلمات التي سيؤديها الكورال تحت قيادة المايسترو الجزائري لطفي السعيدي فكان صوت الموسيقى الجزائرية بتلويناتها وثوراتها.
للجمهور عزفوا اغان مثل "جارجورا" الحان عبد الوهاب سليم، وغني الكورال "يا شهلة لعياني" ومسك ختام الفقرة اغنية "يا رايح" كلمات رشيد طه وألحان دحمان الحراشي، من كلمات الأغنية "يا رايح وين مسافر، تروح تعيي وتولي" هي نشيد الهجرة والتقاط فني عميق لالم الغربة والاغنية جزء من الذاكرة المغاربية وكانت لسنوات طويلة عنوانا للالم الذي يعيشه المغترب والأمل في العودة للوطن.
ترسم الكمنجات عالما من السحر، تستطيع نوتات الكمان اختراق القلب وتحويل مشاعر الألم الى فرحة، تنساب موسيقى الكمان كما تتهادى سفينة تشق عباب البحر، لازلنا في حدود المتوسط والوجهة ستكون ايطاليا مع المايسترو آندريا تارنتينو ورافقه صوت السوبرانو Goar faradzhian ، الذي تناص مع موسيقى الات flûte و الساكسوفون وصنعوا جوقة وثورة ايقاعية وقدمت اغان من الذاكرة الموسيقية الإيطالية فغنت O sele mio و parla piû pianoو conte partiro فشدت الانتباه ومنحت رحلة بصوتها المخملي الى الذاكرة والموسيقى الاوركسترالية الإيطالية.

فلسطين قصيدة حرية وسردية أخرى للحب

فلسطين البوصلة دائما، فلسطين قصيدة غزلية كتبها شاعر مجنون ولازالت وستظل قبلة للعشاق والباحثين عن ايقاعات ونوتات لا تعرف معنى الفناء.
ثائرة هي الموسيقى حتى في صمت الآلات وصلاتهم في أجمل البقاع، القدس القبلة والمتمنى كما ظهرت على الشاشة، الوجع الفلسطيني والتهجير القسري كان ميزة حوار الناي والقانون والكمان، ثلاث الات تكتب باسلوبها الوجع وتحوله الى موسيقى في معزوفة "سماعي بياتي".
عازفة كمان برعت في معانقة النجاح من خلال ايقاعاتها، كلما عزفت أعادت كتابة سردية وطنها، في سهرة قائدي الاوركسترا تخلت عن الكمنجة لتكون قائدة كل الكمنجات، بثوبها الفلسطيني المطرز اطلت المايسترو لامار الياس على الجمهور، فكانت شامخة كما برتقال يافا، مع الاوركسترا عزفوا للوطن فكرة وأرضا، و للحرية وغنى الكورال "موطني"، الموسيقى كانت كما الرصاصة المنطلقة مباشرة مع أصوات تردد "هل أراك في علاك تبلغ السماء" فبلغت أصوات الفلسطينين السماء وتجاوزتها.
كما قدمت أيقونة غنائية أخرى من كلمات الراحل عبد الرحمان الابنودي وألحان بليغ حمدي هي "بحلف بسماها" اغنية كانت ولا تزال قسما صادقا يؤديه كل المناصرين للقضية الفلسطينية، في اغنيته اقسم الابنودي وقال"أحلف بدروبها و أبوابها، أحلف بالقمح وبالمصنع، احلف بالمدني والمدفع، بأولادي بأيامي الجاية".
فلسطين البوصلة، القضية والارض، لشعب فلسطين تدافعت الموسيقات وعزفت الآلات أجمل المقطوعات وغنت الحناجر "يا شعبي يا عود الند" كلمات توفيق زياد، والاغنية صرخة ازلية تذكر الكيان الغاصب بجبروت إرادة الشعب الفلسطيني، وانبعاثه من رماد الحرب والموت ليزهر من جديد، فإنا باقون على العهد، باقون كما غنتها فرقة العاشقين منذ السبعينات.
المايسترو لامار الياس استطاعت افتكاك مكانة فنية مرموقة، تلك العاشقة تعلمت العزف منذ سن التاسعة وشاركت مع اوركسترا شباب فلسطين واختيرت من بين مجموعة اسماء لقيادة اوركسترا تولوز الفرنسية للطلاب وعلى ركح قرطاج صرخت من خلال الموسيقى فلسطين حرة من النهر الى البحر.

القانون سيد الاحساس
دع عنك وجع الماضي وتطهر في محراب الموسيقى، انصت بقلبك للايقاعات، تأمل لحظات الشغف المرسومة على محيا العازف وستشعر حتما بالسعادة، فموسيقاه تلامس شغاف القلب.
مايسترو وعازف قانون بارع، بايقاعاته الرقيقة أختار اللقاء مع الجمهور، فصمت الجميع لينصت لصدق النوتة التي أبدع المايسترو التركي احمد باران في عزفها ضمن مقطوعة عالمية عنوانها "Pulp fiction"،
لاحمد باران طريقته في مغازلة القانون والانسجام الكلي مع الالة لكأنها قطعة من الروح، للجمهور عزف ايقاعات تركية بعنوان "Taamolet" وعالمية على غرار "mozar't tan son mekup وأبدع في التوليفة بين الايقاعات الشرقية والغربية ولاعبها كساحر امام القانون فرسم بعزفه عالم موشى بكل ألوان الفرحة والجمال، وصاحبته في الغناء الفنانة Mine bitmez وغنت kalamis و hatirla segili، اغان هادئة تماهت كليا مع نغمات الكمنجات وسحر القانون سيد الاحساس ومانح شعور الفرحة للجميع.

سهرة قائدي الاوركسترا لقاء حقيقي مع الحلم والفرحة، جولة عبر الموسيقى في التراث الموسيقي العالمي، لقاء بين عازفين وقائدي اوركسترا وحدتهم الموسيقى، عرض تونسي الفكرة عالمي الانجاز، عرض متجدد اذ اختلف عرض قرطاج عن عرضي الحمامات والجم والعروض التي قدمت خلال الموسم الثقافي في مسرح الاوبرا فأبدع شادي القرفي في تطريز تفاصيل اللقاء الموسيقي.

المشاركة في هذا المقال