«بشائر الفتح»، وهي الاسم الذي اختارته القيادة العسكرية والسياسية الإيرانية للرد على العملية العسكرية الأميركية «مطرقة منتصف الليل» نهاية الأسبوع الفارط والتي طالت ثلاثة مواقع نووية إيرانية.
هذا الخيار الإيراني باستهداف قواعد أميركية في كل من قطر والعراق، يمثل تطورًا في المشهد الإقليمي والدولي يدفع به إلى قلب أزمة غير مسبوقة، خاصة وأن إيران استهدفت قاعدة العديد، أين يقع مقر القيادة المركزية للقوات الأميركية (CENTCOM)، كما أن هذه القاعدة هي من أكبر القواعد الأميركية في منطقة الخليج، استهدافها مباشرة من قبل إيران وإن بضربة محدودة الحجم والتأثير هو كما تصفه مصادر من إدارة ترامب بـ»تصعيد خطير وغير مسبوق».
التصعيد الذي يبدو أنه كان متوقعًا من قبل الإدارة الأميركية ولكن توقيته يبدو أنه فاجأهم، فيوم أمس كانت تصريحات مصادر أميركية رسمية تشير إلى أن إدارة ترامب وفق الاستنتاجات الاستخباراتية التي توفرت لديها تتوقع أن يكون الرد الإيراني سيكون بعد يوم أو يومين، أي اليوم الثلاثاء أو غدًا الأربعاء.
تقييم أميركي لا يبدو أنه خضع للمراجعة أو التعديل رغم ما جاء في كلمة رئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء عبد الرحيم موسوي، الذي قال في كلمة بثها التلفزيون الإيراني صباح الاثنين الفارط إن الرد الإيراني سيكون «حاسمًا وقاطعًا»، مؤكدًا أن «انتهاك حرمة البلاد لن يبقى دون رد»، مشددًا على أن الرد الإيراني سيكون متناسبًا مع ما وصفه بـ»فعل المعتدي»، وأن انتهاك السيادة الإيرانية لن يمر دون عقاب. وذلك بالتزامن مع نشر عدة مواقع لأخبار مساعي دبلوماسية أميركية للحؤول دون وقوع هجوم إيراني واسع النطاق.
ما حملته كلمة القيادي العسكري من تهديد وتوعّد بالرد ومعاقبة من انتهك سيادة إيران، لا يتعارض مع تقديرات استخباراتية أميركية التي توقعت حصول رد إيراني وفق ما نقلته وكالة «رويترز» التي نشرت أن أحد مصادرها أشار إلى أن الرد الإيراني قد يطال القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط. وهو ما تحقق مساء أمس بهجوم إيراني على قاعدة العديد تصدت له الدفاعات الجوية القطرية وأحبطته دون تسجيل إصابات أو خسائر، وفق ما نشرته وسائل إعلام قطرية أشارت إلى إدانة الديوان الأميري للهجوم واحتفاظ قطر بحقها في الرد. بينما أعلنت القيادة العسكرية الأميركية أنها وضعت المنشآت في قاعدة العديد في حالة تأهب قصوى، تحسبًا لاحتمال تجدد الهجمات.
تطور لافت يضع المنطقة التي عاشت نهاية الأسبوع الفارط على وقع استهداف الولايات المتحدة الأميركية لثلاثة منشآت نووية في إيران، وتحذيرها لإيران من أن أي رد فعل عسكري من قبلها سيُجابه برد أميركي قاس، يبدو أن القيادة في إيران تجاهلته وذهبت إلى خيار القيام بنقلة نوعية في المواجهة بين الطرفين، ويكسر القاعدة التقليدية التي كانت تتبعها طهران وهي الاشتباك مع الولايات المتحدة الأميركية عبر حلفائها ووكلائها.
وهو ما يجعل استهدافها المباشر لقواعد أميركية سواء في العراق أو قطر خاصة بمثابة رسالة استراتيجية واضحة الدلالة والمعنى، وهو أن طهران باتت مستعدة لتوسيع المواجهة خارج أراضيها، وأنها هي الأخرى قادرة على توجيه ضربات موجعة للولايات المتحدة الأميركية التي بات مصير المنطقة بيدها اليوم.
وهو ما يرفع من منسوب التوتر الإقليمي ويضع احتمالات الحرب الشاملة على الطاولة. وتبقى قرارات واشنطن بين الرد العسكري على استهداف قواعدها أو الاكتفاء بالردع السياسي والعقوبات الاقتصادية، بهدف تقليص التوتر الإقليمي ودفع إيران إلى مفاوضات لإنهاء المواجهات، لا فقط مع الولايات المتحدة الأميركية بل مع الاحتلال بدوره الذي أبدى قادته منذ يومين استعدادهم لإنهاء حربهم ضد إيران إن قبلت الأخيرة بذلك.
مشهد إقليمي بالغ التعقيد والتأزم، يبدو أن التطورات فيه ستقاس بالدقائق التي ستحبس فيها الأنفاس وهي تراقب التحركات والخطوات التي سيقدم عليها كل طرف في مشهد إقليمي يزداد هشاشة وتعقيدًا