انقطاع الكهرباء لم يطفئ شاشة اختتام مهرجان "كان" : جعفر بناهي من سجون إيران إلى السعفة الذهبية في "كان"

عندما انطفأت الأنوار في "عاصمة الأنوار" وتحديدا في مدينة "كان" الفرنسية،

لم يكن الأمر مشهدا من فيلم "ديستوبيا" بل حقيقة مربكة سبقت موعدا سينمائيا استثنائيا. انقطع التيار الكهربائي عن مدينة "كان" صباح السبت وقبل اختتام المهرجان بساعات قليلة، لكن نور السينما كان أقوى من العتمة. وهكذا أسدل مهرجان" كان" الستار على دورته الثامنة والسبعين، في يوم بدأ بفوضى وانقطاع كهربائي غير مسبوق، وانتهى بتتويج سياسي مدوّ ورسائل فنية جريئة.

في ساعات الصباح الأولى من يوم السبت ، غرق ساحل الريفييرا في صمت داكن. توقفت إشارات المرور، انغلقت المتاجر، وخرج جمهور قاعات «سينيوم » إلى الشوارع على وقع مفاجأة العتمة . إنّه حريق مشبوه في محطة كهرباء.

"لقد كان مجرد حادث" يحصد الذهب

في قلب العاصفة، ظل قصر المهرجانات ينبض بطاقة مستقلة. المولدات اشتعلت، والمهرجان تابع سيره كما لو أنّ شاشة السينما وحدها قادرة بأن تمنح الضوء..
في لحظة حملت أكثر من مجرد تتويج، صعد المخرج الإيراني جعفر بناهي إلى المنصة، حاملاً السعفة الذهبية عن فيلمه الجريء "لقد كان مجرد حادث." هذا الفيلم الذي صُوِّر سرا في إيران، هو مرآة للوجع، وحكاية عن الانتقام المؤجل، والمساءلة الأخلاقية، وصراع الضحية والجلاد.
قال بناهي في كلمته، بصوت هادئ لكنه حاد كالسكين: "دعونا نضع كل الخلافات جانبا… فالأهم هو بلدنا وحريته. لا يحق لأحد أن يُملي علينا ما نقوله وما نصوره… السينما مجتمع." لم يكن خطابه مجرد شكر، بل بيان حرية، وصفعة سياسية، ورسالة إلى العالم.
وقد سجن المخرج الإيراني جعفر بناهي، لأكثر ومُنع من مرة إخراج الأفلام في موطنه إيران.كما أنه مُنع من السفر عدة مرات، لدرجة أنه لم يزر مهرجان كان منذ عام 2003، على الرغم من مشاركة أفلامه.وقد حُكم عليه في إيران عام 2010، بالسجن ست سنوات ومُنع من التصوير لمدة 20 عاما أو السفر إلى الخارج، لدعمه احتجاجات مناهضة للحكومة ونشر "دعاية مناهضة للنظام"، وأُطلق سراحه بكفالة مشروطة بعد شهرين.
بالرغم وجود أفلام أقوى فنيا من فيلم بناهي، كما قال بعض النقاد، إلا أن السعفة الذهبية ذهبت إلى فيلم يصرخ في وجه القمع، ويحتفي بالشجاعة. فماذا تكون السينما إن لم تكن موقفا؟ إن لم تفضح وتقاوم؟ وتعرّي وتُحرج؟

نادية مليتي أفضل ممثلة "كان"

في مفاجأة غير متوقعة كان الحضور العربي لافتا ومؤثرا في اختتام مهرجان "كان"حيث فازت " نادية مليتي" الممثلة الشابة ذات الأصول الجزائرية، بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "أختي الصغيرة الذي أخرجته المخرجة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية - التونسية حفصية حرزي. لأول مرة تمثل نادية مليتي على شاشة السينما وبالرغم من أنها وافدة جديدة على الفن السابع، فقد أظهرت وفق النقاد قدرة استثنائية على تجسيد شخصية مركبة تواجه صراعات الهوية الثقافية والجنسية في مجتمع متعدد الثقافات.
يستوحي فيلم «الأخت الصغيرة» قصته من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة فاطمة دعاس، ويتناول قصة مراهقة تنتقل إلى مرحلة جديدة من حياتها في الجامعة، يتميز الفيلم بأسلوب بصري طبيعي وإيقاع متصاعد، مع نبرة تجمع بين الحساسية والجرأة، ويُعد العمل الروائي الثالث لحرزي بعد «أنت تستحق حبيبا» (2019) و«الزوج الطيب» (2021) .

"كعكة الرئيس"... من أهوار العراق إلى مجد "كان"

في لحظة سينمائية فارقة، دوّى اسم العراق في أروقة مهرجان كان السينمائي الدولي، حين صعد الشاب حسن هادي إلى خشبة المسرح ليتسلّم جائزة "الكاميرا الذهبية"، عن فيلمه الروائي الأول "كعكة الرئيس"، الذي نافس ضمن تظاهرة "أسبوع المخرجين" المرموقة. الفيلم يأخذنا إلى عمق تسعينيات العراق، في خضم الحصار والعزلة، من خلال عيني "لميعة"، الطفلة ذات الأعوام التسعة، التي تعيش مع جدتها في منطقة الأهوار. وسط الطين والماء والبرد والعزلة، تتفتح حكاية تتقاطع فيها البراءة مع السلطة، حين تُكلّف مدرستها بتحضير كعكة ضخمة لعيد ميلاد الرئيس الراحل صدام حسين. وبين الحلوى الرسمية والجوع الشعبي، يفتح الفيلم جرحا مؤجلا في الذاكرة الجماعية.

أن يفوز "كعكة الرئيس" في كان، ليس فقط تكريماً لفيلم، بل لبلد ظلّ صوته خافتا في السينما العالمية لسنوات. قيل إنّ الفيلم لم يُدهش لجنة التحكيم بقوة موضوعه فقط، بل بعمق معالجته الإنسانية، وإخراجه الذي وازن بين الواقعية القاسية والحس الجمالي الرقيق.
برغم كل شيء: القيود، الظلام، القمع، العطل الفني...واصلت السينما حديثها في "كان" على طريقتها الخاصة، سواء بالصورة، أو بالرمز، أو بالرسالة. فلا شيء يمكنه أن يُطفئ نور السينما... حتى انقطاع الكهرباء!

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115