Print this page

جمعية "إبصار" تدعو إلى تطبيق "اتفاقية مراكش": حق ضعاف البصر في النفاذ إلى المعرفة ما زال معلّقا !

يحدث أن يتحوّل الوصف إلى ضوء في عيون ضعاف وفاقدي البصر، وهذا ما حدث في لحظة إنسانية عميقة ومميزة خلال ندوة دولية حول اتفاقية مراكش.

فقبل أن يبدأ الكاتب والباحث في علوم الإعلام الاتصال محمد المعمري مداخلته، توقف لوصف تفاصيل ملامحه وملابسه للحضور من ذوي الإعاقة البصرية بصوته الواثق والواضح. وكان وصفه أشبه برسم لوحة حيّة في أذهان الحاضرين الذي صفقوا له بحب وحرارة، حيث أعاد لهم شعور التواصل والحوار مع شخص يشاركهم النقاش بكل شفافية، متجاوزا حدود الإعاقة بحس إنساني عال.

 "الفن بلا حدود الإنسان بلا حواجز" كان هو شعار المهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة "هاندي ميوزك" في دورته السابعة الذي تواصل من من14إلى 18 ماي 2025 بمشاركة الدول التالية: البرتغال، بولونيا، إسبانيا، سويسرا، فرنسا، ليبيا، المغرب، سلطنة عمان، العراق، الجزائر، موريتانيا.

في انتظار المرور من التوقيع إلى التمكين

في وقت تتصاعد فيه الدعوات إلى ترسيخ ثقافة دامجة تضمن المساواة في فرص التعلم والنفاذ إلى المعرفة، أعادت جمعية "إبصار" فتح ملف تفعيل اتفاقية مراكش، التي وقّعتها تونس منذ أكثر من عشر سنوات دون أن تُترجم التزاماتها إلى واقع فعلي.
يوم السبت 17 ماي 2025 ، لم يكن يوما عاديا بالنسبة لليلى القاسمي وغيرها من الحضور ممن شاركوا في الندوة الدولية حول اتفاقية مراكش التي نظمتها جمعية إبصار بأحد نزل مدينة الحمامات بدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت . وقد وُقّعت سنة 2013 لتعزيز حق المكفوفين وضعاف البصر في النفاذ إلى المعرفة والمعلومة.
لأول مرة، شعرت عضوة جمعية إبصار والنائبة بالمجلس المحلي ببني خلاد ذات الإعاقة البصرية أن النقاش القانوني والاجتماعي لا يدور حولها فقط، بل من أجلها أيضا. وهي التي كانت تجلس إلى جانبي، كانت تتابع باهتمام وبوعي مداخلات المختصين. وكانت تهمس لي بين الحين والآخر أنّ اتفاقية مراكش ليست مجرّد نص دولي، بل أمل ملموس يُعبّد الطريق نحو عدالة معرفية. لكن الوقت قد حان للانتقال من التوقيع إلى التطبيق، ومن التعاطف إلى التمكين. لم تكن مجرّد جلسة نقاش قانوني، بل لحظة إنسانية تكثّفت فيها الأحلام الصغيرة والحقوق المؤجّلة.

من الحبر إلى الأمل

في ندوة دولية حاولت أن تضيء طريق الأمل لذوي الإعاقات البصرية، اجتمع عدد من الفاعلين والخبراء من تونس وخارجها ليطلقوا نقاشا مهما حول اتفاقية مراكش، التي تهدف إلى تمكين الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر من حقهم في القراءة والوصول إلى المعرفة.هذه الندوة، كانت أكثر من مجرد لقاء أكاديمي أو نقاش قانوني، بل كانت مناسبة لتسليط الضوء على قصة إنسانية كبيرة: قصة حق كل إنسان في أن يرى العالم بكلماته، وأن يلامس المعرفة بحرية.
تناول المحور الأول من الندوة الأبعاد القانونية للاتفاقية، وركّز على بطء التفعيل في العالم العربي رغم التصديق الرسمي. قدّم الأساتذة مداخلات حول غياب الآليات التنفيذية، والتردّد في مواءمة القوانين المحلية، خاصة تلك المتعلقة بحقوق النشر. لكن في القاعة، لم يكن النقاش مجرد مادة فكرية، بل شهادة حية.
أدار الجلسة في جزئها الأول حول "اتفاقية مراكش – المفهوم والأهداف" ناجي البغوري، منسق برامج الإعلام والاتصال وبرامج العلوم الإنسانية والاجتماعية بمكتب اليونسكو بتونس، وشارك فيها كلّ من: منير خير الله، الباحث المغربي في علم الاجتماع، الذي تناول الخلفيات الاجتماعية لضرورة الاتفاقية. والدكتورة هدى العقيدي، أستاذة مساعدة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، التي قدّمت قراءة قانونية في بنود الاتفاقية. ومحمد المعمري، الباحث في علوم الإعلام والاتصال، الذي تطرّق إلى أبعاد الاتفاقية الإعلامية والثقافية.

تحديث التشريعات ودعم إنتاج الكتب الميسّرة

خُصص الجزء الثاني من الندوة للبحث في سبل التطبيق الفعلي لاتفاقية مراكش. ركّز المتدخلون على ضرورة تحديث التشريعات، ورفع القيود التقنية والتجارية التي تعيق إنتاج الكتب الميسّرة، لا سيما في البلدان النامية. وفي الجزء الثاني من الجلسة التي أدارتها الصحفية هاجر بن حسين فقد تم تناول الاتفاقية وكيفية الاستفادة منها، وشارك فيها ممثل عن المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والذي استعرض آليات تنفيذ الاتفاقية من منظور حماية الملكية الفكرية. أما النائب صابر المصمودي، رئيس كتلة الأحرار بالبرلمان، فقد قدّم مداخلة حول المبادرات التشريعية لدعم النفاذ إلى المصنفات. وفي مبادرة تستحق الذكر والشكر، رئيس لجنة التكنولوجيا الموائمة بجمعية إبصار، الذي عرض نماذج تطبيقية للاتفاقية عبر "تقنية "EPUB 3 لتسهيل الوصول إلى المحتوى الرقمي للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية.
ولضمان شمولية الندوة، تم تأمين الترجمة بلغة الإشارة، وهو ما أعطى الحدث رمزية خاصة. في تأكيد بأنّ التواصل حق والثقافة أيضا حق.
في نهاية الندوة، كان هناك شعور بأن شيئا ما قد يتغير. ليس فقط على الورق، بل في وعي الحاضرين. وكأنّ ليلى القاسمي ، وهي تهمّ بمغادرة القاعة، كانت تلخّص ما دار طوال اليوم حين قالت بابتسامة:"كنت أبحث عن نافذة أمل، ففتحت إمكانية تطبيق اتفاقية مراكش لي بابا. قد لا أراه، لكنني أشعر به جيّدا عندما يفتح على مصراعيه أمامنا ."

 

رئيس جمعية "إبصار" محمد المنصوري:
أكثر من عقد... واتفاقية مراكش حبر على ورق !

تُعتبر اتفاقية مراكش، التي صادقت عليها تونس سنة 2013، من أبرز المعاهدات الدولية التي تعنى بتكريس الحق في النفاذ إلى المعرفة لفائدة ذوي الإعاقة البصرية، حيث تتيح إمكانية تحويل الكتب إلى صيغ ميسّرة دون الحاجة إلى إذن مسبق من أصحاب الحقوق الفكرية.
وفي تصريح لجريدة "المغرب"، أكد رئيس جمعية إبصار، محمد المنصوري، أنّ الوقت قد حان لتفعيل الاتفاقية عبر إصدار النصوص الترتيبية اللازمة، مشيرا إلى أن غيابها لا يزال يحرم فئات واسعة من ذوي الإعاقة البصرية وصعوبات القراءة من حقهم في المطالعة والاطلاع.
وقال المنصوري: "رغم مرور أكثر من عقد على مصادقة تونس على اتفاقية مراكش، إلا أن المكتبات العمومية وفضاءات التعلم لا تزال شبه خالية من الكتب الميسّرة، سواء كانت نسخا صوتية، أو كتبا بخط مضخّم، أو نسخا بلغة براي. نحن نتحدث عن نسب لا تتجاوز الصفر فاصل، وهذا مؤسف في بلد يطمح إلى الريادة الثقافية."
وأضاف أن الجمعية توجّهت إلى مجلس نواب الشعب للمطالبة بإصدار النصوص الترتيبية الكفيلة بتفعيل المعاهدة، مؤكدا أن المصادقة الشكلية لا تكفي ما لم تترجمها إرادة سياسية فعلية، مؤكدا أنّ "الحق في الثقافة ليس امتيازا بل حق إنساني أصيل يجب أن يشمل الجميع دون استثناء."

 

المشاركة في هذا المقال