سياقات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران … تقديرات مراكز الفكر ووسائل الإعلام الغربية

عقب مكالمة ترامب ونتنياهو الأسبوع الماضي أجري الرئيس الأمريكي

مؤتمراً صحفياً، جاء فيه انه ناقش مع نتنياهو موضوع ايران والكثير من الأمور الاخري ، وأنه يأمل في التوصل لاتفاق مع ايران وهذا قد لا يتحقق ، وأنهى حديثه بعبارة ( سنعرف قريباً ) . وذكر موقع هآرتس الإليكتروني- في اليوم ذاته- أن إسرائيل تقوم بدفع استعداداتها لمهاجمة إيران، وكذلك على مستوي الدفاع من رد محتمل علي هجومها. وأشار تقرير هارتس الى أن مسؤولين أمنيين إسرائيليين يعقدون لقاءات بشأن ذلك مع نظرائهم الأمريكيين . وبصرف النظر عن تفاعل طهران مع حالة التأهب التي سبقت توجيه الضربة، لم تكن آراء الباحثين الأمنيين الإسرائيليين خفية على أحد أن احتمال توجيه ضربة لإيران بات أكبر من نجاح المفاوضات النووية الجارية مع واشنطن، خصوصًا مع تصاعد التهديد الإيراني وغياب الثقة في نتائج الحوار.

وتفاعلاً مع الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة لبنية القرار السياسي والعسكري في إيران ، يشير تقرير صادر عن صحيفة "نيويورك تايمز" إلى تباعد التقديرات الإستراتيجية بين طهران وتل أبيب، وأن الأخيرة قد تمكنت من تمرير إشارات خداع إستراتيجي وأنه علي الرغم من إستعداد القادة الإيرانيون منذ أكثر من أسبوع للهجوم الإسرائيلي في حال فشل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة ، إلا إنهم لم يتوقعوا أن تبادر إسرائيل بالضربة قبل الجولة السادسة من المفاوضات النووية في عُمان، وأن القادة العسكريين الإيرانيين اعتبروا التقارير التي تحدثت عن هجوم وشيك مجرد دعاية إسرائيلية تهدف إلى الضغط على إيران لتقديم تنازلات في برنامجها النووي . من ثم لم يتوجه قادة عسكريون بارزون إلى الملاجئ الآمنة ليلة الهجوم الإسرائيلي، بل بقوا في منازلهم، بسبب اعتقادهم أن الهجوم الإسرائيلي سيكون بعد جولة المفاوضات النووية، واعتبرت طهران أن الاتفاق المنتظر دون ضمانات بمثابة مخاطرة استراتيجية ، نظراً لسابق إنسحاب ترامب من اتفاق 2015 .

في خضم التقلبات الجيو - إستراتيجية التي تسود تفاعلات المنطقة منذ تولي ترامب فترة رئاسته الثانية ، نجد أن السياق الذي مهد للتصعيد الحالي ، يكشف عن تكثيف إسرائيل هجماتها على إيران ومصالحها بصفة خاصة في أكتوبر 2024 ، ونفذت أكثر من 100 غارة داخل إيران خلال الأشهر الماضية واستهدفت مصانع صواريخ ورادارات، وتضمنت استخدام سلاح الجو «إف-35»، والبحرية، والصواريخ بعيدة المدى. مما يعكس مستوى جاهزية مرتفع لضربة متعددة الأذرع. كما يلاحظ أن الضربات الجديدة تمت على الرغم من استمرار المفاوضات النووية وقبل الجولة السادسة . وتواكبت مع تقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الأنشطة النووية الإيرانية يوجّه إنتقادات مباشرة لإيران بأنها لم تلتزم بالتعهدات ، وهو أمر يُنظر إليه على أنه تهيئة للضربات الإسرائيلية ؛

هذا ، وقد نشر المجلس الأطلسي ( مؤسسة بحثية غير حكومية تأسست 1961 ) تقريراً يحمل عنوان "الضربة الإسرائيلية على إيران : تحول أمني وجوي-سياسي محفوف بالمخاطر " ، وتطرق إلى تجاوز إسرائيل المحظورات السابقة عبر استهداف منشآت نووية داخل إيران، مما يشير إلى تحوّل في العقيدة الأمنية (عقيدة بيغين ) ويضع المنطقة على مسار تصعيد غير مسبوق، وأن الهجوم الإسرائيلي يمثل ضربة قاضية لمفاوضات واشنطن-طهران في مسقط، الأمر الذى يُغلق باب التسوية السلمية ويدفع باتجاه عسكرة النزاع. وأكد التقرير على أن رد إيران عبر الحرس الثوري أو وكلائها في المنطقة، يهدد بتوسيع رقعة الصراع وتعطيل الاستقرار الإقليمي، أخذاً في الإعتبار التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز.

مستقبل الدور الأمريكي
وعلى الرغم من شواهد التنسيق المعلن والمستتر ، فإن واضع تقرير المجلس الأطلسي يري أن تنامي الفجوة بين «أمريكا أولًا» و«إسرائيل أولًا» يضعف التنسيق الإستراتيجي ويثير خلافات حول مستقبل الدور الأمريكي في المنطقة، مما يهدد العلاقات الثنائية ويقوّض مفاوضات المساعدات العسكرية المستقبلية. ويمكن وصف تلك التقديرات بأن به قدر من المبالغة لأن الساسة الإسرائيليين - بصرف النظر عن شكل الحكومة - يعلموا جيداً كيفية توظيف الأدوات التي تتيح لتل أبيب استمالة واشنطن إلى صفها، مهما قد يبدو من عدم توافق في المواقف الرسمية المعلنة ( خلال لقاء ترامب ونتنياهو الأخير في واشنطن إفريل الماضي ) والمداخلة الهاتفية لترامب مع وكالة "رويترز" قبل يومين تكشف عن تبدل المواقف الأمريكية تبعاً للمصلحة التي تتحقق من وراء خيارات التهدئة أو التصعيد. وأشار ترامب الى أنه ليس قلقًا من اندلاع حرب إقليمية نتيجة للهجوم الإسرائيلي على إيران التي تعرضّت لضربة مدمرة وليس من الواضح ما إذا كانت لا تزال إيران تمتلك برنامجًا نوويًّا، وإستفاض في تقديم مبررات للهجوم وأن هدف إسرائيل النهائي هو ضمان عدم امتلاك إيران سلاحًا نوويًّا، مؤكداً على أنه لم يفت الأوان بعد بالنسبة لإيران لإبرام اتفاق؛

في سياقٍ موازٍ ، وردت في تغطية وكالة "فوكس نيوز " لمستجدات التصعيد إشارات توحي بأن إدارة ترامب كانت علي علم مسبق بالضربات الإسرائيلية ، في المقابل نشرت "فورين بوليسي " تقريراً مهماً يحمل عنوان " إسرائيل إتخذت قراراً أحادياً يخلط أوراق الدبلوماسية النووية " ويتطرق إلى إستهداف إسرائيل لمنشآت نووية وعسكرية وشخصيات قيادية في طهران، في محاولة لمنع إيران من الوصول إلى «العتبة النووية» في المدى القريب. وأشار التقرير الى أن الضربة جاءت رغم تحذير «ترامب» لـ«نتنياهو» بعدم التصعيد خلال الحوار النووي الجاري في سلطنة عمان، مما يهدد بانهيار المسار الدبلوماسي، وأنه رغم نفي أي تورط، اتخذت الإدارة الأمريكية إجراءات احترازية مثل إجلاء دبلوماسيين ونقل موظفين، ما يُرجّح علمها بالهجوم ويعقد مصداقية النفي الأمريكي، وأوضح واضع التقرير أن تقديرات الخبراء تؤكد أن طهران ستعتبر الهجوم إسرائيليًا-أمريكيًا مشتركًا، ما يزيد من احتمالات الرد العسكري المباشر أو عبر الوكلاء، ويهدد أمن القوات الأمريكية في المنطقة؛

تداعيات اقتصادية
كما تناولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التداعيات الاقتصادية الدولية والإقليمية وأبرزها ارتفاع سعر برميل خام برنت 7.54%، والعقود الآجلة لشحن النفط 15%، وأسعار التأمين على الشحن الجوي والبحري في منطقة الخليج 20%، نتيجة استمرار التصعيد، وكذلك توقف ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر والأردن بعد تعليق العمل في عدد من حقول شرق المتوسط خشية استهدافها من جانب إيران. وركزت أيضاً على خسارة بعض الأسواق الإقليمية أكثر من 3% من قيمتها السوقية مع تراجع في قيمة الأسهم الأمريكية، وسط زيادة الإقبال على سندات الخزانة الأمريكية.
وفي خضم الضربات التي تشنها إسرائيل على طهران وتبريز وبندر عباس ، تشير استنتاجات لمراكز دراسات استراتيجية إلى إحتمالات توجّه إيران نحو توسيع بنك الأهداف الإسرائيلية ورفع سقف الردع، مع التهديد بتوسيع رقعة الصراع إقليميًا ودوليًا، واتخاذ إجراءات تصعيدية في الملف النووي، وربما يتحول الصراع إلى مواجهة كبرى متعددة الجبهات في حال انخراط أطراف دولية بشكل مباشر، ما قد ينعكس على ترتيب توازنات المنطقة واستقرار الأسواق العالمية وسلاسل الإمداد.
من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة اهتماماً متزايداً من جانب مراكز الفكر بوضع سيناريوهات للتداعيات الجيوسياسية / إقتصادية ، لاسيما أن التداعيات الاقتصادية للتصعيد المتبادل قد شهدت أمس 15 الجاري تراجعاً في مؤشرات الأسواق العالمية ت، وتراجع تراجع مؤشر "Stoxx Europe 600 " بنسبة 1%، في حين انخفض "DAX" الألماني و"CAC 40" الفرنسي بأكثر من 1,1 % , وانخفض مؤشر "تل أبيب 35" بنسبة 1.3%، ومؤشر "تل أبيب 90" بـ1.7%.، و"تل أبيب 125" بـ1.3%، و"تل أبيب للبنوك" بـ 2%، ولم تسلم المؤشرات العربية من التذبذب فقد تراجع مؤشر"تاسي" السعودي بنسبة 3.8%، والمؤشر الرئيسي الكويتي بـ4.9% .

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115