Print this page

من اعماق الهامش الى القطب الشمالي: سيف الدين الجلاصي يدافع عن هويته من خلال "الربوخ"

ارقص وتحرر من كل القيود، "اشطح" واطلق العنان لروحك علها تتجاوز كل الحدود، ارقص ودع للجسد كامل حريته ليستحضر امجاد هذا البلد وحكايات شعبه،

الرقص حرية والرقص يشبه بطاقة الهوية للتونسي، الرقص لغة لها خصوصياتها ومميزاتها وبجسده سيحمل الفنان سيف الدين الجلاصي الربوخ التونسي لغة وفكرة ويقدمه الى جمهور القطب الشمالي، فالرقص لغة متفردة والتونسي يحمل هويته تعبيرة فنية منفلتة يدافع عنها وفي هذا السياق يتنزل "الربوخ" عرض مسرحي وتاريخي وثقافي مقاوم.

الربوخ مشروع اخذ عامين من البحث والتدريب، عامين جمعت فريقا امن بالمشروع وسعى ليصبح الحلم حقيقة وجميعهم متطوعين ايمانا بفكرة "الربوخ" كمشروع يدافع عن الهوية، الربوخ فكرة وإعداد لسيف الدين الجلاصي والمساهمة الاخراجية لنزار الكشو والمساهمة الكوريغرافية لسلمى بهلول وفاطمة عمري وبحث وتدقيق مالك زغدودي والملابس لوجدان زميط وفكرة الغرافيك لمعين الغربي والتسجيل الصوتي انور تليلي وايناس غنودي وتوثيق محمد اسماعيل خلفاوي وجميعهم شركاء في تنفيذ الفكرة وهم الجمال حين يتجسّد في تجربة عفوية.

الربوخ مقاومة وحركات احتجاجية

البروخ اعادة كتابة لجزء من تاريخ البلاد، الربوخ اعادة كتابة لخطوات تونسية واحيائها وتقديمها للمتفرج باختلاف هواجسه، الربوخ تجربة تونسية بحثية فنية وانسانية تقدم لجمهور القطب الشمالي في مختبر بحثي انطلق من مارس 2023 الى اليوم حسب تعبير صاحب الفكرة سيف الدين الجلاصي.
"الربوخ" منذ بدايته لم يكن الربوخ مجرد موسيقى للفرح والاحتفال، حيث كان في جوهر أداة مقاومة وصرخة احتجاج. عبر الإيقاعات الراقصة والنغمات الجريئة، التي حملت دلالات متعددة على غرار المقاومة الاجتماعية ضد الفقر والتهميش، التمرد على الأعراف السائدة، الاحتفتاء بالحياة، وأحياناً التعبير عن الغواية والإغراء ليصل شك من أشكال الاحتجاج الفني على سكان المدينة ومؤسساتها الرسمية التي همّشت الفئات الشعبية لأجيال.
حيث ان القوانين الثقافية السائدة حينها تملي أنماطاً موسيقية محددة تخدم النخبة والمجالس الموسيقية التي يعتبرونها راقية ، اختار الربوخ هذا الإطار ليعبّر عن هوية تم اقصائها بشكل ممنهج ، مضيفًا إلى المشهد التونسي نغمةً تمثل كل الفئات التي طالما وصفت بأنها خارقة للنظام وفي نفس سيرورة المقاومة يواصل الجلاصي نحت مسارته الابداعية انطلاقا من خطوته التونسية.
الربوخ ليس مجرد موسيقى او حركات، الربوخ عنوان لانتفاضة شعبية على الاستعمار، صوت الحالمين والكادحين، صوت ابناء الارض في انتفاضتهم الصامتة على الظلم، الربوخ تعبيرة تونسية حرّة ومحاولة لتجاوز حدود المستعمر وتفرقته الاجتماعية بين سكان البلد الواحد.
العرض بحثي يعود بالجمهور الى في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عمق الأحياء الشعبية والأرياف التونسية، اين ظهرت آلة المزود )مزمار القربة التونسي( لتشكّل تعبيرات فنيةّ تجمع بين الإيقاع الجسدي الجريء والموسيقى التي تترجم آلام وآمال الطبقة العمالية والمهمشين حيث تم تسميتها بموسيقى الرّبوخ، وتجمع الة المزود الموسيقية بين طابع المزمار وقوة الصوت المنبعث من القربة الجلديّة، شاهدةً على تحولات ثقافية واجتماعية كبرى في تونس، حيث بات الربوخ رمزاً لفن الهامش ولغته الأكثر تعبيرًا كما جاء في تقديم مشروع "الربوخ".

بين المقاومة والاغراء والاحتجاج والفرحة تشكلت معالم الربوخ

الربوخ احياء للذاكرة وبحث في الهوية التونسية، احياء للخطوة التونسية والدفاع عنها امام جمهور القطب الشمالي، مسؤولية ثقافية وانسانية تجاه جزء من ذاكرة جماعية يشترك فيها اغلب التونسيين، فبجسده سيعيد سيف الدين الجلاصي مشاهد من طفولته، سيغوص في ذاكرته الانفعالية ويقدم القليل من سحر الرقص التونسي وتلك الجمالية المميزة لكل خطوة، يستحضر وجع العملة، وفرحة الراقصين واهازيج الاعراس وكل ملامح الفرحة المصحوبة عادة بالمقاومة سيقدمها الجلاصي على ايقاعات تونسية تحديدا موسيقى الهادي حبوبة وفاطمة بوساحة وكلاهما من ايقونات الفن الشعبي التونسي، فالجلاصي يحمل هويته معه ويدافع عن موروثه باسلوبه الفني الخاص به، ليكون "الربوخ" عالم موسيقي رحب سيكون فيه الجسد سيد المكان والزمان وعنوان لهوية تونسية وتاريخية يحملها التونسي اينما حلّ.
بجسده وحركاته وايقاعات المزود المنبعثة في المكان سيرقص الجلاصي وتزهر احلامه ليعيد الة الزمن ويعرّف بجزء من موروث بلده، سيعود بالزمن الى فضاءات مهمشة ولد فيها فنّ الربوخ، ففي أزقة المدن العتيقة وأربضتها، وعلى أطراف حقول الريف التونسي، بدأت تتشكل ملامح فن الربوخ في الفضاءات الخاصة مثل مخازن السلع والموانئ ومناجم الفوسفاط حيث كانت نقطة انطلاقه الأولى، كان العمّال البسطاء وأبناء الطبقات الشعبية يخلقون عالماً تعبيرياً جديداً من خلال الربوخ. سرعان ما تجاوز المزود حدود هذه الأماكن، ليغزو الأعراس الشعبية، البطاحي وأسطح المنازل التي كانت تتحول إلى منصات مؤقتة لاحتفال والرقص..
ورغم أنه بدأ كفنّ خاص بالهوامش، إلا أن الربوخ سرعان ما شق طريقه نحو المدينة وضواحي العاصمة تونس. في هذه المساحات، انصهرت أصوات الأرياف مع نبض الحياة الحضرية، ليصبح نبضا للجماهير المهمشة.
الربوخ عرض تونسي الروح عالمي الانجاز في العرض اسكسسوارات تونسية قديمة منها التلفاز القديم، الفولارة التونسية الملونة، قوارير ماء الزهر، وغيرها من اشياء قديمة هي جزء من ذاكرة حفلات "الربوخ" التونسية.
العرض تجربة بحثية مشتركة اجتمع فيها تونسيين امكنوا بالاختلاف " حملتم معي عبئ الحلم في اصعب الظروف، وعبرتم المسافات والغربة والعمل عن بعد، كانت ارواحكم تتنفس نفس النغمة وترقص على ذلك الايقاع، وبالتزام لا يعرف التردد ساندتم المشروع واكتم ان الايمان والحب لا يعرف حدودا" هكذا تحدث الجلاصي عن فريق امن بالفكرة وحوّلها الى حقيقة ستقدم للجمهور في اسكوتلندا ثم البانيا، ليكون العرض تجربة نضالية اخرى يخوض غمارها فنان اختار منذ بداياته ان يكون صوتا للمهمشين واللاجئين والمستضعفين والحالمين.

 

المشاركة في هذا المقال