لتتداول الجهات التونسية على احتضانه في كل صائفة. يتجاوز الخبر مجرد الإعلان عن تظاهرة فنية جديدة تُضاف إلى خريطة المهرجانات الصيفية ليأخذ شكل خطوة رمزية وثقافية وربما سياسية، تعكس تحولا ملحوظا في طريقة تعاطي الدولة مع ما يُسمّى بـ"الثقافة الحيّة" وتعبيراتها التي تُولد في الشارع وتكبر في الهامش.
في الساعات الأخيرة ، أعلنت وزارة الشؤون الثقافية عن تنظيم الدورة الأولى من مهرجان "International Tunisia Rap Tour Festival" ومن المرتقب أن تنتظم هذه التظاهرة من 17 إلى 27 أوت 2025 بـرباط المنستير على أن "تحتضن كل سنة جهة جديدة من جهات الجمهورية هذا المهرجان، في إطار سياسة ثقافية تقوم على مبدأ اللامركزية، وتهدف إلى دعم التنوّع الفني وفتح المجال أمام الطاقات الشابة للتعبير والإبداع".
الراب من الهامش إلى أضواء المسارح
على الهامش وفي قلب الأحياء الشعبية، نشأت موسيقى الراب لتفضح بكل صراحة، بكل جرأة، بكل عنف... ما صمت عنه الخطاب السياسي وما تجاهله الخطاب الإعلامي. هي موسيقى الغضب والتمرد والانتفاضة أمام ما يعيشه الشباب من تهميش وبطالة وخيبة أمل من بلطي وكافون، إلى سانفارا وجي جي آي، إلى بسيكو أم و"جنجون" وغيرهم، خطّ هذا التيار لنفسه مسارا مستقلا وطريقا مختلفا لما تروجه وتتبناه مؤسسات الدولة.
ومن هنا، تكتسي خطوة وزارة الشؤون الثقافية بتنظيم مهرجان وطني للراب طابعا مزدوجا: فهي من جهة اعتراف بشرعية هذا التعبير الفني، ومن جهة أخرى انقلاب على "تقاليد" مؤسسة ثقافية رسمية تفرض وتحترم وتشرع لحضور الفنون "الراقية".
بعد الثورة برز فن الراب بقوة ليكون أحد وجوه الانتفاضة التونسية، لكن لطالما كانت العلاقة بين الدولة والراب متأرجحة بين الإقصاء والرضاء متوترة. فمرّة تقيم المهرجانات حفلات للراب ومرّة يقع الزج بفناني الراب في السجن بسبب كلمات أغنياتهم... واليوم يأتي تنظيم مهرجان دولي للراب في تونس تحت اشراف وزارة الشؤون الثقافية كلحظة اعتراف متأخرة .
هل يمكن استيعاب روح الراب المتمردة؟
لا شك أن تخصيص مهرجان لموسيقى الراب هو مكسب معنوي وفني، يفتح المجال أمام عشرات الفنانين الشبان، ويمكّنهم من لقاء جمهور أوسع في فضاءات لائقة ومؤطرة. كما أنّ تنقّله بين الجهات يعكس رغبة في إرساء عدالة ثقافية حقيقية، تكسر المركزية وتمنح الهامش أدوار البطولة.لكن، ورغم أهمية هذه المبادرة، فإنّ بعض الملاحظات والتساؤلات تفرض نفسها:من يختار البرمجة؟ هل يمكن للمؤسسة الرسمية استيعاب روح الراب؟ وهل ستتحمّل المؤسسة الرسمية صوت الراب عندما يحتجّ وعندما يوجه النقد إلى الحكومات أو السياسات الثقافية نفسها؟